Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر April 14, 2020
A A A
سدّ بسري فـي دائـرة الانتقادات بعد مضيّ الحكومة بتنفيذه بتكلفة 600 مليون دولار
الكاتب: صونيا رزق - الديار

لا تزال حركة الاعتراضات واسعة من قبل خبراء البيئة والاهالي ضد تنفيذ مشروع سدّ بسري، لجرّ مياهه الى بيروت الكبرى، وتبرز في هذا الاطار «الحركة البيئية اللبنانية» تساندها في ذلك جمعيات بيئية عدة رافضة للمشروع، وتطالب بتصنيف مرج بسري محميّة أثرية، بهدف الحفاظ على جمال البلدة الخلاّب. كما ان رفض أهالي المنطقة والجوار لبناء السدّ، ساهم كثيراً في حركة الاعتراض. بحيث يصف خبراء البيئة المشروع بالتدميري، لانه سيقضي على ثروة حرجية وأثار رومانية وثقافية ودينية، من ضمنها نقل حجارة كنيسة مار موسى ودير القديسة صوفيا. فضلاً عن ان المشروع مخالف للقوانين اللبنانية المرعية الإجراء، لما يُسببّه من مخاطر على السلامة العامة، وعلى تغيّير المناخ المحلي، وتهجير قسري للسكان المحليّين في قضاءي جزين والشوف. كما سيؤدّي الى تدمير ملايين الامتار المربّعة من الغابات والأراضي الزراعيّة الخصبة ، وسيزيد الدين العام عبر استدانة ما يفوق 600 مليون دولار مع فوائد من البنوك الدولية. والاخطر من كل هذا انه سيُبنى على فالق زلزالي ناشط، ما سيشكّل كارثة على سلامة القرى المجاورة بحسب الخبراء الجيولوجيّين.

خبراء البيئة الذين زاروا البلدة والمحيط، أكدوا بأن منطقة إنشاء السد تقع مباشرةً فوق فالق روم، الذي إن إستيقظ سوف يُرعب كل لبنان، لانه ضمن منطقة مهدّدة بهزات أرضية. مع الإشارة الى ان مرج بسري، يشكل نقطة إلتقاء بين محافظتيّ جبل لبنان والجنوب، أي بين المسيحيّين والدروز الذين توحّدوا على رفض المشروع، الذي سيؤدي الى خراب المنطقة وجوارها.

عدد من الاهالي تحدث لـ «الديار» فأشاروا الى ان المشروع المذكور سيؤدي الى خسارتهم للأراضي الزراعية والتربة الخصبة التي لا تعوّض، اذ تنمو فيها أشجار الصنوبر والزيتون المعمّرة، وفيها عشرات المشاريع الزراعية، حيث يقدّر مردود السهل سنوياً بعشرات ملايين الدولارات، فضلاً عن قطع مئات الآف الأشجار وإزدياد نسبة الرطوبة بسبب التبخّر. وابدوا عتبهم على نواب المنطقة الذين زاروهم من دون أي فائدة.

اما المسؤولون المؤيدون للسدّ فيصفون المشروع بالحيوي للبلد، ويعتبرون أن تنفيذه سيحوي الاقل ضرراً على الأهالي، وهناك تعويضات مادية اُقرّت لهم بسبب وجود املاك خاصة ، وممنوع ان يكون السد سبباً في تهجيرهم ، بل على العكس يجب ان يشكل حافزا لبقائهم ، ويلفتون الى ان هذا السد تمّ التوافق عليه من مجلس الوزراء وكل السلطات المعنية.

وعلى خط مجلس الانماء والاعمار، فتشير مصادره الى انه سيحافظ على الآثار الموجودة في موقع السدّ، من خلال نقلها الى أماكن أخرى تحت إشراف المديرية العامة للآثار، وبواسطة فريق متخصّص وبموافقة الجهات المعنية. ورأت بأن سدّ بسري سيستفيد منه اللبنانيون، لانه سيحلّ مشكلة نقص المياه في بيروت وجبل لبنان.

