Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر October 26, 2019
A A A
زمن الناهبين والمخرّبين قد ولّى
الكاتب: الياس الديري - النهار

يا ربّي هبَّت شعوبٌ من منيَّتها

واستيقظت أُممٌ من رقدة العدمِ

وها هم اللبنانيّون المقيّدون بالطوائفيَّة والحزبيّة، والغارقون في أوهام وعود أهل المصالح والمنافع، قد استيقظوا حقّاً وفعلاً من رقدةٍ عدميّة مُدمِّرة، ويهبّون هبَّة الإرادة الواحدة، بعدما رموا جميعهم “أوسمة” الاستسلام والانصياع لطغمة أهل الفساد بمختلف مواقعهم وحُماتهم…

واضحٌ بصراحة صارخة، هنا وفي أرجاء العالم، وبصراحة نقيّة واثقة، من الناقورة إلى النهر الكبير، أن الشعب اللبناني خلع ثياب التخوُّف والتردُّد، فيما الجوع ينهش موائده قبل البطون. وها هم يتخلَّصون من كامل المعوقات ويلتحمون في وقفة وطنيَّة واحدة، لم يسبق للبنان أن عرفها أو حلم بمثلها.
من هذه المُتغيِّرات، من هذا الإجماع الواعد، من هذه الانتفاضة النموذجيَّة التي لم يعرف مثلها أرقى الدول وأعرقها، انطلق قرار تغيير الواقع مع الوضع السياسي برمّته، و”تركته”، و”فساده”. وإلى لبنان جديد نظيف.

من هنا، تحديداً، يبدأ مشوار الانتفاضة – الثورة التي استطاعت خلال أيّام معدودة أن تغيِّر كلَّ ما تراكم من حواجز، وعقبات، وانفلاشات، وفسادٍ، وفلتان، و…

لا تراجع ولا استسلام ولا قبول بالمسكَّنات والوعود التي أمست مثلاً للتهرّب من المسؤوليّة والتغيير. أمّا التذكير بكلام أكل الدهر عليه وشرب، فلم يعد له أيّ مكان، ولا أي مصغٍ. كل شيء من أوَّل وجديد. وكلُّن يعني كلُّن. وهي جملة بسيطة معبِّرة وتستحقّ أن تكون شعاراً. الذين أطاحوا شجرة ثمار الطائف حسبوا أنّهم وضعوا أيديهم على السلطة، والناس، والأرض، والأنهر، والينابيع، والبحار، ويا أرض اشتدّي ما حدا قدّي. لم يحسبوا حساب الناس. اعتادوا أن يضحكوا على الذقون بالوعود الكاذبة. وبالتهديد أيضاً. وبأصوات حربجيّة تتّكئ على “أوهام حربيّة”.

لقد ظنَّ هؤلاء الذين دمَّروا لبنان عن سابق تصوّر وتصميم أن التهويل يكفي لزرع الرعب في نفوس اللبنانيّين، لكنَّهم زرعوا النقمة والغضب. وما زالوا مُتمسِّكين بهذا الوهم الذي تجاوزته أفواج الملايين، وأصواتهم، ومثابراتهم، وصمودهم الذي اخترق كل الحواجز في لحظة تغيير رائعة رائعة، أبادت كل أوهام الترهيبيّين وتجّار الفساد بكل أنواعه وأسمائه…

لا صوت يعلو على اصوات أبطال التغيير، والثورة في سبيل إنقاذ لبنان، وإعادة بنائه على أسس الوفاق والنظام والقانون والدولة، والجميع سواسية. ولبنان واحد لشعب واحد. لقد انتصروا منذ اليوم الأوّل. انتزعوا تلك الحواجز الوهميّة تلقائيّاً، ومن دون أي جهد. جميعهم كلّهم نزلوا إلى الساحات ليهتفوا للبنان جديد.

وللبنانيّين جُدُد، ينتمون إلى وطن لكل بنيه، ويحتكمون إلى نظام يتكافأ في ظلّه الناس بمختلف الرتب والمكانة والمسؤوليّة. قانون واحد لشعب واحد، إنّهم اليوم، أو انطلاقاً من اليوم، بل قبل ثمانية أيّام، لبنانيّون مع لبنانهم، لا مع هذه الدولة أو تلك، ولا مع هذا النظام أو ذاك. لقد انتهى دور الاستغلاليّين والفاسدين والناهبين. لحد هون وبس. لقد وصلت مواكب التغيير، فزيحوا من دربها أو امشوا في طريقها.

لقد ولّى زمن الفاسدين والناهبين والمخرّبين والترهيبيّين. من أوّل وجديد.