Beirut weather 13.54 ° C
تاريخ النشر November 9, 2023
A A A
روداكوف لـ«الجمهورية»: نتفاعل مع أي رئيس ينتخبه اللبنانيون
الكاتب: الياس مخايل المر - الجمهورية

يُعتبر النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، الحدث الطاغي حالياً في المنطقة وفي الغرب. لقد سرق الأنظار والاهتمام عن الحرب الروسية ـ الأوكرانية، الّا أنّ روسيا تُبقي عيناً على غزة وأخرى على أوكرانيا، وهذا بدا جلياً من خلال مواقفها على لسان وزير خارجيتها وسفيرها في مجلس الأمن.

هذه المواضيع إضافة الى الملف اللبناني، حضرت في حوار خاص أجرته «الجمهورية» مع السفير الروسي في لبنان الكسندر روداكوف.

 

 

حرب غزة
بداية الحوار كانت من الملف الأكثر سخونة حالياً. فقد أشار روداكوف الى أنّ «الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال انّ من المستحيل إيجاد مبرّر للأحداث الرهيبة التي تجري في قطاع غزة. وبدلاً من معاقبة المجرمين والإرهابيين، جاء الانتقام على أساس مبدأ المسؤولية الجماعية، حيث يُقتل عشوائياً الآلاف من الأبرياء، الذين ليس لديهم أي مكان يهربون إليه ولا يختبئون فيه من القصف».

وشدّد روداكوف على أنّ «روسيا تؤكّد موقفها المبدئي والثابت بأنّ النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي المستمر منذ 75 عاماً لا يُحلّ بالقوة. ولا يمكن حلّه إلّا بالوسائل السياسية والديبلوماسية، من خلال إنشاء عملية تفاوض كاملة على أساس قانوني دولي معروف. وذلك من خلال إقامة دولة فلسطينية مستقلة ضمن حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، تعيش في سلام وأمن مع إسرائيل».

واعتبر أنّ «الأولويات الآن في غزة يجب أن تتمثل بوقف الأعمال العدائية، وإطلاق سراح الرهائن، وضمان وصول المساعدات الإنسانية بنحو كامل إلى الأشخاص المحتاجين، مع الالتزام الصارم بالقانون الإنساني الدولي. ومن ثم، لا بدّ من اتخاذ خطوات دولية فعّالة لإحلال السلام الشامل والدائم في جميع أنحاء الشرق الأوسط».

 

 

العلاقة مع اسرائيل
وعن التوازن في السياسة الروسية التي تحافظ على علاقات جيدة مع اسرائيل وتناصر وتدعم قضايا الشعوب، أكّد روداكوف «أننا نسعى جاهدين الى بناء علاقات مع كل الدول على أساس الانفتاح والاحترام المتبادل ومراعاة مصالحنا المشتركة. دائمًا يمكن التوصل إلى اتفاق، ودائمًا يمكن إيجاد أرضية مشتركة. نحن نحافظ على علاقات سواءً مع إسرائيل أو مع كل دول العالم العربي. وبالمعنى الأوسع، إنّ أنشطة السياسة الخارجية الروسية تهدف إلى تعزيز السلام والاستقرار الدوليين. وفي الوقت نفسه، نلتزم بشدّة مبدأ المساواة في السيادة بين الدول، وهو أحد المبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة. نحن على اقتناع تام بأنّ امتثال جميع ممثلي المجتمع العالمي للأحكام الأساسية لهذه الوثيقة الدولية البالغة الأهمية من شأنه أن يجعل كوكبنا أكثر استقراراً وأمناً».

واعتبر روداكوف «أنّ إسرائيل دولة ذات سيادة. يتخذ الإسرائيليون بشكل مستقل قرارات السياسة الخارجية بناءً على تقييماتهم وتحليلاتهم لتطور عمليات معينة، مسترشدين في المقام الأول بمصالحهم الوطنية»، مشيراً الى أنّه «في العالم الناشئ متعدّد الأقطاب، لن يكون هناك مكان لمظاهر الهيمنة، أو النهج الاستعماري الجديد، أو أي حصرية مصطنعة لبلد واحد أو مجموعة من البلدان. النموذج الجديد للعلاقات بين الدول سيقوم على العدالة والمساواة».

ولفت الى «أنّه يجب على إسرائيل أن تأخذ مكانها في هذا النظام. مع التقيّد الصارم بأحكام ميثاق الأمم المتحدة وغيرها من قواعد القانون الدولي، بطبيعة الحال». وقال: «في المقابل، فإنّ روسيا مستعدة لمواصلة الحفاظ على العلاقات الودية وتطويرها مع كل دول ومراكز العالم المتعدد الأقطاب».