الى ذلك يمكن التأكيد بأن انتفاضة 17 تشرين اعادت تسليط الأضواء مجدّداً على مشروع سد بسري، على أثر مشاركة العديد من الناشطين البيئيّين ومحبيّ الطبيعة ضمن الحراك الشعبي، للدفاع عن مرج بسري بالتظاهر ورفع اليافطات في عدد من المناطق، ابرزها بسري ومنطقة رياض الصلح وبعقلين وجل الديب وغيرها من المناطق اللبنانية، مع الاشارة الى ان هؤلاء الناشطين إستطاعوا خلال تظاهرة في الاسبوع الاول من شهر تشرين الثاني الماضي، اقتحام وإزالة الأبواب التي أقامها المتعهدون لإنشاء السدّ ، كما نجحوا في تحويله الى قضية بيئية كبرى وصلت اصداؤها الى العالم، بعد ان جمعوا ادلة ودراسات تؤكد خطر انشاء هذا المشروع، ابرزها انه لن يستطيع تجميع المياه كغيره من السدود التي أُنشئت حديثاً في لبنان، كما أن مياهه سوف تختلط بمياه نهر الليطاني المسرطنة، وسوف تمر تحت مطمر الناعمة، ما سيُعرّض المياه الى التلوث الخطير، فضلاً عن إيصال صوتهم الرافض من خلال قيامهم بالتظاهرات أمام مجلس الإنماء والإعمار والبنك الدولي في بيروت، اي الجهة القيّمة على المشروع، في حين ان هذا الاخير اكد مراراً الى جانب المسؤولين الرسميّين اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفادي أي مخاطر تتعلق بالزلازل، مع وجود مشاريع أخرى لإعادة التشجير في محيط المنطقة.

في غضون ذلك، لم تهمد الاعتراضات، وما زاد من وتيرتها الازمات المتتالية في البلاد، وابرزها الازمة المالية والاقتصادية والصحية مع انتشار وباء كورونا، الذي قضى على كل إمكانية تخفيف ولو جزء بسيط من الازمات في البلد، خصوصاً ان كلفة السدّ تقدّر ب 600 مليون دولار، فيما البلد يئن من المخاطر والكوارث على جميع الاصعدة ، في بلد يعاني اصلاً من انهيار اقتصادي كبير وازمة سيولة حادة.

وفي هذا الاطار يشير رئيس «الحركة البيئية اللبنانية» بول ابي راشد خلال حديث لـ «الديار» الى ان الحركة توجهت بكتاب مفتوح الى الرؤساء الثلاثة، مقترحة خارطة طريق إنقاذية في سبيل الخروج بحلول ناجحة، توافق ما بين تأمين المياه الاضافية لمدينة بيروت، وحماية أحد أهم المواقع الطبيعية والاثرية والزراعية في لبنان، كما تؤمّن أموالاً سريعة للدولة للتصدّي لوباء كورونا ومساعدة الفقراء، عبر الطلب من البنك الدولي تحويل الأموال المرصودة لإنشاء سد بسري، باتجاه خطط مكافحة كورونا ودعم الأسر الفقيرة، والاستفادة لإقامة مشاريع تنموية مستدامة تساهم في إنعاش الاقتصاد اللبناني، وفي توفير فرص عمل للشباب في لبنان. إضافة الى الاستفادة من الاستملاكات التي حصلت في مرج بسري لإعلانه محميّة، وتكريسه للزراعة والسياحة البيئية والدينيّة والأثرية، بمساعدة وتنسيق من البلديات المحيطة بالمرج . فضلاً عن تحديث استراتيجية المياه والتركيز على تأمين مياه اضافية لبيروت، من خلال الحد من الهدر وتنظيم الآبار العشوائية، والأخذ بمقترحات المعهد الفدرالي الالماني لعلوم الارض والموارد الطبيعية.

إشارة الى ان الاعتراضات تواصلت يوم امس، بعد قيام عدد من الناشطين ومحبيّ البيئة بإعتصام في مرج بسري، رفضاً لقرار الحكومة بتنفيذ المشروع. وافيد بأن عدداً من المحتجين ربطوا أنفسهم بأشجار المرج ، للتأكيد على تمسكهم به وبالطبيعة الخلابة السائدة في المنطقة ومحيطها، مردّدين «نحنا السد بوج السد»، واكدوا ان المشروع لن يمّر وسيواصلون اعتراضهم له حتى النهاية.