Beirut weather 20.41 ° C
تاريخ النشر November 9, 2016
A A A
«روما العصر»: البيت الأميركي منقسم!
الكاتب: خليل حرب وداليا قانصو - السفير

الانتخابات تعمّق جراح الأميركيين..وحرب كلينتون ـ ترامب لم تنته
*

صناديق الاقتراع خرجت اليوم بما هو اكثر اهمية وخطورة من نزيل البيت الابيض للسنوات الاربع المقبلة. الشرخ الهائل في النظام الاميركي، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، لن تعالجه عملية انتخابية ترتدي عباءة ديموقراطية، وتزرع في الوقت ذاته، كل اشكال الشقاق والتفاوت.. وتمهد لزلزال يهز اركان «روما العصر»، الولايات المتحدة الاميركية.
لم يعد الامر في باب التكهنات. هناك من الباحثين الاميركيين من يطرح «خطة سلام» لمرحلة ما بعد الانتخابات الاكثر بذاءة في التاريخ الاميركي الحديث. وهناك اصوات كثيرة ارتفعت في الاسابيع الماضية تحذر من وصفة «الحرب الاهلية». وعلى الرغم من ان كثيرين قد يقولون ان هذا التهويل هو من المبالغات، الا ان الانقسام الحاد ومظاهر الخلل في النظام الاميركي الذي سمح لمشبوهين كهيلاري كلينتون ودونالد ترامب، بالوصول الى السباق الاخير، تعني ان «الاستابلشمنت» الاميركي باتت مهددة.
الشعارات البراقة التي رفعها ترامب «اميركا اولا»، وكلينتون «اميركا للجميع»، لا تعني بالضرورة ان التنافس الانتخابي بينهما، لم يعمق الجروح الاميركية بشكل يحتم جراحات عاجلة. هناك طبقة سياسية تقليدية متحالفة مع رأس المال والشركات الاقتصادية والاعلامية والعسكرية الكبرى، تهيمن على الحياة السياسية الاميركية منذ عقود، وتتلاعب بها، تشعر بأن قبضتها ارتخت، لا بفضل دونالد ترامب، وانما لان الاخطاء والجرائم والاخفاقات صارت من الكبر بحيث لم يعد من المقبول مداراتها.
«روما العصر»، تشعر في العمق ان مظاهر سقوط روما التاريخية، تحاصرها. تزايد الهوة بين الفقراء والاغنياء، سطوة القوة العسكرية، وشيطنة الخصوم، وفقدان الثقة بالمؤسسات. لن نخطئ في الاعتقاد ان الولايات المتحدة على شفير الانهيار غدا، اذ ما زالت تمتلك الكثير من عناصر القوة والمناعة التي تتيح لها احتواء الصراعات الكبرى، والخيانات الكبرى، والجرائم الكبرى، سواء بحق الاميركيين انفسهم، او بحق العالم.

