Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر July 13, 2020
A A A
رُب ضارة نافعة.. “جمعنا التباعد الاجتماعي بعد 25 عاماً من الفراق”!
الكاتب: بي بي سي

“عدتُ بالزمن 25 عاما للوراء، عدتُ للبراءة، حين كان أكبر مشكل بالنسبة لي هو اجتياز امتحان الحساب، بعد أن عثرتُ عليها” هكذا وصفت رضوى يوسف فرحتها بالعثور على صديقة الطفولة وزميلة الصف في المرحلة الابتدائية مروة هارون على موقع التواصل الاجتماعي ” فيسبوك”.
باعدت الظروف ومشاغل الحياة بين الصديقتين قبل أن تترك رضوى مصر وتتجه للسعودية صحبة زوجها وابنيها منذ خمس سنوات.
وتقول رضوى: “أعمل بدوام كامل مدة 10 ساعات فى إحدى شركات الدعاية والإعلان ولدي توأم في الرابعة من عمرهما وأعيشُ بعيدة عن أهلي ما يجعلُني في سعي دائم وراء تلبية الاحتياجات اليومية لأسرتي الصغيرة، كنتُ دائما أتذكرُ مروة وصداقتنا لكن لم يكن لدي وقتٌ للبحث عنها “.
يبدو أن فترة الحظر والتباعد الاجتماعي المفروضة في معظم دول العالم بسبب انتشار فيروس كورونا لم تكن كلها مساوئ فرُب ضارة نافعة، إذ أوجدت هذه الفترة كما تقول رضوى وقتا لها لتبحث عن أصدقاء الطفولة ومنهم مروة.
في الوقت نفسه، أطلقت مروة قبل نحو شهر صفحة على موقع فيس بوك لتجمع فيها زملاءها وأصدقاءها خلال المرحلة الابتدائية.
وتقول مروة: “عثرتُ حتى الآن على 39 من أصل 50 كانوا زملاء صف بدءا من مرحلة رياض الأطفال وحتى نهاية المرحلة الابتدائية وفي مقدمتهم رضوى”.
وتضيفُ مروة التي تعمل في مراجعة محتوى على إحدى مواقع الإعلانات الالكترونية “بحثتُ عن أصدقاء هذه المرحلة تحديدا لأنها من أجمل المراحل في عمري إذ لم تكن لدي أي مشكلات، وعلاقاتُنا جميعا كانت ودية مليئة بالحب والثقة والصدق، كانت علاقات قوية بلا مصالح وهو الأمر الذي لم أعثر عليه في المراحل اللاحقة من حياتي”.
أرسلت مروة طلب إضافة لمن تمكنت من التوصل إليهم من أصدقاء تلك المرحلة، وهم بدورهم أضافوا آخرين للمجموعة ومن بينهم رضوى المقيمة خارج البلاد. وعثرت رضوى ومروة على بعضهما، كما عثروا على بقية أصدقاء الصف ومعهم صور لم يطلع عليها أحد من قبل، وتذكارات لليوم الدراسي الأخير وبطاقات معايدة وشهادات تحصيل العلامات ودفاتر قديمة فضلا عن صور للرحلات المدرسية والمدرسين الذين رحلوا عن عالمنا والذين انتقلوا إلى مدارس أخرى.
هذه المجموعة واحدة من عشرات المجموعات التي تكونت خلال الأسابيع الأخيرة لتضم زملاء الدراسة في مختلف المراحل التعليمية بهدف استعادة ذكريات الطفولة إذ يتبادل الأعضاء من مراحل عمرية مختلفة الصور والنوادر ويبحثون عن بعضهم البعض وعن مدرسيهم فيما يشبه حفلات السمر “الافتراضية” أو المقهى “الافتراضي”.
