كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”
طرح رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس خلال زيارته الى لبنان ملف سحب سلاح المخيمات، ثم غادر تاركا وراءه مخاوف في صفوف اللاجئين من هذه الخطوة غير المحسوبة، وبلبلة في الأوساط اللبنانية حول كيفية تحقيق ذلك، خصوصا أن كل ما أشيع عن مواعيد للتسليم وعن تسمية مخيمات محددة هو غير دقيق، خصوصا أن تلك المخيمات ما تزال تعيش حياتها بشكل طبيعي ولم تستعد لأي شيء من هذا القبيل، ما يدفع البعض فيها الى التأكيد أن الملف برمته عبارة عن “طبخة بحص”.
ويبدو أن طرح سحب سلاح المخيمات ما يزال حتى الآن مجرد شعار إستخدمه محمود عباس لإستعادة بعضا من الشرعية التي فقدها في فلسطين، وتلقفه رئيس الحكومة نواف سلام من ضمن البروباغندا الاعلامية التي يعتمدها لإرضاء أميركا والمجتمع الدولي، وهو لا يختلف عن كثير من الشعارات التي سبق ورفعت حول حقوق اللاجئين الفلسطينيين، وتفعيل خدمات الأونروا، وتحسين واقع المخيمات، وكلها بقيت حبرا على ورق ولم يأخذ أي منها طريقه نحو التنفيذ.
وتشير المعلومات الى أن رئاسة الجمهورية قد تكون لمست عدم جدية في طروحات عباس، خصوصا أنه لا يملك تصورا كاملا عن أوضاع المخيمات وليس لديه سلطة كاملة عليها، لذلك تم الاكتفاء ببيان لبناني ـ فلسطيني مشترك جرى خلاله تحديد الأولويات، والتأكيد على دور لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني التي وحدها القادرة على إيجاد الحلول كونها تضم ممثلين عن كل الفصائل والحركات الاسلامية المتواجدة في المخيمات، وأن الحوار والنقاش فيما بينها لا بد أن يكون مجديا لأن الجميع لديهم نية التوافق على تبريد الأرضية الفلسطينية في لبنان ضمن الثوابت والمسلمات.
علما، أن بعض فصائل الثورة الفلسطينية ضمن حركة فتح أبدت تخوفا مشروعا من أن يؤدي تسليم سلاحها في المخيمات الى تعاظم نفوذ فصائل جهادية أو إسلامية أخرى، ما يفقدها القدرة على الإمساك أمنيا بالمخيم وتصبح خاضعة لسلطة تلك الفصائل، داعية الى التروي ودراسة الملف ومعالجته بكثير من الحكمة وبشكل أعمق.
وبدا واضحا أن طرح محمود عباس هو فقط لإستهداف المقاومة الفلسطينية وشيطنتها وتحريض الدولة اللبنانية عليها، في حين يدرك رئيس الجمهورية الذي يتعاطى مع مسألة سلاح المقاومة من منطلق وطني صرف ويشدد على ضرورة إجراء حوار داخلي بشأنه بعد الانسحاب الاسرائيلي ووقف الإعتداءات والخروقات وتنفيذ القرار 1701، أن واقع المخيمات لا يبشر بالخير وأن ملف سحب السلاح هو بمثابة قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة خصوصا أن المخيمات التي تمت تسميتها ترفض بعض الفصائل المحسوبة على فتح تسليم سلاحها خوفا على نفوذها، فكيف بالمخيمات الكبيرة التي تختزن الكثير من التعقيدات في النفوذ وموازين القوى والحساسيات القائمة بين الفصائل، ولعل نموذج مخيم نهر البارد ما يزال ماثلا أمام الجميع.
وتقول مصادر مواكبة لزيارة عباس لـ”سفير الشمال”: إن التعاطي مع القضية الفلسطينية لا يجوز أن يكون فقط من المدخل الأمني، فالقضية الفلسطينية ليست بندقية خارجة عن الشرعية اللبنانية ليتم التفاوض عليها، بل هي شعب مشرد ومظلوم ومقهور يعيش تحت الاحتلال ويحلم بحق العودة الى أرضه ودياره، حيث يُفترض أن يصار الى توسيع الدائرة والبحث في الحقوق المدنية للفلسطينيين وأمن المخيمات وحق العودة وتقديمات الأونروا وكيفية تفعيلها ورفض التوطين أو فكرة الوطن البديل، علما أن السلاح الفلسطيني خارج المخيمات قد تمت معالجته بشكل كامل، أما السلاح ضمن المخيمات فيحمل رمزية المقاومة والعيش على أمل العودة، وما يطرحه عباس حول سحب السلاح دون أي ملف آخر من شأنه أن يشطب القضية الفلسطينية وأن يحمّل الدولة اللبنانية أعباء اللاجئين تمهيدا لتوطينهم.
ويرى هؤلاء أن سلاح المخيمات لم يُستخدم ضد الدولة اللبنانية، وما سبق وحصل في نهر البارد الكل يعلم أنه كان مؤامرة على المخيم قبل الدولة، وقد دفع الفلسطينيون ثمنه وما يزالون، حتى أن حركتيّ حماس والجهاد لم يستخدما السلاح الفلسطيني بل كانا يعملان ضمن المقاومة اللبنانية التي كانت توفر لمجاهديهما السلاح، أما الحالة الفردية التي شهدها الجنوب بإطلاق الصواريخ فهي كانت فورة غضب لشبان بقرار شخصي بعد المجزرة التي ذهب ضحيتها 450 شهيدا في فلسطين، وهذا الأمر أكدته الدولة اللبنانية من خلال الاعترافات التي أدلى بها الموقوفون في هذه القضية.
وتخلص هذه المصادر الى أن المخيمات الفلسطينية في لبنان وسلاحها وأزماتها تحتاج الى حوار عقلاني ومستفيض لا يمكن أن يختصره شخص واحد، بل إن ذلك يجب أن يكون في عهدة لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني.