Beirut weather 21.41 ° C
تاريخ النشر February 18, 2018
A A A
روسيا لا تُريد شريكاً في سوريا بعد التسوية
الكاتب: سركيس نعوم - النهار

بعد إسقاط سوريا الطائرة الحربيّة الإسرائيليّة الـ”أف – 16″ أخيراً سارع المسؤولون في “القدس” إلى الاتّصال بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأبلغوه أن حكومتهم لن تردّ عسكريّاً على هذا العمل. علماً أنّهم قبل ساعات أو بالأحرى قبل يوم تحديداً هدَّدوا بتنفيذ عمليّة عسكريّة واسعة. وكادوا أن يُحرّكوا دبّاباتهم وكل ما يحتاجون إليه للبدء بها. في أي حال ذهب رئيس حكومتهم بنيامين نتنياهو مرّتين في المدّة الأخيرة إلى روسيا ولم ينجح في إقناع رئيسها بوتين بسحب مقاتلي حزب الله والخبراء العسكريّين الإيرانيّين من الأراضي السوريّة المُتاخمة لإسرائيل. وهذا دليل، في رأي الباحثين والمُطّلعين القريبين من طهران، على متانة “الحلف” القائم بين الرئيس بشّار الأسد وإيران وروسيا.

هل يُشارك الأميركيّون هؤلاء القريبين نظرتهم التفاؤليّة إلى “الحلف الثلاثي” المُشار إليه أم أنّ لهم نظرة أخرى؟

المعلومات والمُعطيات المتوافرة عند مُتابعين من واشنطن للأوضاع في الشرق الأوسط وتطوّراتها وسياسة الولايات المتّحدة حيالها تُفيد أن تقويم الأخيرة للموقف في سوريا يُشير إلى أن روسيا تستشعر مثل أميركا خطراً كبيراً من استمرار إيران الخبراء والعسكر والميليشيات والإيديولوجيا في سوريا بل في شرقي المتوسّط وربّما في المنطقة كلّها. وتُفيد أيضاً أن مساعدة روسيا للأسد علنيّة ورسميّة وتالياً واضحة للعيان، وأن تعاونها مع إيران سوريّا ونشوء علاقة عمل ثنائيّة جيّدة بينهما معروفة ورسميّة أيضاً. لكن روسيا دولة عُظمى. فهي من جهة أرادت استعادة دور في المنطقة بعد غياب طويل عنها من خلال سوريا، وقد استعادته بالدّخول طرفاً في الحرب مع رئيسها ونظامها على الثورة السوريّة ولاحقاً على التنظيمات الإسلاميّة الإرهابيّة، وبالعمل معاً مع إيران الإسلاميّة المُتدخّلة مباشرة وعبر جيش حزب الله ومُقاتلي الميليشيات العراقيّة الشيعيّة والأخرى الشيعيّة غير العربيّة في الحرب السوريّة. وبِوَصْفها دولة عُظمى فإنّها لا تريد شريكاً قويّاً لها في سوريا في المُطلق أو حتى شريكاً ثانويّاً لكن قويّاً وله طموحات إقليميّة كبيرة جدّاً. وتُفيد المعلومات والمُعطيات ثالثاً أن أميركا تعتقد بقوّة أنّ نظرتها إلى وجود إيران في سوريا والمنطقة هي مثل نظرتها هي أو تشبهها إلى حدٍّ كبير. طبعاً، يلفت المُتابعون أنفسهم، روسيا مُتدخّلة في سوريا مثل تدخُّل أميركا فيها وفي المنطقة. ولذلك تُستَهْدَف عسكريّاً أحياناً وتردّ على الذين استهدفوها، كما أنها تُبالغ في ردّها أحياناً عندما ترى تطوّرات قد تُهدّد دورها المُستعاد. ويجعلها ذلك تبدو أحياناً عضواً في “حلف المقاومة والمُمانعة”. لكنّها عندما تُفكِّر استراتيجيّاً تعرف أنها قامت بأقصى ما تستطيع في هذه الدولة أو ربّما بالّذي أرادت أن تقوم به، وأنّها حصلت على ما تريد. وتعرف أيضاً أن شراكتها لإيران في سوريا ستكون مُؤذية لها، وأن عليها عندما يحين الوقت العمل لإخراجها وحلفائها منها.