محمد عادل وهو ضابط حركة في إحدى شركات الطيران الخاصة ومؤسس مجموعة أخرى تضم تلاميذ إحدى المدارس الابتدائية يقول “تمكنا من ضم أعضاء من سنوات أقدم منا بكثير، انضم لنا أعضاء كانوا في المدرسة منذ عام 72 ويبحثون عن أصدقائهم القدامى، بعضهم لا يذكر سوى الإسم الأول ومعهم صور مرت عليها عشرات السنوات، استطعنا جمع نحو 1100 شخص من خريجي المدرسة في أقل من شهر، ورحلة البحث مازالت مستمرة”.
ويعتمد البحث في هذه المجموعات على الصور وأحيانا الأسماء فمثلا يضع أي عضو الصورة المجمعة التي كان تُلتقط في نهاية العام الدراسي ويبدأ في البحث عن الأشخاص المحيطين به كأن يسأل “حد يعرف كريم اللي على الشمال فى الصورة راح فين؟”.
وهكذا تبدأ رحلة البحث التي يشارك فيها جميع أعضاء المجموعة من المراحل العمرية المختلفة ، كأن يضيف أحد الأعضاء أحد أقربائه للمجموعة أو تظهر إحدى جارته فتعلق بأنها ستتواصل مع أحد أفراد عائلته لتضمه للمجموعة، أو يضيف أحدهم معلومة عن أين التقاه آخر مرة إلى أن تكلل الجهود بالعثور على الصديق الغائب.
وأحيانا يستعينُ أعضاء المجموعة بمصادر خارجية ومجموعات أخرى عبر فيس بوك للتنقيب عن أصدقاء انقطعت بهم السبل ولم يعد هناك خيط للتوصل إليهم إلا عبر الصورة التذكارية للصف.
يقول محمد عادل: “وجدتُ رفيق المرحلة الابتدائية محمود علي بطريقة معقدة إذ كنت أتابعُ المنشورات على صفحة إحدى المجموعات التي ليس لها علاقة بالمدرسة على فيسبوك، ووجدتُ منشورا يسأل الأعضاء مشاركة ذكرياتهم عن من كان يجلس بجوارهم فى المرحلة الابتدائية، فكتبتُ محمود الصاوي ووضعتُ الصورة المجمعة لأتفاجئ به يرد علي، ومن قائمة أصدقاء محمود الصاوي توصلت لمحمود علي لنجتمع ثلاثتنا – افتراضيا – لأول مرة منذ أكثر من 30 عاما ”
ورغم أن مواقع التواصل الاجتماعي وفرت سبل البحث عن أصدقاء غابوا قبل عشرات السنين وابتعدوا آلاف الأميال كما حدث بين محمد المقيم في القاهرة، ومحمود الصاوي الطبيب المقيم فى كندا، ومحمود علي الصيدلي المقيم في العراق، إلا أنها أحيانا تعجز عن المساعدة. فرضوى لم تعثر على سارة صديقة الطفولة التي كانت تشاركها ساندويتشات الزعتر في مقابل أن ترسم بدلا عنها لأنها لا تجيد الرسم، وتقول مروة “عثرتُ على جلال ونيفين صديقي الطفولة لأني أتذكر أسمائهم الثلاثية كما أذكر شكلهم طبعا ولحسن الحظ كانا يستخدمان اسميهما كما أعرفها وصورهما الشخصية، لكن في حالة عدم وضع صور أواستخدام اسم بعيد عن الاسم المعروف تصبح المسألة صعبة”.
ويبدو أن فترة التباعد الاجتماعي قللت حجم الصخب المحيط بالحياة اليومية للأفراد، لكنها زودت من حجم الاحتياج للآخرين، كما تقول رضوى: “العثور على أصدقاء الطفولة الآن تحديدا يعني لي الكثير، أمر بظروف غاية فى الصعوبة فعمل زوجي مهدد بسبب تفشي فيروس كورونا وقدرتنا على الحركة مقيدة والأطفال يشعرون بالضجر بسبب البقاء فى المنزل لوقت طويل، و لا أستطيع السفر للقاهرة بحرية للاطمئنان على عائلتي، لكن مجرد العثور على صورة لي في عمر السادسة على صفحة مجموعتنا حسّن حالتي المعنوية كثيرا”.
