Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر August 4, 2023
A A A
“سابقة” الجلسة في الديمان لن تدفع ميقاتي إلى سحبها من التداول
الكاتب: سابين عويس - النهار

 

على رغم التوضيحات الصادرة عن أوساط السرايا، وبيان النفي الصادر عن مكتب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، بعد العاصفة التي أثارها تصريحه بعد لقائه وعدداً من الوزراء البطريرك الماروني بشارة الراعي في الديمان، لم ينجُ إعلانه عن عقد اجتماع وزاري في الديمان من الاعتراضات والانتقادات والجدل، لما شكلته تلك الدعوة من سابقة غير دستورية من شأنها أن تفتح الباب واسعاً أمام تفسير الدستور واستقلالية مجلس الوزراء بما يمثله من مؤسسة قائمة في حدّ ذاتها تتمتّع بكيانها وصلاحياتها وفقاً لما نصّت عليه وثيقة الطائف.

حرصت أوساط ميقاتي على سحب الموضوع من التداول بعدما توسعت ردود الفعل المعترضة على الدعوة، وذلك من خلال شروحات تفضي الى القول بأن المقصود لم يكن جلسة حكومية بل جلسة تشاورية، تنطلق من رغبة رئيس الحكومة والوزراء في الوقوف عند هواجس المرجعيات الروحية. لكن حتى التفسير لم يلق قبولاً أو ترحيباً، لما اعتُبر وقوفاً عند خاطر سيّد الصرح الذي لا يألو مناسبة إلا وينتقد الأداء السياسي في البلاد، ولا سيما أن الراعي لا يخفي أمام زواره أو في عظاته استياءه وهواجسه من الأحوال البائسة والمقلقة التي بلغتها البلاد في ظل تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية وتوسع الشغور والشلل ليطال في الدرجة الأولى المواقع المسيحية.

قد تكون غالبية الانتقادات انطلقت من خلفية سياسية تتصل بإقحام المرجعيات الدينية بعمل الحكومة، على نحو يخشى فيه المنتقدون أن تنتقل الدعوة من الديمان الى دار الفتوى أو غيرها من المواقع الروحية، في محاولة لاسترضاء هذه المرجعيات، ولكن الواقع أن تلك الانتقادات لا تقف عند الأبعاد السياسية للطرح، بقدر ما تذهب في اتجاه الأبعاد الدستورية له، بما يطرح إشكالية دستورية حقيقية حول مجلس الوزراء كمؤسسة قائمة في حد ذاتها كما نص الدستور ولا سيما في المادة الخامسة والعشرين منه، وتحديداً الفقرة الخامسة منها التي تنصّ صراحة على أن مجلس الوزراء “ينعقد دورياً في مقرّ خاص”.

والواقع أن مجلس الوزراء يخضع لمواد دستورية تنظم عمله وصلاحياته ودوره، وقد وردت في المرسوم التطبيقي الرقم ٢٥٥٢ الصادر في آب من عام ١٩٩٢ في عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي. وقد نصت المادة السادسة منه على أن المجلس ينعقد دورياً في مقره الخاص. وبالفعل، فقد أنشئ هذا المقر في عهد الرئيس الأسبق إميل لحود، لكن الاجتماعات الحكومية لم تطل فيه بسبب الأحوال الأمنية، رغم أنه كان مجهزاً بالكامل، لاستضافة جلسات مجلس الوزراء كما الأجهزة الإدارية التابعة له. وتوزعت الاجتماعات الحكومية بحسب أهمية جداول الأعمال بين القصر الجمهوري أو السرايا، وبقي المقرّ مقفلاً حتى اليوم.

لقد أعطى دستور الطائف صلاحيات أوسع لمجلس الوزراء كسلطة تنفيذية، لم تحسن إدارتها في ظل التجاذبات السياسية والنفوذ المسيطر من قوى سياسية على أخرى. فالدستور يقول صراحة بأن رئيس الحكومة هو من يضع جدول أعمال الجلسات ويعود لرئيس الجمهورية التشاور أو طرح الأمور الطارئة من خارجه، لكن هذا الأمر لم يُحترم وشكل مادة تجاذب قوية ولا سيما في عهد الرئيس الأسبق ميشال عون، ما أدّى الى تعطل عمل المؤسسة.

كذلك ينصّ الدستور صراحة على أن رئيس الحكومة يترأس الجلسات ويترأس رئيس الجمهورية إذا حضر. وكانت الصيغة المعتمدة للبيانات الصادرة بعد الجلسات تقول بأن رئيس الجمهورية حضر فترأس، إلا في عهد عون الذي استعاض عن ذلك بالقول إن مجلس الوزراء “انعقد برئاسة رئيس الجمهورية”. وقد اعتُبرت تلك الصيغة المعتمدة مخالفة للدستور ولكن تم التغاضي عنها منعاً لمزيد من المواجهات بين رئيسي الجمهورية والحكومة.

واليوم، ومع الدعوة الملتبسة الى جلسة تشاورية في الديمان، عادت مسألة صلاحيات مجلس الوزراء ودوره الى الواجهة، ولا سيما أن الجلسة التشاورية يجب ألا تكون خارج جدران مقر المجلس. ويمكن الاستعاضة عنها بلقاءات لرئيس الحكومة يرافقه فيها وزراء يعود اختيارهم للوجهة المقصودة والمواضيع المطروحة، بحيث يشارك وزراء الاختصاص.

قد تكون بيانات النفي والاحتواء خفّفت من زوبعة كلام ميقاتي. ومع مصادفة حلول الذكرى الثالثة لجريمة تفجير المرفأ، قد تنتقل الأنظار الى هذه الذكرى وما تحمله من مآسٍ في ظل التلكؤ الرسمي عن بلسمة جراح اللبنانيين عبر استئناف التحقيقات وإحقاق العدالة، ولكن هذا لا يعني أن هذا الموضوع لن يعود الى الواجهة الأسبوع المقبل، موعد انعقاد الجلسة التشاورية، إذا بقيت قائمة ولم تسحب بدورها من التداول.

أوساط ميقاتي التي آثرت اعتماد صيغة اللقاء، أكدت لـ”النهار” أن اللقاء لا يزال قائماً يوم الثلثاء المقبل ولن يلغى لأنه يأتي في سياق التشاور والبحث في الملفات الشائكة المطروحة بهدف طرح حلول ومعالجات لها، مجددة التأكيد أنها ليست جلسة حكومية ولا تلحظ جدول أعمال ويمكن أن يتوجه رئيس الحكومة الى أي منطقة أو أي مرجعية تطلب لقاءً مماثلاً لأن الهدف هو البحث عن حلول ومعالجات في ظل الانسداد، مشيرة الى أن المسألة لا تتعلق بطائفة بل بهواجس وهموم ومطالب تحتاج الى المعالجات.