Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر August 29, 2021
A A A
سارعوا الى تنظيم قطاع المولدات.. فالظلام أساس كل فوضى وفلتان!
الكاتب: غسان ريفي - سفير الشمال

في الوقت الذي تتجه فيه الدولة اللبنانية الى رفع الدعم عن المحروقات، بدأت تظهر بعض التداعيات الكارثية لهذا القرار المرتبط بمعيشة الناس وتفاصيل حياتهم، خصوصا أن رواتبهم إفترسها سعر صرف الدولار، ولا زيادة أجور في الأفق، والبطاقة التمويلية من المنتظر أن يحولها العهد عبر وزارة الشؤون الاجتماعية الى بطاقة إنتخابية، وهي في كل الأحوال ما تزال في علم الغيب.

لم يكن أحد من اللبنانيين يدرك أن مادة المازوت هي عصب حياتهم، حيث كانت هذه المادة تُستورد وتُخزن وتُدعم وتُوزع بانسياب كامل على المؤسسات المختلفة والمستشفيات والأفران ومولدات الاشتراكات بما يؤدي الى تسيير عجلة الحياة بشكل طبيعي.

لا شك في أن توفير مادة المازوت للمستشفيات والأفران ودور العجزة وغيرها من المؤسسات المرتبطة إرتباطا وثيقا بحياة المواطنين، هو أمر أكثر من ضروري، خصوصا أن مجمعات تجارية بدأت إقفال أبوابها بسبب عدم توفر المازوت، وصولا الى تهديد الثروة العلمية اللبنانية لعدم توفر الكهرباء بسبب إنقطاع المازوت.

ربما يغيب عن بال الدولة اللبنانية أن المولدات الكهربائية البديلة (الاشتراك) هي لا تقل أهمية عن كل القطاعات والمؤسسات الأخرى، وأن تنظيم قطاع المولدات عبر السلطات المحلية أو عبر الوزارات المعنية ودعم المازوت المستخدم في توليد الطاقة الكهربائية البديلة هو أيضا أكثر من ضروري، خصوصا في ظل إنعدام التيار الكهربائي الرسمي وإقتصاره على ساعتين في أفضل الأحوال خلال النهار.

قبل أيام، باشرت شركات المولدات البديلة بالاعلان عن تعرفتها الجديدة المرتبطة بغلاء أسعار المازوت بعد رفع الدعم الجزئي عنه الى 8000 ليرة، ما جعل سعر الصفيحة الواحدة يتجاوز عتبة المئة ألف ليرة.

وبالطبع فإن هذه التعرفة جاءت صادمة، حيث نراوحت بحسب المناطق بين 900 ألف الى مليون و200 ألف ليرة لكل خمسة أمبير، وبين مليون و800 ألف الى مليونين و400 ألف ليرة لكل عشرة أمبير.

ولا يخفى على أحد أن تعرفة مخيفة من هذا النوع، من شأنها أن تجبر السواد الأعظم من المواطنين على قطع الاشتراك والاكتفاء بكهرباء الدولة ومن ثم بالانارة البديلة من شمع وخلافه، خصوصا أن هؤلاء لن يكون بمقدور أحد منهم أن يدفع شهريا مليون ليرة للاشتراك، وهم لا تتعدى رواتبهم في أفضل أحوالها الثلاثة ملايين ليرة، أي أن تعرفة الاشتراك بحدها الأدنى خمسة أمبير تعادل ثلث الراتب، وهذا يعني أن أكثرية ما كان يُعرف بالطبقة الوسطى ستنضم الى فئة الفقراء في تفضيل العتمة على دفع مليون ليرة لكل خمسة أمبير، كما أن لجوء المواطنين الى مثل هذا الخيار سيدفع معظم شركات المولدات الى الاقفال، ما قد ينهي هذه الظاهرة البدلية التي عاشت أكثر من عقدين من الزمن قبل أن تصدق وعود تأمين الكهرباء 24 ساعة..

أمام هذا الواقع فإن لبنان سيكون أمام حالة فلتان وفوضى لا مثيل لها إنطلاقا من كل المناطق الشعبية في محافظاته ومدنه، فهل يعي المسؤولون أنه بعد نحو شهرين سيحل الظلام عند الساعة الرابعة من بعد الظهر وسيستمر الى الساعة السادسة صباحا أي ما يعادل 14 ساعة من الظلام ومن دون كهرباء؟، وهل فكر هؤلاء ماذا ستكون عليه مناطق التبانة والقبة والسويقة وباب الرمل في طرابلس والطريق الجديدة والخندق الغميق والبسطة ووطى المصيطبة وكورنيش المزرعة في بيروت، وسائر مناطق لبنان الشعبية في ظل هذا الظلام الذي سيفرض نفسه عليها، في وقت بلغ فيه سعر الشمعة الواحدة ثلاثة آلاف ليرة لبنانية؟، وهل سيستكين أهالي هذه المناطق، أم أن شوارعهم وأحياءهم ستشهد شتى أنواع الاحتجاجات التي قد تؤدي الى ما لا يحمد عقباه؟.

وكذلك، هل فكرت الدولة ووزاراتها المعنية في اللبنانيين المتواجدين في الجرود والذين يحتاجون يوميا الى صفيحة مازوت وأكثر لتأمين التدفئة المطلوبة؟، وهل يمكن لهؤلاء ومعظمهم من الفقراء أن يؤمنوا هذه الكميات أي ما يعادل ثلاثة ملايين ليرة لكل عائلة؟، أم أنها ستتركهم للموت من البرد؟، وهل سيقبل هؤلاء بأن يموتوا من البرد وأن يعيشوا في عتمة شاملة؟

لا شك في أن الظلام الذي سيعم والبرد الذي سينخر عظام اللبنانيين في الجرود سيضع لبنان على فوهة بركان من المفترض أن تتدارك الدولة إنفجاره المتكرر وربما اليومي، وأن تسارع الى إيجاد الحلول السريعة عبر توفير الدعم الكامل لمازوت المولدات والتدفئة وأن تضع آلية صارمة عبر الجيش اللبناني أو الوزارة المعنية لعملية تأمينه للجميع وفرض تعرفة على شركات المولدات تتناسب مع المداخيل المالية التي تتراجع قيمتها يوميا للابقاء على الانارة، وإلا فإن الظلام والبرد سيكونا عنوان الثورة المقبلة وسيكون الآتي أعظم..