وتعلق مستنكرة “طبعا أشيك بنت في مصر، لا أعرف كيف كنت أرتدي ملابس كهذه؟ ولماذا كانت أمي تصر على تسريحة الشعر هذه؟ لم أر هذه الصورة من قبل”.
و تضافر عامل الوقت الذي وفرته فترة الإغلاق مع الحنين إلى الماضي الذي كان موجودا بالأساس لدى هؤلاء الأصدقاء، والتكنولوجيا التى سهلت التواصل رغم المسافات، ليجد المئات أنفسهم أمام واقع جديد يستطيعون فيه الوجود مع “أصدقاء العمر” على مدار الساعة. إذ تفرع عن مجموعات “أصدقاء الدراسة” مجموعات أخرى للتراسل والمحادثات عبر “ماسنجر” و “واتس أب”.
ويقول محمود علي “تحولت المجموعة لإدمان، أمضي أكثر من 4 ساعات يوميا في التواصل مع الأصدقاء، وتبادل ليس فقط الذكريات وإنما أيضا الخبرات فلكل منا مجال وتخصص واهتمام مختلف، حتى أن بعضهم يعرض منتوجاته أو يبحث عن موظفين، كما أني أقدم استشاراتي للمهتمين بالتغذية والتخسيس ونمط الحياة الصحية لأعضاء المجموعة” ويُضيفُ “البركة في الكورونا لولاها كنتُ سأضطرُ للنوم مبكرا استعدادا لساعات العمل الطويلة والمواصلات المهلكة”.
ورغم أن تفشي فيروس كورونا سهل البحث عن الأصدقاء إلا أنه في الوقت نفسه صعّب اللقاء المنتظر بينهم.
وفي محاولة لتقريب المسافات والتحايل على قواعد التباعد الاجتماعي، لم تكتف هذه المجموعات بالتواصل كتابة أو عبر الرسائل الصوتية إذ ينظم بعضها لقاء أسبوعيا بالصوت والصورة عبر تطبيق”زووم”.
وتقول هاجر أشرف – مدرسة لغة عربية – وصديقة مروة ورضوى ” نريدُ تعويض السنوات الطويلة التي مرت، أريدُ أن أرى كيف تغيرت الملامح بعد كل هذه السنوات، التواصل عبر زووم و فيسبوك مجرد حل مؤقت طبقناه لثلاثة أسابيع مضت وسنواظب عليه لحين انتهاء فترة الإغلاق إذ اتفقنا على اجتماع فعلي في فناء المدرسة كما كنا نفعل يوميا 25 عاما”.
وتضيف هاجر: “سعادتي لا توصف ، لدي حكايات احتفظت بها لـ 25 عاما، إذ تركنا منزلنا بعد إتمام المرحلة الابتدائية و لم يكن لدي رقم هاتف مروة، كنت أحفظه أثناء الدراسة و لم نكن نكتب أرقام الهاتف، كنت في حاجة إليها في لحظات كثيرة، و حاولت البحث عنها كثيرا ، ففي فترة حملي الأولى كنت احتاج لمساعدتها وكنت دائما أفكر لو أنها موجودة لكان الوضع أفضل، الآن اتفقنا أنها هي من سيستقبل طفلي الثاني لحظة ميلاده بعد أربعة أشهر”.
دعتني هاجر لحضور إحدى اللقاءات عبر “زووم ” لأجدها أشبه بيوم مدرسي مفتوح حافل بأحاديث الذكريات واللعب والمسابقات واختبارات الذكاء ، إلى جانب استعادة مواهب الماضي فمروة كانت “مطربة الفصل” و هاجر “الممثلة” ومحمد عوض “خطيب الفصل” وكل منهم لايزال يؤدي الدور نفسه.
محمد عادل ومحمود اتفقا في إحدى لقاءاتهما على تنظيم مباراة لكرة القدم يشارك فيها جميع أعضاء المجموعة بعد انتهاء فترة الإغلاق واشترط محمود ألا يلعب دور “حارس المرمي” الذى كان يُسند إليه دوما قبل أكثر من 30 عاما بسبب عدم مهاراته في لعب كرة القدم.