Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر November 10, 2016
A A A
سخافة الحقائب السيادية
الكاتب: غسان حجار - النهار

روى لي مرة وزير عندما تولى حقيبة الدفاع، انه اكتشف ان الموقع شرفي بامتياز، ولا صلاحية فعلية للوزير، لان الامور كلها مرتبطة بقائد الجيش وبمدير المخابرات، وان عمل الوزير يقتصر غالباً على التوقيع على تراخيص السلاح، وقرارات شراء التفاح والزيت وبزات العسكر، ورفع طلبات قبول الهبات الى مجلس الوزراء. واكد انه لا يستطيع نقل جندي الا بموافقة الغرفة المشتركة، اي ان الامر باختصار يعود الى قائد الجيش. اما التقارير التي تُرفع اليه فلا هي سرية ولا مهمة جدا. مع هذا فان حقيبته تعتبر سيادية.

اما وزير الداخلية، مع كل البرستيج المعطى له، فهو غير قادر في كثير من الاحيان على اعطاء الاوامر لقادة الاجهزة الامنية التابعة له، وقد شهدنا على حالات كثيرة امتنع فيها هؤلاء عن الاستجابة للوزير بعد لجوئهم الى مرجعياتهم السياسية التي تمنع عنهم المحاسبة، كما ان قواه الامنية اعجز عن تنفيذ الخطة الامنية في البقاع مثلا، رغم كل التغطية السياسية المتوافرة له ظاهرياً. والوزير الذي يعمل على الامن بالتراضي ويفشل غالبا، تبقى حقيبته سيادية.

وماذا عن الخارجية التي فعلت فيها الوصاية فعلها، ومنعت وزراءها من القيام بأي دور فعلي، بعدما فرضت علينا “وحدة المسار والمصير”، دونما رغبة منا. ووزير الخارجية عاجز عن رسم السياسة الخارجية، اذ يكفي خطاب واحد للسيد حسن نصرالله تجاه دول الخليج، لضرب مفاعيل كل السياسة والديبلوماسية العاملة على خط تلك العلاقة. لكن الحقيبة سيادية.

وتبقى الحقيبة التي يطالب بها الثنائي الشيعي للمشاركة في السلطة التنفيذية، اي وزارة المال، فهي تحقق لشاغلها امكان العرقلة والتحكم بزملائه الوزراء، لكنه بالفعل لا يمسك بالسياسة المالية، بل يعتبر ملحقا بمصرف لبنان الذي يرسم السياسات المالية للدولة خصوصا متى تسلم الحقيبة وزراء من غير اهل الاختصاص. والوزراء المتعاقبون على هذه الوزارة اعتمدوا السياسة نفسها التي كانوا ينتقدونها، ما يعني ان المسار مرسوم وما عليهم الا المضي به. لكن الحقيبة تبقى سيادية.

هي سخافة اهل السياسة عندنا وتخلّفهم عن الالتحاق بركب العصر، وامتناعهم عن التفكير في المطالب المعيشية للمواطن اللبناني. فالسياسي المهتم بأمور ناسه ينحاز الى وزارات الصحة (التي يحتاجها كل لبناني مريض)، والبيئة (المعنية بانقاذ حياتنا من تلوث الهواء والمياه، وبمنع تشويه جبالنا وقطع اشجارنا)، والشؤون الاجتماعية (التي تهتم بكل يتيم وفقير ومحتاج وعجوز)، والسياحة (التي توفر للبلد سياحا ومداخيل وتزرع الفرح)، والاقتصاد (التي تمنع استغلالنا والتلاعب بكل حاجاتنا الحياتية)، والتربية (التي تضمن مستوى التعليم ثروتنا الابرز)، وغيرها من الوزارات التي تعنى بنوعية حياة اللبناني الغارق بارتدادات الفساد والاهمال المستشريين. ألا يجب اعتبار الوزارات الآنفة الذكر سيادية اكثر من الاربع الفاقدة المعنى إلا لدى جائعين الى السلطة ومباهجها؟