Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر April 12, 2016
A A A
سلفيُّو أوروبا يفجّرونها وساحاتها مغناطيس جاذب لإرهابها
الكاتب: محمد احمد الروسان - البناء

الأوروبي زرع الريح فحصد العاصفة، وبعيداً عن لازمة التضامن مع بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي ووجه الناتو المدني، وعاصمة حلف شمال الأطلسي العسكري الوجه العسكري الاستخباري لأوروبا، ضدّ هذا الحدث الإرهابي المدان وبكلّ اللغات والذي له ما بعده، فإنّ ما جرى في بلجيكيا قلب أوروبا وقبلها فرنسا، حيث انطلق الإرهابيون الذين هاجموا باريس من ساحات جارتها الأوروبية. ببساطة بروكسل تهاجم بروكسل بمعنى آخر، والمهاجمون هم من مواليد بلجيكا والنشأة هناك كغيرهم من سلفيّي أوروبا، وهم نتاجات المجتمعات الأوروبية، وليس المغربية أو التونسية أو الجزائرية أو الموريتانية أو الليبية، أو أيّ مجتمع عربي آخر.

أوروبا عاجزة عن حفظ أمنها الداخلي وهي ملحقة بواشنطن حيث سياساتها الخارجية والدفاعية تتكئ على واشنطن، وقد فتح بنك حسابها الآن بفعل رؤية البلدربيرغ الأميركي وعليها أن تدفع فواتير اللجوء الكثيف والإرهاب العابر للقارات، فهل تقود تفجيرات بروكسل الأخيرة وقبلها تفجيرات باريس ومجزرة «شارلي إيبدو» أوروبا تحديداً أكثر فأكثر نحو فكرة التعاون مع إيران والجيش السوري والرئيس الأسد وحزب الله… ومع روسيّا؟ فإذا ما أرادت أوروبا مكافحة الإرهاب فعلاً فثمة ممرات إلزامية لها، عبر سورية وحزب الله وإيران، خاصةً أنّ العالم صار يقترب أكثر فأكثر من الفكرة الروسيّة القائلة: الأسد ونظامه وإيران وحزب الله ليسوا هم الخطر.

مسكينة أوروبا العجوز، الآن بعد أحداث باريس وبروكسل عاصمة الناتو، وقعت أوروبا بين الصير والباب. فهي من جهة مجبرة على اللحاق بالسياسة الأميركية في محاصرة روسيّا وتخريب الوطن العربي، ومن نتائج ذلك خسائرها الاقتصادية وتدفق اللاجئين عليها كعبء اقتصادي ومسألة قلق عنصري معاً. الآن مضطرة أن تدفع أكثر لأردوغان كي يسترجع اللاجئين. لا شماتة، لكن هذه كفارة تاريخ هائل من الذبح الاستعماري.

بداية الحصاد
ما جرى مؤخراً في بروكسل وقبله في باريس مع إدانتنا له هو بداية حصادهم لما زرعوه لا منتهاه، فعليهم أن يبحثوا عن مكامن الخلل في سياساتهم وعنصريتهم، ودعمهم للزومبيات الإرهابية المدخلة الى الداخل السوري من جهات الأرض الأربع على مدار خمس سنوات عجاف، ليجعلوا من سورية مغناطيساً جاذباً للإرهاب، فما كان إلاّ أن انقلب السحر على الساحر، فصارت الساحات الأوروبية ودول الجوار السوري مغناطيساً أشدّ جذباً للزومبيات المدخلة، ولحواضنها في دواخل المجتمعات.

انّ السياسات الأوروبية والبروبغندا الوهابية المتعصبة قد شجعتا مئات الشبان الفرنسيين والبلجيكيين والأوروبيين، للذهاب إلى سورية والقتال هناك، ولكن من الواضح أنّ لهذه السياسات نتائجها العكسية، إذ أنّ اثنين من الإرهابيين الذين شنّوا الهجوم ضدّ «شارلي ايبدو» قبل عام من الآن، هما سعيد وشريف كواشي القادمين من سورية، حيث قيل أنهما اكتسبا خبرة في القتال، كما أنّه أن سبق أحدهم أن عمل في اليمن كجهادي، والإرهابيين في بلجيكا هم من مواليدها ونتاجها اجتماعياً، والآن تخشى الدول الأوروبية عودة مواطنيها المقاتلين في سورية، وتقرع خدمات الاستخبارات الفرنسية وأوروبية، أبواب دمشق من أجل التأسيس لتعاون أمني مع سورية فعلاً وقولاً لا أحد يعرف كيف تفكر دمشق .

