Beirut weather 23.41 ° C
تاريخ النشر August 30, 2023
A A A
روسيا وإطلاق الحرب الرديفة
الكاتب: ناصر قنديل - البناء

 

– وضعت روسيا مهمة عدم الانزلاق إلى مواجهة مباشرة مع حلف الناتو وقيادته الأميركية في أولويات الضوابط التي رافقت مواجهتها لمقتضيات الحرب في أوكرانيا، واكتفت بوضع الردع النووي كضمانة لعدم انخراط دول الناتو في هذه الحرب، لكنها اكتشفت أن دول الناتو وفي مقدمتها أميركا قد طورت مساراً حربياً يمكنها من وضع ثقلها العسكري والتخريبي في مواجهة روسيا دون التورّط في إعلان دخول الحرب ضدها. فكل دول الغرب تقريباً تعلن أنها تزوّد أوكرانيا بكل العتاد الحربي وأنواع الذخائر، وتقيم معسكرات التدريب وتضع معلوماتها الاستخبارية بتصرّف الجيش الأوكراني. وفي التوصيف القانوني هذه الدول ليست في حال حرب مع روسيا.
– واقعياً، وجدت روسيا أن عليها أن تقاتل كل دول الناتو مجتمعة، دون أن يعلن الناتو التورط في الحرب، لمجرد أن الناتو لا يرسل جنوداً، لكنه يرسل الدبابات ويركبها جنود أوكرانيون، ويرسل الصواريخ ويطلقها جنود أوكرانيون، ويرسل الأموال والذخائر ويضع كل نتاج الأقمار الصناعية والاستخبارات، بتصرف القيادة الأوكرانية. وعلى روسيا إذا انتصرت ان تقول إنها انتصرت على أوكرانيا فقط، وتكون أي خسارة هي بوجه أوكرانيا وحدها، وهذه معادلة لا يمكن لروسيا قبول استمرارها. ومن الطبيعي أن تسعى روسيا لتطوير معادلة موازية لانخراط الناتو في الحرب ضدها تحت سقف عدم إعلان الحرب ودون التورّط في مواجهة نووية.
– تبدو الحرب السيبرانية وحرب الطائرات المسيّرة التي بدأتها بريطانيا على روسيا، وتصل نتائجها إلى مطارات موسكو، وتقوم بنسبتها إلى المخابرات الأوكرانية، نموذجاً مناسباً لروسيا. وهناك الكثير من الحركات المسلحة والمتطرفة المناوئة لدول الناتو والتي كانت تمتنع روسيا عن تسليحها، التزاماً بالحفاظ على الاستقرار والأمن الدوليين، لكن تصنيف روسيا لدول الناتو كدول عدوّة، دون تصنيف الحال معها كحال حرب، يتيح لموسكو تزويد القوى المناوئة للدول العدوّة وغير الصديقة بالمعدات والأسلحة المناسبة، خصوصاً معدات الحرب السيبرانية والطائرات المسيّرة.
– ليس واضحاً بعد سبب ما شهدته مطارات بريطانيا خلال اليومين الماضيين، لكن فرضية أن تكون موسكو قد بدأت الحروب الرديفة واحدة من الاحتمالات، ويكون الأميركيون على درجة عالية من السذاجة ما لم يضعوا احتمال قيام موسكو باستغلال الانتشار الأميركي في سورية كنقطة ضعف للقيام بشنّ حرب رديفة. وكثيرة هي الساحات التي يمكن أن تكون مناسبة لحروب رديفة معلنة أو غير معلنة، لكن الأكيد أن روسيا لن تتعايش مع معادلة حرب أوكرانيا الراهنة، حيث يقاتلها الناتو بكل ما لديه، ولا يمكنها مقاتلته بشيء. وما بين الصيغة الراهنة والحرب النووية مجموعة خيارات، ستبدأ بالظهور تفجيرات وتعطيل مطارات وهجمات الطائرات المسيّرة تعود معها أسماء تنظيمات سبق أن ظهرت وانطفأت.
– حروب الاستنزاف الدولية لا يمكن خوضها من طرف واحد الا لأجل، وقد انتهى الأجل. ويبدو أن حرب الاستنزاف الدولية سوف تعمّ العالم خلال الفترة المقبلة، فيصعب خلالها الحديث عن عاصمة آمنة، ومطار آمن، في الدول العظمى. وتصبح المعادلة كلما زادت الدولة عظمة قلّ الأمن فيها. فالعالم الجديد لن يولد على البارد، ومطار موسكو لن يكون المطار الوحيد القابل للتعطيل، وأبراجها السكنية لن تكون الأبراج الوحيدة المعرّضة للاستهداف.