342efe0f-088d-4f71-824f-2e24364f1917

لكن احيانا، يكون فائض القوة هذا، قاتلا!
«فورين بوليسي» على سبيل المثال، تقول ان المؤسسات والثوابت السياسية الأساسية الأميركية تمر اليوم بأكثر المراحل صعوبة في العصر الحديث وتواجه تحديات واستهدافاً للأسس الأخلاقية للديموقراطية الأميركية.أما اقتصاديا، فان ما تعيشه الولايات المتحدة يمثل وصفة الكارثة السياسية التي أنتجها النظام الأميركي وخاصة حين تجاهل، خلال العقود الثلاثة الأخيرة، أن قلة من الأميركيين استفادوا من المكاسب الضخمة التي حققها الاقتصاد.
وبهذا المعنى، فان ما كان يهم، ولا يزال في الداخل الأميركي، حدة الاستقطاب السياسي والمجتمعي الذي أظهرته الحملة بصورةٍ أكثر وضوحاً، والذي عمل المرشحان على تعميقه، من دون تكلفة البحث عن اجوبة تريح الاميركيين لما بعد الثامن من تشرين الثاني. كما اتضح اتساع الهوة بين الديموقراطيين والجمهوريين، وبين الليبراليين والمحافظين، وبين الاغنياء والطبقة المتوسطة والعمال والفقراء، والاقليات الدينية والعرقية والتي وثقتها أبحاث أميركية مهمة طوال سنوات.
وخلص معهد «بيو» للأبحاث في ختام حملة انتخابية طويلة، إلى خمس علامات فارقة، اولها أن الجمهور الاميركي أصبح منقسماً إيديولوجياً أكثر وفقاً للخطوط العريضة للحزبين المهيمنين، مذكراً بأن 53 في المئة من الجمهوريين لديهم قيم محافظة، مقارنة بنسبة 31 في المئة في العام 2004. وفيما مال هؤلاء أكثر الى اليمين، اتجه الديموقراطيون أكثر إلى اليسار، مع 60 في المئة منهم اصبحوا يملكون قيماً ليبرالية مقارنة بـ40 في المئة في العام 2004.
ومما توصل إليه المعهد، أن جمهور كلا الحزبين أصبح أكثر سلبية تجاه مرشح الآخر، وأن التغييرات الديموغرافية، قد أعادت رسم تحالفات كلا الحزبين، بعدما أصبح جمهور الديموقراطين أقل بياضاً، وأقل تديناً، وأكثر تعلماً، فيما انعكست الآية في المقلب الجمهوري، يضاف إليها ارتفاع نسبة المسنين لديه. وأظهرت الانتخابات الحالية، أن جمهور كلا الحزبين يختلف في نظرته حول هوية اميركا الجديدة، والحياة الأميركية التي يريدونها، مع نسبة عالية من الجمهوريين، أكثر تشاؤماً، واقل شعوراً بالأمان والثقة بمستقبل أفضل، مما كانوا عليه قبل 50 عاماً. وأخيراً، ولعله الاهم، هو أن جمهور كلا الحزبين، متشائم في امكانية تمكن أي من المرشحين في تصحيح الخلل، او رأب الانقسامات.
ويقول الأستاذ في جامعة «بوفالو» الاميركية جايمس كامبل لـ «السفير» إن الانتخابات الحالية اظهرت مدى الانقسام الذي وصل إليه المجتمع الأميركي، ومدى العمل السيئ الذي قام الحزبان الديموقراطي والجمهوري في اختيار مرشحيهما، ومدى العمل السيئ الذي قام به الإعلام الأميركي في تغطية الانتخابات، معتبراً انه بالنسبة إلى غالبية الأميركيين، فإنهم عاشوا تجربة بشعة ومحرجة، والقليل منهم سيكونون مسرورين بالنتيجة.
ويضيف كامبل أن كلينتون رغم تهليل الإعلام لها، فإن نظرة الجمهور الاميركي ستظل مختلفة، وهي أنها غير أهل للثقة، وكاذبة، وستظل ملاحقة قضائياً.