حاليا أوروبا كل أوروبا أمام خيارين، إما أن تحذو حذو الولايات المتحدة بعد هجمات الحادي عشر من أيلول 2001، وتنهمك في مرحلة جدية ترمي إلى تقوية موقفها السياسي والأمني، ما يتطلب تغييراً جذرياً في استراتيجيتها. أو أن تهرب إلى الأمام وتحتفظ بسياستها الخاطئة التي أدّت إلى نمو المجموعات الإرهابية وإيديولوجيتهم ليس في سورية والعراق فحسب، بل أيضا في أوروبا وأجزاء أخرى في العالم.

بلجيكا ستشارك بضرب داعش في سورية والعراق، وقبلها تشارك فرنسا في الضربات الجوية التي يشنها الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة، ولكن وفقاً للخبراء فانّ هذه الهجمات بلا جدوى بدون تعاون استخباري عسكري مع حكومات المنطقة وخاصة السوريه. فالجيش السوري اليوم هو القوة الأكثر فاعلية في الحرب ضدّ الإرهاب في المنطقة، والسياسة الأوروبية وخاصةً الفرنسية المتعجرفة المتمثلة بعدم التحدث مع دمشق بدأت تنعكس ضدّ أوروبا وبروكسل وفرنسا نفسها.

تفجيرات-بروكسل8-620x330

الغرب مطالَبٌ بمراجعة مواقفه…
الهجمات الإرهابية في بروكسل وقبلها فرنسا، شكّلت مرحلة تحوّل مفصلية على صعيد العلاقات الدولية، لم تنته تداعياتها بعد، ومآلاتها وعقابيلها وقد طبعتها الخطابات الهوياتيّة، ولا يمكن نفي واقع أن من أول تداعيات الهجوم في بلجيكيا وقبلها باريس إثباته صحة المخاوف من وصول تهديد الجهاديين إلى قلب أوروبا، بعد فترة من الحراك الغربي المبهم إزاء انتشارهم في الشرق الأوسط. لكن، في المقابل، فإنّ الاعتداء على بروكسل عاصمة الناتو والاتحاد الأوروبي، لا ينفي أنه يستبطن إشكاليات أوروبية داخلية من المفترض ألا تغيب، اذاً نحن بصدد ثاني نموذج حيّ لعودة الإرهاب المدخل إلى الداخل السوري إلى موطنه الأصلي حيث يضرب بالنار النموذج الأول كان في باريس ، انّها الهجرة المعاكسة الآن، وعلى بروكسل وفرنسا أن تنحو نحو معالجات أمنية وسياسية جديّة، وهذا يعني تغيراً جذريّاً في موقفها من مجمل الأزمات في المنطقة أو الاندفاع هروباً نحو الأمام بعيداً عن مصالحها، وها هي بلجيكيا وباريس مع كلّ أسف تدفع ثمناً باهظاً لسياساتهما إزاء الشرق الأوسط، إنْ لجهة ليبيا، وانْ لجهة سورية، وانْ لجهة إيران، وانْ لجهة لبنان، ماذا سيقول وزراء الداخلية الأوروبيون الآن ومعهم رؤساء أجهزة الاستخبارات؟

في المعلومات، أنّه في صيف العام 2013، سهّل جهاز أمني أوروبي، عملية تجنيد مجموعة جهادية مقيمة في عاصمة أوروبية إلى سورية عن طريق تركيا، وصدف أنّ أحد أفراد المجموعة تعذر عليه الالتحاق بالمجموعة والوصول إلى المطار الأوروبي، بسبب زواجه قبل يومين من تاريخ التحاقه، فطلب منه «أميره» الالتحاق بـ «الجهاديين» في مالي، وبالفعل سافر إلى هناك عن طريق دولة في شمال أفريقيا، ولم تمض ساعات على وصوله، حتى وقع في كمين للجيش الفرنسي. أثناء التحقيق معه، قال للضابط الفرنسي: «لقد صدف أنني تأخرت عن الالتحاق بمجموعة جهادية متوجهة إلى سورية… وبرعاية من جهاز أمني أوروبي، بسبب زوجتي… فتمّ تعديل الوجهة. لو كنت أقاتل في سورية، كنت ستتعامل معي كبطل يقاتل أعتى نظام ديكتاتوري في العالم… أما وانني أقاتل هنا ضدكم ، فقد أصبحت مجرماً من وجهة نظركم»!

هذه الرواية تختصر سوريالية جلّ مفاصل التعامل السياسي والأمني الأوروبي، وخصوصا البلجيكي وأخيه الفرنسي، مع قضية الإرهاب، وهي نموذج لنقاش سيتصاعد في أوروبا حول مسؤولية كلّ بلد في مواجهة الإرهاب العائد سواء من مالي أو من سورية أو من العراق؟ الفرنسيون اعتكفوا عن المشاركة بالضربات الجوية ضدّ أهداف لتنظيم «داعش» على الأراضي السورية، علماً أنّ باريس كانت من أشدّ المتحمّسين لتوجيه ضربات ضدّ النظام السوري في صيف العام 2013، قبل أن يتراجع الأميركيون والبريطانيون في آخر لحظة، بفعل المخرج الذي وفّره الروس لهم في تلك المرحلة برؤية عميقة للرئيس فلاديمير بوتين، وأدّى إلى تدمير البرنامج الكيميائي السوري.