وحول الهجمات الجوية الإسرائيلية على أهداف في سوريا، في الآونة الأخيرة، اعتبر روداكوف أنّ «من غير المقبول على الإطلاق تحويل أراضي الدول ذات السيادة إلى ساحة لتصفية الحسابات الجيوسياسية في الشرق الأوسط». ودان روداكوف بشدّة «هذا العدوان الذي يسفر عن سقوط ضحايا ويسبب أضراراً مادية كبيرة ويشكّل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، بما في ذلك الاستخدام غير القانوني للمجال الجوي اللبناني لتنفيذ هذه الضربات الجوية»، داعياً جميع الأطراف إلى «الوقف الفوري لأي استفزازات مسلحة والامتناع عن اتخاذ خطوات محفوفة بمزيد من التصعيد في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط».

 

 

العلاقة مع إيران
وفي سياق العلاقات الروسية – الإيرانية، أشار روداكوف الى أنّ «إيران دولة ذات ثقافة عريقة، دولة قوية وذات سياسة خارجية مستقلة. إيران هي جارتنا. ولذلك فإننا نسعى جاهدين إلى مواصلة تطوير وتعزيز علاقات حسن الجوار التي تطورت بيننا، كما نحافظ على اتصالات منتظمة مع الشركاء الإيرانيين على أعلى المستويات».

وإذ قال روداكوف إنّ «التعاون الثنائي بين روسيا وإيران يغطّي كل المجالات تقريبًا ويستمر التبادل المكثف لوفود رجال الأعمال»، أكّد أنّه «يجري العمل على عدد من المشاريع المهمّة، بما في ذلك تلك المتعلقة بإنشاء ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب». وكشف أنّ «حجم التبادل التجاري الروسي ـ الإيراني آخذ في الازدياد، حيث وصل في نهاية عام 2022 إلى 4.9 مليارات دولار. ووفقاً للخبراء، فإنّ هذا الرقم لديه القدرة على النمو إلى 40 مليار دولار في المستقبل القريب جداً». ورأى أنّ «انتخاب إيران رئيساً لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة هو إشارة واضحة إلى عدم موافقة الغالبية العالمية على فرض القيم الغربية، الغريبة عن كل فرد على هذا الكوكب».

 

 

روسيا وأوكرانيا
وفي ما يتعلّق بالملف الروسي – الاوكراني، أعلن روداكوف أنّه «خلال العملية العسكرية الخاصة في الاتجاه الأوكراني، تمّ تحرير أراضي جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك الشعبيتين ومنطقتي خيرسون وزابوروجيا بالكامل من النازيين الذين استولوا على السلطة في كييف. هذه المناطق، التي هي في الأصل روسية، والتي تضمّ عددًا كبيرًا من السكان الناطقين باللغة الروسية، عادت إلى روسيا إلى الأبد. واليوم تعود الحياة السلمية الآن الى هناك تدريجيًا». وشدّد على أنّ «روسيا لا تخفي أهداف العملية الخاصة. وهي معروفة للجميع وثابتة منذ شباط 2022». وأوضح أنّ «هذه الأهداف تشمل حماية سيادة روسيا وسلامة أراضيها، وضمان أمن الشعب الروسي، بما في ذلك أراضي أوكرانيا المحرّرة من النازيين الجدد، فضلاً عن نزع السلاح وإزالة النازية من هذا البلد».

وأكّد أنّ «تصرفاتنا في أوكرانيا تتفق تماماً مع أحكام ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القوانين الإنسانية الدولية. ولم تتمّ العملية الخاصة إلّا بعد استنفاد كافة الوسائل السلمية لتحقيق هذه الأهداف». كذلك أكّد أنّه «ليس لدينا أي أجندة خفية في الاتجاه الأوكراني».

ولفت روداكوف إلى «المعايير المزدوجة للغرب التي ظهرت مرة أخرى، في ما يتعلق بالأحداث في غزة، التي على عكس الأزمة الأوكرانية، لم تكتف بالتعبير عنها، بل لم تجد حتى الشجاعة لدعم دعوة واحدة لوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية».

وكشف أنّه «في الواقع، في وقت ما، طرح الصينيون خطة السلام الخاصة بهم للمشكلة الأوكرانية. ولا تزال هذه الأفكار واقعية. وفقاً لتقديراتنا، يمكن أخذها في الاعتبار كأساس لحل الوضع في أوكرانيا. كذلك، خرج عدد من الدول الأخرى، ومنها ممثلو القارة الإفريقية، بمبادرات متوازنة مماثلة. ومع ذلك، فإنّ المشكلة لا تكمن في الافتقار إلى الأفكار البنّاءة. اسمحوا لي أن أذكّركم بأنّ الجانب الأوكراني هو الذي أوقف في نيسان 2022، مفاوضات السلام مع روسيا بناءً على أوامر من واشنطن، ثم قام لاحقًا بتشريع «استحالة» الاتصالات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين».

وقال: «إنّ ما يُسمّى «صيغة السلام» التي يروّج لها النظام الأوكراني حالياً لا علاقة لها بالرغبة في استعادة السلام والأمن. «الصيغة» في محتواها هي عبارة عن مجموعة من الإنذارات الطوباوية، بعيدة كل البعد عن الاستعداد لمناقشة أسباب الصراع».

