Beirut weather 12.41 ° C
تاريخ النشر August 31, 2024
A A A
«روتين» تفاوضي بلا عوائد: حرب الاستنزاف تثبّت نفسها
الكاتب: يحيى دبوق

كتب يحيى دبوق في “الأخبار”

ردّت إسرائيل بـ«لا» كبيرة، عملياً، على مساعي الوسطاء لبلورة اقتراحات بخصوص محورَي «نتساريم» و«فيلادلفيا» اللذين تشترط تل أبيب إبقاء سيطرتها العسكرية المباشرة عليهما، في أيّ اتفاق أو صفقة تبادل أسرى بينها وبين حركة «حماس». والردّ الإسرائيلي هذا، زاد من تعقيد الشروط الابتدائية، والتي حالت إلى الآن دون التوصل إلى أيّ اتفاق. وبناءً على طلب من رئيس حكومة العدوّ، بنيامين نتنياهو، صادق المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية على إبقاء الجيش في محور «فيلادلفيا»، كجزء من أيّ صفقة محتملة لتبادل الأسرى، ما يعني، عملياً، عرقلة استباقية لأيّ طروحات جديدة قد يبلورها الوسطاء.ووفقاً للتسريبات الموجّهة ذات الأهداف «التهدوية» على الجبهة الإقليمية، حيث يجري الاشتغال على منع الانزلاق إلى حرب شاملة، ينوي الوسطاء الثلاثة، الولايات المتحدة وقطر ومصر، في «غضون أيام»، وضع مخطّط محدّث يهدف إلى إيجاد حلول لمعضلتَي «فيلادلفيا» و«نتساريم»، ومن ثم العمل على «فرضه فرضاً» على الجانبين، إسرائيل و«حماس»، وذلك في موازاة العمل عبر اللجان الفنية على جسر الهوّة أو ردمها، في ما يتعلق بالخلافات الأخرى التي تعترض بلورة صفقة التبادل.
والاستنتاج الأول من قرار المجلس المصغر هو أنه بات من الصعب التوصل إلى اتفاق، وإن كانت العراقيل غير قليلة أصلاً، وهي ظلّت كذلك طوال الأشهر الماضية، في ظل تمسّك حركة «حماس» أيضاً بشروطها، النقيضة تماماً للشروط الإسرائيلية؛ إذ تطالب الحركة بالانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، وهو ما لا يمكن أن تتراجع عنه، كون التراجع يعني عملياً الاستسلام وإدامة الاحتلال المباشر للقطاع مع «شرعنته» عبر اتفاقات مع الجانب الفلسطيني، المقاوم هذه المرّة. أما إسرائيل، فهي غير قادرة على الانسحاب لأسباب ترتبط بمصالح «الدولة» وفقاً لرؤى ومخطّطات قد تتجاوز غزة، وكذلك وفقاً لمصالح شخصية لدى من يملك القرار السياسي في تل أبيب.
ولذا، تراهن إسرائيل على إمكان أن تليّن «حماس» شرطها المتمثّل في الانسحاب من محور «فيلادلفيا»، كما فعلت بشرطها السابق الداعي إلى الإعلان عن إنهاء الحرب ضمن المرحلة الأولى من الصفقة، فيما الطرف الآخر الموجَّه إليه قرار إبقاء السيطرة المباشرة على المحور هو الجانب المصري الذي يرى في تغيير «ستاتيكو» ما قبل قبل الحرب، في الحدّ الجنوبي لقطاع غزة، تعارضاً مع المصالح المصرية، إذ إنه يُبعد القاهرة عن نفوذها التقليدي في القطاع، والذي يُعدّ بدوره مصلحة استراتيجية أولى. من هنا، تعاملت مصر مع هذه القضية في الفترة الأخيرة ليس بوصفها طرفاً وسيطاً بين المتحاربين، بل بكونها طرفاً مباشراً، يخوض نزاعه الخاص مع إسرائيل.
تل أبيب تعرقل استباقياً أيّ طروحات جديدة قد يبلورها الوسطاء

وبالعودة إلى قرار المجلس المصغر، تُطرح عدة تساؤلات؛ من بينها: هل ساهم تراجع التصعيد الإقليمي في الأيام الأخيرة، في دفع إسرائيل إلى قرار كهذا؟ وهل التجاذبات الداخلية، المترافقة مع ضغوط غير سهلة على رأس الهرم السياسي، وتحديداً من المؤسسة الأمنية، ساهمت أيضاً في الدفع نحوه؟ أم هل يكمن السبب في اقتراب موعد الانتخابات الأميركية مع ما تبديه الإدارة من ضعف أمام مواقف إسرائيل وتعنّتها ومكابرتها؟ أم أن العوامل كلّها اجتمعت لتمكّن تل أبيب من خطواتها؟
المؤكّد إلى الآن أن جميع الأطراف عالقة في مواجهة مستمرّة تتّسم بالاستنزاف المتواصل من دون آفاق أو نقطة نهاية منظورة. وهو استنزاف لا يتعلّق بطرف دون آخر؛ إذ إن تهجير سكّان الجليل والجولان وتفاقم أوضاعهم، وكذلك اقتراب الضفة الغربية من نقطة الغليان، فضلاً عن احتمالات المواجهة الإقليمية التي لا تنتفي، والخسائر البشرية والمادية المتواصلة، هي كلّها أجزاء من الصورة الاستراتيجية الكبرى، التي يجدر أن تكون حاضرة أيضاً لدى دراسة الموقف الإسرائيلي الذي يستبطن مكابرة واضحة، وإن كانت تل أبيب تسعى إلى تظهير نفسها على أنها الطرف صاحب اليد العليا والجهة التي تملي الشروط.
وعليه، فالصورة الاستراتيجية لا تتغيّر، على رغم كل جولات التفاوض التي يديرها الوسطاء مع أنفسهم، ومع الجانب الإسرائيلي، والتي لا تتوصّل إلى أيّ جديد يذكر يمكن عرضه على حركة «حماس». إذ تبدو المفاوضات وقد تحولت إلى روتين، فيما أهدافها النهائية هي الإبقاء على المسار التفاوضي، وإن كان الوسطاء يدركون مسبقاً صعوبة التوصل إلى نتائج إيجابية، في المدى الفوري المنظور.