هل يعرف المسؤولون في طهران وقادة حزب الله في بيروت ذلك؟
القريبون من طهران يعترفون بأنّ في المذكور أعلاه الكثير من الصحّة، وخصوصاً موضوع عدم استحسان أو ربّما رغبة الدول العُظمى والكُبرى في العالم في مشاركة الدول الإقليميّة الكبرى في السيطرة على دول تعاني مشكلات وحروباً بعد انهائها معاً. وهذا أمر لا تُحبّه الدول الإقليميّة الكبرى أيضاً. لكن إيران تتعاون الآن مع روسيا في سوريا بكل جديّة بحيث تكادان أن تُصبحا حليفتين. ومن الأدلّة على ذلك الحماس الروسي لتوسيع “بيكار” الهجومات العسكريّة النظاميّة على “الإرهابيّين”. فالأسد يريد مثلاً الآن التركيز عسكريّاً على الغوطة الشرقيّة وهي إحدى ضواحي دمشق، وهو وجيشه يُفضّلان محاصرة إدلب التي يُسيطر عليها الإرهابيّون في رأيهما، واستعادتها لاحقاً بالتفاوض المباشر أو بواسطة جهات دوليّة والأمم المتّحدة. لكن القيادة السياسيّة الروسيّة هي التي تدفع الإثنين إلى الهجوم عسكريّاً على إدلب مدينة ومحافظة. وقد تجاوبا ونجحا حتّى الآن بدليل استعادتهما مطار “أبو الظهور” وعدداً من القرى والبلدات. في النهاية، يقول القريبون أنفسهم، أي عندما تستتبّ الأوضاع في سوريا بإنهاء الحرب وبالتوصّل إلى تسوية سياسيّة سيقول الروس لإيران أنّهم يلتزمون حماية مصالحها في سوريا الاقتصاديّة والاستثماريّة (معامل كهرباء وفوسفات) والمزارات المُقدّسة لدى الشيعة فيها. ويطلبون منها أو ينصحوها بسحب عسكريّيها. وهي ليس لديها إلّا خبراء عسكريّين يُقدَّر عددهم بألف أو ربّما أكثر قليلاً وستتجاوب. وعندما لا تعود هناك حاجة إلى جيش حزب الله في سوريا فإنّه سيعود إلى لبنان، كما ستعود إلى بلدانها الميليشيات العربيّة وغير العربيّة التي أرسلتها للاشتراك في حماية الأسد ونظامه. إنطلاقاً من ذلك ينفي القريبون أنفسهم الاتّهامات لإيران بـ”تشييع” سوريا. أمّا روسيا فقرارها هو تجذير وجودها في سوريا. وقد بدأت ذلك باتّفاقها خطيّاً مع الأسد على استمرار “قاعدة حميميم” العسكريّة الجويّة معها 99 سنة و”قاعدة طرطوس” البحريّة 45 سنة، هذا فضلاً عن المصالح الأخرى المدنية التي لها في سوريا. على كلٍّ ربّما يطمئن الأسد إلى روسيا أكثر من أي دولة إقليميّة كبرى أخرى لأنّها لا تُنفّذ مشروعاً إيديولوجيّاً يشمل الشرق الأوسط والعالمين العربي والإسلامي.

هل تعتقد أميركا أن انفضاض تحالف روسيا وإيران الإسلاميّة سهل؟ المُتابعون الأميركيّون أنفسهم لا يعتقدون ذلك رغم اقتناعهم برغبة رئيسها بوتين في ذلك ربّما. فهو اقترب من إيران كثيراً لأسباب اقتصاديّة مثل بيعها مفاعلات نوويّة ومعامل كهرباء وأنظمة سلاحيّة مُعقّدة، وليس سهلاً عليه التخلّي عن هذه المكاسب على الأقل في مرحلة غياب الحلول، وهي لا تزال طويلة.