وماذا عن حركة الجهاديين العائدين من سورية والعراق ومالي إلى أوروبا؟ وهل من واجب البلجيكيين والفرنسيين وكلّ أوروبا التضامن مع مسيحيّي سورية ولبنان والعراق ومجمل الشرق العربي وصولاً إلى محاولة نجدتهم عند الضرورة، أم نتصرف معهم على قاعدة أنّ بروكسل وفرنسا وأوروبا العلمانية، لا تملك نظرة خاصة إلى المسيحيين تميّزهم عن غيرهم من أبناء المنطقة؟ إذا كان لا مفرّ من ممرّ إلزامي من خلال قرار دولي يصدر عن مجلس الأمن الدولي، خصوصاً في ضوء مطالبة العراقيين المتكرّرة بذلك، فأية دينامية ستتبعها الحكومات الأوروبية للوصول إلى قرار دولي من شأنه، لو صدر، استعادة الشراكة مع الأسرة الدولية، وخصوصاً روسيا والصين في مواجهة خطر إرهابي كبير لا يستثني دولة أو شعباً؟

11 أيلول أوروبي
وفي أكثر من تحليل خلال الأشهر الأخيرة، بل ومنذ بداية الحدث السوري قبل سنوات الجنرال غوغل يؤرخ ويؤرشف لنا وسهلة العودة إليه ، حذّرنا كغيرنا من المراقبين من خطورة الإرهاب المدخل إلى الداخل السوري عبر دول الجوار المختلفة، وما جرى في بروكسل الآن وقبلها في فرنسا، ما هو سوى قطرات الندى الأولى من فجر 11 أيلول أوروبي آتٍ على القارة العجوز. وبفعل ميكانيزمات الحدث الأوكراني وما يجري في كييف من نقل أمراء القوقاز والمقاتلين الشيشان، من الداخل السوري إلى الداخل الأوكراني لضرب روسيّا، فعلى منظومات الأمن الأوروبية الابتعاد عن سياسات الالتحاق بمجتمع المخابرات الأميركي، كون الأخير يسعى إلى تفجير أوروبا من الداخل ضمن رؤية البلدربيرغ الأميركي.
مدير الإرهاب في الأنتربول الدولي بيارسانت هبلير قال مؤخراً: إنّ الجهاديين كثّفوا دخولهم إلى تركيا عبر الموانئ البحرية المختلفة بعد التضييق عليهم في المطارات، وخاصةً عبر مرفأ أزميت على الساحل الشرقي من بحر مرمره، حيث تحوّل المرفأ إياه إلى بوابة لهم ومنها إلى سورية والعراق. وكان لإشارات وتشخيصات تقرير معلوماتي إحصائي نشر في صحيفة «فاينانشال تايمز» من إعداد كل من سام جونز في لندن ودنكان روبنسون في بروكسل، الأثر الواضح في التأشير على سلّة مخاطر عودة الجهاديين الأوروبيين الذين يقاتلون في سورية إلى بلدانهم، ويتضح من التقرير أنّ ما يقدّر بأكثر من ثلاثة آلاف جهادي يحملون جنسيات أوروبية يشاركون في العمليات القتالية في سورية والعراق، وبعضهم صار يقاتل في الجنوب السوري وفي درعا تحديداً، حيث قسم منهم مع جبهة النصرة والتي صارت نصرة لإسرائيل ، وقسم مع داعش، وقسم مع بقايا ما يسمى بالجيش الحر والمتمثل في لواء اليرموك الذي بايع داعش سرّاً، حيث تستثمر في الأخير بعض دول الجوار السوري بوصفه معارضة معتدلة، في دعم جهة إرهابية ضدّ أخرى ليكون حاجز عزل أمام الإرهاب المتطرف والمتمثل في النصرة وداعش، حيث تتفاقم النتائج والكلف الأمنية والسياسية، وقد يقود هذا الأمر إلى تأسيس إمارة حوران داعشية في الجنوب السوري بدعم إسرائيلي صهيوني واضح، ينضمّ لها لاحقاً أجزاء من إقليم شمال الأردن ويقلب جغرافية مثلث الحدود الأردنية السورية المشتركة مع الأراضي الفلسطينية المحتلة إسرائيل ، ومع الأراضي اللبنانية عبر الأراضي السورية المحتلة في الجولان لتكون «قلمون لبناني» آخر في الجولان السوري المحتلّ. وما لم يقله التقرير هذا أنّ العدد هو أكثر من سبعة آلاف أوروبي ثلثهم من أصول أوروبية حقيقية أصلية.