 

 

الملف اللبناني

وتطرّق السفير الروسي الى الملف اللبناني، مؤكّداً أنّه «خلافاً لمعظم الدول الغربية، تلتزم روسيا التزاماً راسخاً بمبدأ عدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة. وعلاقاتنا مع لبنان ليست استثناءً». وقال: «نحن على اقتناع بأنّ اللبنانيين أنفسهم يجب أن يقرّروا كل القضايا المطروحة على جدول الأعمال الوطني، بما في ذلك الانتخابات الرئاسية، من دون أي تدخّل خارجي. ونحن بدورنا مستعدون للتفاعل البنّاء والمفيد للجانبين مع أي رئيس دولة ينتخبه اللبنانيون. ونأمل أن يحدث هذا في المستقبل القريب جدًا».

وأضاف: «الانتخابات المبكرة لرئيس لبناني وتعيين حكومة مفوّضة من شأنهما أن يضعا الأساس لتحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي في البلاد. وهذا سيهيئ الظروف لمزيد من التطوير التدريجي للعلاقات الودية الروسية ـ اللبنانية».

ولدى سؤاله عن نظرة روسيا للبنان كدولة أساسية في الشرق الأوسط، اعتبر روداكوف أنّ «لبنان بلد غير عادي في نواحٍ عدة. وليس من قبيل المصادفة أنّه حصل في وقت ما على اسم شعري جميل – «لؤلؤة الشرق الأوسط». ولفت الى أنّه «في التاريخ العالمي، في السياسة، في الاقتصاد، وكذلك من وجهة نظر الحكومة، احتلت الأرض اللبنانية دائمًا مكانة خاصة بين دول المنطقة. إنّ الاهتمام الذي تبديه الدول الأجنبية بلبنان يشهد على أهميته في الشؤون الدولية الحديثة».

وأسف لأنّ «أرض الأرز» لا تمرّ الآن بأفضل الأوقات»، آملاً في أن «يساعد الانتخاب المبكر لرئيس الجمهورية في التغلّب على الأزمة المعقّدة التي طال أمدها. ونحن مقتنعون بأنّه يجب اتخاذ الإجراءات اللازمة من دون تأخير، وبلا انتظار استقرار الوضع في منطقة النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي».

ونوّه روداكوف بالعلاقات الروسية- اللبنانية، واصفاً ايّاها بـ«الودّية تقليدياً». وفي هذا السياق، أشار الى أنّ روسيا ولبنان في العام المقبل، يحتفلان في بالذكرى الثمانين لإقامة العلاقات الديبلوماسية بينهما. وفي مناسبة هذا الحدث المهم، نخطّط لعقد سلسلة كاملة من الفعاليات المثيرة للاهتمام في مجال التعاون الثقافي والإنساني بين البلدين. وندعو الجميع الى المشاركة فيها».

وعبّر عن رضاه عن مستوى التفاعل السياسي الروسي ـ اللبناني، مقدّراً «تصويت لبنان المستمر دعماً للقرار الروسي الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة في شأن مكافحة تمجيد النازية. علاوة على ذلك، فإنّ اللبنانيين هم من بين مؤلفي هذه الوثيقة».

أما في السياسة الدولية، فقال روداكوف إنّ «موقف لبنان الرسمي من القضايا الأكثر إلحاحاً هو مبدأ «النأي بالنفس» عن حالات النزاع، والسعي إلى حل المشكلات بالوسائل السياسية والديبلوماسية السلمية. ونحن نشاطر تماماً النهج اللبناني المحب للسلام. كما أننا نعزز مفهوم إنشاء نظام أمني متساوٍ وغير قابل للتجزئة للجميع».

ولدى سؤاله عن النظام العالمي الجديد والتعددية القطبية وطريقة ترجمتها في العسكر والسياسة، أشار السفير الروسي الى أنّ «العالم يواصل التحرك بثقة نحو التعددية القطبية. لقد حدث هذا لأسباب موضوعية طبيعية لفترة طويلة. لقد أصبحت المركزية الغربية شيئاً من التاريخ». وأكّد أنّ «روسيا تدعم هذه العملية، وتدافع بكل حزم عن مبدأ المساواة في السيادة بين الدول، وسيادة القانون الدولي، والحاجة إلى تعزيز السلام والأمن العالميين».

ورأى أنّه «مع ذلك، فإنّ الغرب ليس مستعدًا للتخلّي عن طموحاته الاستعمارية ويحاول الحفاظ على هيمنته العالمية. هذا هو السبب وراء تفاقم ظاهرة الأزمات التي لاحظناها أخيراً في كل أنحاء الكوكب تقريبًا».

وختم: «نحن على اقتناع بأنّه نتيجة للأحداث الجارية في أوكرانيا والنزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، سيتسارع إنشاء بنية جديدة للعلاقات بين الدول».