Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر June 16, 2018
A A A
“سبورنايا” أقدامٌ مُبصرة في رهان القوة البوتيني
الكاتب: الحياة

صحيح أن كأس العالم لكرة القدم التي تستضيفها روسيا حتى 15 تموز المقبل، رصدت موسكو لها موازنة تقدّر بـ11 بليون يورو، لكنها ثلثُ ما أُنفق على استضافة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي عام 2014.
حدثان كبيران في عهد الرئيس فلاديمير بوتين الذي دشّن أخيراً ولايته الرابعة. كان أول من أمس «ظلاً رابضاً» في ستاد لوجنيكي، أو ستاد لينين سابقاً، على غرار الأمين العام للحزب الشيوعي «الرفيق» ليونيد برجينيف، الذي افتتح فيه دورة الألعاب الأولمبية الصيفية عام 1980، والتي قاطعها قسم من الغرب، في عزّ الحرب الباردة والغزو السوفياتي لأفغانستان.
وقتذاك كان بوتين ضابطاً في جهاز الـ «كي جي بي»، هذا الرياضي المتمرّس في لعبة الجودو، بينما زعيمه الهرم يهوى السيارات الفارهة والتزحلق الفني على الجليد والهوكي على الجليد، ويقدّر جهود اللاعبين أصحاب «الأقدام المبصرة» التي لا تخطئ شباك المرمى.
أما بوتين بطل «التاتامي» لمقاطعة لينينغراد في وزن دون الـ 62 كيلوغراماً، فكان وهو يفتتح المونديال أول من أمس، الرياضي الوحيد القديم من المستوى الأول القيادي في المنصة الرئاسية. والرياضة كانت دائماً «محرّكاً» في مسيرته، إذ أن الجودو أهّله بدنياً وذهنياً لتقلّد مناصبه والاضطلاع بمسؤولياته حتى قمة الهرم، ومنها كيفية التعامل بحزم وقوة مع الأزمات.
وفي ملف مشروع استضافة المونديال، وردت عبارات في سياق العرض العام لأهمية الحدث، لم تتناولها وسائل الإعلام، بينها أن روسيا القوية خير مكان لتكون قبلة أنظار أفضل لاعبي العالم، على غرار احتضان ستاد لينين أمهرهم في الدورة الأولمبية قبل 38 عاماً.
بعد الحرب العالمية الثانية وعودة الرياضة السوفياتية إلى الساحة الدولية، مقرونة بالنتائج الجيدة في دورة هلسنكي الأولمبية عام 1952، والجولة المظفّرة لفريق دينامو موسكو في بريطانيا، أدرك المسؤولون السوفيات أهمية الرياضة وتأثيرها في نفسية الشعوب، فاستخدمها الكرملين أداة فاعلة في «بروباغندا» النظام وتطلعاته ووعوده. وها هو بوتين يستخدم «نسخة منقّحة» من هذه الأدوات مجدِداً في أساليبها، بعد «النكسة الرياضية» في دورة سولت لايك سيتي الأولمبية الشتوية عام 2002. إذ أطلق نفير الاستنفار، وجعل من المنافسات على أنواعها «قوة ناعمة» تعكس طموحاته، وتعوّض لبلاده أمجاداً مفقودة. ومن تلك «الأدوات» التنطّح لاستضافة أحداث كبرى على غرار بطولات العالم لألعاب القوى والسباحة والجودو والمبارزة والهوكي على الجليد ودورة الألعاب الجامعية «أونيفرسياد» وسباقات سيارات فورمولا واحد. وكانت درّة التاج الألعاب الأولمبية الشتوية عام 2014 التي كلّفت 37 بليون يورو، في بلد يبلغ معدّل الدخل الشهري فيه 357 يورو، ويعيش 20 في المئة من سكانه تحت خط الفقر.
النسخة الـ21 من المونديال تطلّبت إنشاء ملاعب «عملاقة» في ظل افتقار للاستثمار في البنية التحتية عموماً. أراد بوتين «إظهار القوة المحتملة لروسيا»، ومن هنا جاء اختيار المدن المستضيفة مدروساً، فبعضها لا يملك نادياً منافساً في الدرجة الأولى، ولكن لـ «الرمزية القومية» أولوية، فمثلاً كاليننغراد نتوء محاط بأوروبا، وفولغوغراد (ستالينغراد سابقاً) شاهدة أبدية على المقاومة الروسية في الحرب العالمية الثانية، فضلاً عن أن لأماكن إقامة منتخبات رمزيتها، مثل العاصمة الشيشانية غروزني.
ويبدو الكرملين «متجاوزاً» للعقوبات الديبلوماسية والاقتصادية في ظل أزمته مع الغرب بعد اقتطاعه منطقة القرم من أوكرانيا، وتدخله في سوريا ودعمه رئيسها بشار الأسد، واتهام لندن موسكو بالمسؤولية عن تسميم العميل السابق سيرغي سكريبال وابنته بغاز الأعصاب، إلى «القمع» الداخلي لمعارضين، ومنه اعتقال 1600 شخص غالبيتهم من الشباب، كانوا تظاهروا احتجاجاً على نتائج الانتخابات الرئاسية.
يراهن بوتين على أن المونديال سيكشف للعالم «روسيا الحقيقية وثقافتها وتنوّعها» بعيداً مما «أُلصق بها من نعوت مسيئة واحتضانها عنصرية متفشّية وعصابات متفلتة»، علماً أن رهانات و «مشاريع تجميل» سابقة ارتدّت سلباً، خصوصاً بعد فضائح المنشطات عقب ألعاب سوتشي.
وتعوّل الأجهزة على بطولة ناجحة بشتى السبل، اذ «طهّرت» مناطق من المشاغبين وعتاة الجريمة والقاذورات والمناظر المسيئة والحيوانات الشاردة. وطلب عمدة كاليننغراد إخلاء أحياء من سكانها على غرار ما شهدته موسكو عام 1980، و «الجدران الحاجبة» في مناطق من بكين خلال الدورة الأولمبية عام 2008.
«روسيا المشرقة» محصورة في المدن الكبرى، مسرح المونديال، في منأى عن مآسي الريف، وأنصار المنتخبات وعشاق اللعبة المقدّر أن يبلغ عددهم 700 ألف شخص مستهدف أن يشاهدوا صوراً زاهية وإيجابية لا تنقلها وسائل إعلامهم عموماً. ولتكتمل المهمة، على «سبورنايا» الفائز افتتاحاً أن يتابع نجاحاته. من هنا كانت اتصالات بوتين بمدربه ستانيسلاف تشيرتشيسوف خلال المؤتمر الصحافي عقب المباراة أمام السعودية، ناقلاً تهانيه الحارة المحفّزة لأفراد المنتخب الروسي.