609cdc48-faa9-4294-b11f-5d57c3abfe8b
ويشرح الخبير في الانتخابات الرئاسية الأميركية أن «الإدارة الاميركية ستتغير، لكن مسائل كثيرة عالقة، من اوباما كير، إلى مسألة الضرائب، إلى اتفاق التجارة الحرة، والسياسة الخارجية، وجدال الهجرة، سيظل عالقاً، وهو ما أسس لظهور نموذج الشعبوية الاقتصادية الذي جسدها ترامب، رغم أنه في نظر الكثيرين كاذب هو أيضاً، ولم يلتفت جمهوره لكونه رأسمالياً لم يقدم للطبقة الوسطى طيلة 70 عاماً من حياته أي اهتمام. ويختصر كامبل بالقول إن «الكثير من الأسئلة ستبقى عالقة، الجواب الوحيد هو أن هذه الانتخابات قد تركت شعباً يشعر كثيراً بخيبة الأمل.
ويلفت إلى أنه «داخلياً، فقد سلطت الانتخابات الحالية الضوء على مدى الجذب الذي حصلت عليه الشعبوية القومية. هذه الشعبوية برزت أقوى لدى الطبقة العاملة، والبيض الذكور الكبار في السن، ولكن أيضاً لدى شريحة اكبر من الجمهور، ما أدى إلى انقسام حاد حول قضيتي الهجرة والتجارة الحرة خصوصاً».
اما ديموغرافياً، فقد كسب الديموقراطيون الجاليات غير البيضاء، وخسر «الديموقراطيون العمال» وهم العمال الذين يعملون في قطاع السيارات والمناجم وغيرهم، والذين كانوا محسوبين عليهم منذ عقود، لصالح الجمهوريين، الذين سيكون عليهم «تثقيف» و «تنمية» هذه «المؤسسة» لصالحهم في العقود المقبلة.
وبكل الاحوال، فان مزاج الناخبين العام عبر عنه استطلاع لصحيفة «بوليتيكو» الاميركية اجري عند مراكز الاقتراع، واظهر تطلّع عدد أكبر من المقترعين الأميركيين هذا العام إلى رئيسٍ أكثر قوّة، مقارنةً مع السنوات الماضية. وأظهر الاستطلاع أنّ 36 في المئة من المقترعين يرغبون برئيسٍ قوي، في مقابل 29 في المئة يريدون «رؤيةً للمستقبل»، و16 في المئة يريدون شخصاً «يهتمّ بالنّاس مثلي»، و16 في المئة يرغبون بشخصٍ «يشاركني قيمي».
وبلغ عدد الأشخاص الّذين قالوا إنّهم يريدون رئيساً قويّاً، وهي الفكرة التي بنى عليها المرشّح الجمهوري دونالد ترامب حملته الانتخابية، ضعف عدد الأشخاص الّذين تطلّعوا إلى تلك الصفة في رئيسهم خلال العام 2012.
وأظهر الاستطلاع كذلك أنّ 85 في المئة من المقترعين «يريدون استعجال انتهاء السّباق الرئاسي، بينما قال 72 في المئة إنّهم «قلقون»، و71 في المئة إنّهم «متوتّرون». ووصف 53 في المئة من المقترعين أنفسهم بأنّهم «غاضبون»، ونصف هذه النّسبة قالت إنّها «حزينة». بينما قال 39 في المئة إنّهم «محبطون».
وربما لهذا، يكتب براين كلاس في «فورين بوليسي» انه اذا أصبحت هيلاري كلينتون رئيسة الولايات المتحدة، ستكون لدينا مشكلة مزدوجة: قمع خطر العنف السياسي من الناس الذين يعتقدون أنها من المحتمل أن تكون الشيطان (أو على أقل تقدير الفائز في انتخابات «مزورة»)، في حين تحاول ايجاد وسيلة لوضع نفسها رئيسة لجميع الأميركيين، بما في ذلك عشرات الملايين الذين دعموا السياسي الأكثر عنصرية في تاريخ الولايات المتحدة الحديث.
يذهب كلاس ابعد من ذلك في تصوره لـ «خطة السلام» التي يقترحها، اذ يشير الى حاجة الديموقراطيين والجمهوريين للعمل معا، لاستعادة ثقة الاميركيين في المؤسسات الانتخابية. ويعتبر كلاس ان النزيل الجديد في البيت الابيض، سيرأس «الناخبين الأكثر انقساما في تاريخ الولايات المتحدة الحديث. نفس السياسة القديمة التي أدت للوصول لما هي اميركا عليه لم تعد كافية. قبل الحرب الأهلية الاميركية، حذر ابراهام لنكولن أن «بيتا منقسما على ذاته، لا يمكن أن يقف». اميركا ليست بعد على شفير حرب أهلية، ولكن يتم تقسيم المنزل الاميركي بشكل واضح.
ويخلص الى القول ان «الولايات المتحدة لا تتجه نحو حرب أهلية أخرى، وترامب لن ينتهي في (محكمة) لاهاي. ولكن عندما يقول المرشح الرئاسي أن النظام متلاعب به ويقول للجمهور انه لن يقبل بنتيجة الانتخابات في حال عدم فوزه، فإنه يرسل إشارة لزعزعة الاستقرار».
تعرض دونالد ترامب لاتهامات بانه هدم ما تبقى من آثار احترام المؤسسات الديموقراطية الأميركية. لكن كلينتون هي الاخرى فعلت الكثير في عملية الهدم هذه. كلينتون «المخادعة»، أدارت ملفات حساسة من وراء بريد خاص، وسرقت اسئلة مناظرات انتخابية، وتلقت تمويلات مشبوهة من دول خليجية لمؤسستها عندما كانت تتولى منصب وزيرة الخارجية. كلينتون ايضا، لعبت دورا عاجزا ومريبا بنظر الاميركيين في ملف قضية بنغازي.
ارث «السيدة الاولى» سابقا، ليس ناصعا. ودونالد ترامب، اذ ساهم في فضحها، وفضح نفسه، لطخا سوية النظام السياسي الاميركي. «روما العصر»، ليست في افضل ايامها في التاسع من تشرين الثاني 2016.
***

2268e609-8fa6-41de-8913-67a1307da851
مشاركان بالسهرة الإنتخابية في السفارة الاميركية في بودابست يلتقطان «سيلفي» امام مجسمين من الكرتون لترامب وكلينتون أمس (أ ف ب)