Beirut weather 20.21 ° C
تاريخ النشر December 22, 2025
A A A
سلام ينتهك القرار 1701… وجعجع لم يقرأه؟
الكاتب: ناصر قنديل

كتب ناصر قنديل في “البناء”:

من المتعب أن تشعر بأنك مضطر لتفسير المفسّر، والتذكير بالبديهيات لأن هناك مَن يفترض أنه على درجة عالية من الفهم وهو لا يفهمها، ومَن يفترض أنه في موقع مسؤولية وعليك أن تسأله عنها، وثمن من يفترض انه محترف ويتصرّف كالهواة فتضطر تخفيفاً للجرم أن تتهمه بعدم المعرفة، كيف إذا كان الموضوع هو القرار 1701 الذي لا ينفك مسؤولون مثل رئيس الحكومة نواف سلام يكرّرون التزامهم به ويحملونه حجة على الخصوم بدعوى التذكير به كمرجعية لا مساومة عليه، وبالمناسبة تكرّر الحكومة ورئيسها في كل مناسبة تأكيد الالتزام بالقرارات الدولية وعلى رأسها القرار 1701، بينما مع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع تبدو القضية أسهل فهو ليس أستاذ قانون فيمكن اتهامه بأنه لم يقرأ القرار الذي يوزع المواعظ على الآخرين باعتباره القرار الذي يحفظ السيادة اللبنانية.

يقول رئيس الحكومة إن لبنان يقترب من تنفيذ ما عليه جنوب الليطاني وعلى “إسرائيل” أن تنفذ ما عليها، وإنه في كل الأحوال لا شيء يمنع الانتقال إلى شمال الليطاني في خطة حصر السلاح. ويقدم جعجع مطالعة ينسبها للقرار 1701 بعدما استعصى عليه الاحتماء باتفاق وقف إطلاق النار، للقول بأن السلاح يجب أن ينزع في كل لبنان، وكأن هذا المبدأ هو موضوع النقاش، بينما النقاش يدور حول التوقيت، والظروف والشروط القانونية والسياسية، ويجب أن يعلم سلام وجعجع أنهما يغردان خارج سرب القرار 1701 ولا علاقة لكلام كل منهما به لا من قريب ولا من بعيد، فالذي يمنع البحث بحصر السلاح شمال الليطاني قبل إنهاء الالتزامات الإسرائيلية في وقف إطلاق النار هو القرار 1701، والدولة اللبنانية ملزمة باحترام دقيق لأحكام القرار وعدم التشويش على التسلسل الذي رسمه للموجبات، ويجب أن يعلم جعجع أن القرار 1701 ليس مجرد مبادئ وقواعد وأهداف على طريقة لائحة الطعام تختار ما ترغب منها وفق توقيتك، بل هو جدول زمني وسياسي وقانوني تتعاقب حلقاته في تسلسل مدروس، يحل فيه بند السلاح في مرتبة تسبق حلوله فيها مراتب لبنود أخرى يجب توافرها وتحققها كي يستحق.

رسم القرار 1701 إطاراً واضحاً لمسار مكوّن من مرحلتين منفصلتين متعاقبتين، تلي إحداهما الأخرى، ولا تستحق أحداهما دون الأخرى، ولا مجال للاجتهاد بدمج إحداهما بالأخرى، المرحلة الأولى هي وقف الأعمال الحربية، وتتضمن وقف إطلاق النار وانسحاب قوات الاحتلال الى خلف الخط الأزرق وانتشار الجيش اللبناني واليونيفيل في منطقة جنوب الليطاني دون أي سلاح آخر، ووقف الانتهاكات البرية والبحرية والجوية للسيادة اللبنانية، ولا يغير من طبيعة هذه المرحلة أن تتخلل فقراتها فقرات أخرى تذكر باتفاق الهدنة واحترام حدود لبنان الدولية، ولا التذكير بالقرار 1559 وبسط الدولة لسيادتها وعدم وجود أي سلاح دون موافقتها. وتتركز فقرات القرار من 1 الى 8 على خطوات وقف الأعمال الحربية، وتبدأ من الفقرة 8 خطوات الحل الدائم كما يسمّيها، وفيها مستقبل مزارع شبعا والمناطق المتنازع عليها، والسلاح، وقد ورد فيها البدء من جنوب الليطاني بينما ورد الانسحاب الإسرائيلي الفوري إلى خلف الخط الأزرق في الفقرة 2، لكن اتفاق وقف إطلاق النار جعل إنجاز منطقة جنوب الليطاني في مرحلة تسبق مرحلة الحل الدائم، ولا يحتاج القارئ إلى ذكاء استثنائي ليكتشف أن إنجاز المرحلة الأولى شرط للبدء

يعرف كل مَن تابع أرشيف المراسلات اللبنانية الأممية حول القرار 1701 أن هذا التقسيم الصارم بين المرحلتين شكل جوهر المتابعة الأممية، بل إن مرحلة الحل الدائم وضعت لها الدائرة القانونية في الأمم المتحدة عام 2007 وفي ولاية الأمين العام السابق بان كي مون روزنامة تنفيذية تقوم على تسلسل يبدأ من حسم مصير المناطق المتنازع عليها وغير المحددة الهوية مثل مزارع شبعا، وبعد حسمها وإنهاء الاحتلال في المناطق التي تثبت هويتها اللبنانية، يستحق ملف السلاح، لكن ضمن إطار يأخذ بالاعتبار اتفاق الطائف، الذي لم يرد عبثاً في نص القرار 1701 بل لتعمد الإشارة إلى دور خاص في هذا الشأن للوفاق اللبناني الداخلي، ولعله من المفيد التذكير أن الأمم المتحدة رفضت نظرية الترسيم قبل الانسحاب، وأصرّت على أن شرط الترسيم في مزارع شبعا هو انسحاب الاحتلال، واقترحت أن يتم الانسحاب لحساب اليونيفيل حتى يتم الترسيم وتحسم هوية المزارع، التي قرر بصددها الطبوغرافيون في الأمم المتحدة كما قالت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في حزيران 2007 “أن المزارع لبنانيّة”.

لا تملك الحكومة ولا أي قوة سياسية لبنانية فرصة الجمع بين إعلان التمسك بالقرار 1701، وبين دعوة لفتح ملف سلاح المقاومة خارج جنوب الليطاني قبل إنجاز مرحلة وقف الأعمال الحربية أو وقف الأعمال العدائية، وقد أنجز منه كل ما يتصل بلبنان، وقبل أن ينفذ الاحتلال ما عليه من وقف اعتداءات وتحقيق الانسحاب إلى خلف الخط الأزرق ووقف انتهاك الأجواء والمياه والأراضي، لا يمكن للحكومة الانتقال إلى مرحلة الحل الدائم ومن ضمنها مصير مزارع شبعا بترسيم الحدود مع سورية في ظل الاحتلال من وراء ظهر الأمم المتحدة التي قالت بلا شرعية الترسيم في ظل الاحتلال، ولا إلى فتح ملف سلاح المقاومة خارج جنوب الليطاني، كما لا يمكن لجعجع مطالبة المقاومة بغير ما يتصل بمنطقة جنوب الليطاني طالما تمّ نقل البند إلى المرحلة الأولى، دون أن يقع بانتهاك القرار 1701 أو الوقوع بالجهل به.