Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر August 17, 2016
A A A
سلطان جديد!!
الكاتب: عبدالله بو حبيب - السفير

قبل محاولة الانقلاب في تركيا ليلة ١٥ تموز الماضي، كان رجب طيب اردوغان يلغي اخصامه السياسيين ويقفل مؤسسات معارضة له بالمفرق. بعد الانقلاب راح يتخلص منهم بالجملة.
قبل محاولة الانقلاب الفاشلة، أقفل صحفا ومجلات ومنشورات ومواقع إلكترونية، واعتقل صحافيين وأكاديميين، واقال قضاة تجرأوا على رفض تعليماته، كما صرف من الخدمة ضباطا من كل فروع الجيش والأمن والاستخبارات لاعتباره اياهم من خصومه، ورقى آخرين لانهم من اتباعه.
كان الاعلام الاوروبي والاميركي، المكتوب والمسموع والمرئي والالكتروني، ينقل اخبار اردوغان منتقدا، وبعضهم اتهمه بالدكتاتورية. الحكومات الغربية كانت تنتقد، باعتدال، انتهاكه حقوق الانسان، خاصة وان تركيا وقعت «الاتفاقية الاوروبية لحماية حقوق الانسان والحريات الاساسية».
محاولة الانقلاب أعطت اردوغان الضوء الأخضر للانتقام الجماعي، ليس من خصومه فحسب، إنما أيضا من معتدلين شكك في ولائهم له، موظفين ومعلمين واكاديميين وعسكريين وقضاة، وقد زاد عددهم على ثمانين ألفا. أقفل ما يزيد عن ألفي مؤسسة تعليمية وعسكرية وأمنية وخدماتية.
لن يكتفي بذلك، بل سيغير النظام الجمهوري العلماني الذي أتى به كمال اتاتورك عام 1923. أكثرية الذين يقالون ويصرفون من خدمة الدولة هم من العلمانيين، وان كان منهم من اتباع فتح الله غولين، حليف اردوغان عندما جاء الى الحكم، وخصمه اللدود لعقد من الزمن خلا.
سيملأ اردوغان الفراغ من أنصاره في حزب العدالة والتنمية، ويعيد تنظيم القوات المسلحة والمؤسسات التعليمية والإعلامية والاجتماعية لتتلاءم مع اقتناعاته وأهوائه، كما سيعدل الدستور وينقل السلطة التنفيذية من الحكومة الى رئيس الجمهورية. كان سيفعل ذلك قبل محاولة الانقلاب، الا ان رئيس حكومته وقتذاك، احمد دَاوُد اوغلو، فضل الاستقالة على ان يغير النظام، فتأخرت محاولة التعديل في انتظار استقرار الحكومة الجديدة.
سيُصبِح رجب طيب اردوغان الحاكم بأمره. سيُصبِح سلطانا مطلق الصلاحيات في عصر تتجه دول العالم الى انفتاح متزايد، وتتمتع شعوبها بحريات تحميها الدساتير والمعاهدات الدولية.
لا تستسيغ دول الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة هذه التطورات. برغم ان تركيا عضو مؤسس في الحلف الأطلسي، الا ان هذه الدول تأخرت في إدانة محاولة الانقلاب الى ما بعد معرفة الرابح، وأصبح همها عدم استغلال اردوغان الحدث للانتقام التعسفي وخرق الدستور وتعديله، وعدم احترام معاهدات حماية حقوق الانسان والحريات. كذلك، اتهم مناصرو اردوغان الدول الغربية بمعرفة سابقة بمحاولة الانقلاب، وانها لم تبد تعاطفا حقيقيا عندما دانت تلك الدول هذا الحدث.
من جهة اخرى، دانت روسيا وإيران محاولة الانقلاب في لحظة حدوثه، وتواصل رئيسا الدولتين مع الرئيس التركي في اليوم التالي. هناك ايضا روايات عن ان الدولتين حذرتا اردوغان من المؤامرة قبل ساعات قليلة من حدوثها. وكما صرح وزير خارجية تركيا، فإن زميله الإيراني كان على اتصال دائم معه ليلة المحاولة الفاشلة وخلال اليوم التالي.
في اختصار، تتجه تركيا نحو نظام سلطوي بانتقاد لاذع من دول الاتحاد الاوروبي واميركا، بينما دانت روسيا وإيران بقوة محاولة الانقلاب الفاشلة، ووعدت اردوغان بتوفير الدعم اللازم غب الطلب.
ومن الطبيعي ان يخاف الديكتاتور منتقديه وأعداءه ، خاصة في الأزمنة الصعبة، غير انه يفتش في الوقت نفسه عن حلفاء واصدقاء جدد. يبدو ان اردوغان يرى في ايران وروسيا صديقين، لا بل الاستعداد لان يكونا حليفين له في مسيرته لالغاء الاتاتوركية وبناء جمهورية اردوغانية شبيهة بالنظام العثماني. اعتذاره من بوتين وتوقيت القمة بينهما تمّا قبل محاولة الانقلاب، ما يشير الى ان المسار الجديد لاردوغان بدأ قبل وقوع المحاولة الفاشلة.
ان تخطي تاريخ العلاقات العدائية بين تركيا وروسيا، والوجود المهم لانقرة في الحلف الأطلسي منذ تأسيسه، وموقف اردوغان بالذات من الحرب السورية وبالاخص من الرئيس الأسد، والاعتماد الكبير للاقتصاد التركي على الاستثمارات والتكنولوجيا الاوروبية، وخاصة الألمانية منها، ربما تحول دون تحالف قريب بين الدولتين. لكن احتمال مشاركة روسيا وإيران في نفوذ سياسي واقتصادي في الدول العربية الواقعة بين المتوسط والخليج، قد يسرّع في تحسن العلاقات بين الدول الثلاث.
في العقد الثاني من القرن السابق، كانت روسيا الطرف الثالث لسايكس – بيكو الإنكليزي ـ الفرنسي، وأبعدت بعد نجاح الثورة الشيوعية، فهل يستبدل سايكس – بيكو بتحالف ثلاثي جديد عماده روسيا وإيران وتركيا، خاصة وان المعاهدة العثمانية – الصفوية في القرن السادس عشر ما زالت سارية المفعول، وهي تشدد على استبعاد الحرب المباشرة بين ايران وتركيا في صراعهما على العالم العربي؟