منذ تكليف الرئيس الأسبق للحكومة نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة الجديدة حتى يوم أمس الخميس، التقى برئيس الجمهورية العماد ميشال عون ثلاث مرّات. وعرض ميقاتي على عون تصوّراً حكومياً من 24 وزيراً تضمّن توزيع الحقائب فقط، عمّا كان الحال عليه مع الرئيس المكلّف السلف سعد الحريري. فاقتراح ميقاتي أبقى على وزارة المال بيد الشيعة، وتحديداً من حصّة «حركة أمل»، وأعطى وزارتي الدفاع الوطني والخارجية والمغتربين للمسيحيين، وأسند وزارتي الداخلية والبلديات والعدل الى الطائفة السنيّة. وقد شكّلت «الداخلية» عقدة أمام تشكيل الحريري للحكومة، لعدم التوافق على مبادلتها بالخارجية أو الدفاع مع الطائفة السنيّة، أو لإبقائها بيدها على أن يقوم الرئيس عون بتسمية الوزير الذي سيتولّى هذه الحقيبة. فإذا ما جرى تجاوز هذه العقدة بتسوية ما، كون الرئيس عون لن يعطي لميقاتي ما لم يعطه للحريري، فهل ستُشكّل مسألة التوافق على أسماء الوزراء عقدة ثانية، سيما وأنّ التشكيل يدخل عندها في عقدة «الثلث المعطّل» أو الضامن، أم سيتمكّن الرجلان من تجاوزها أيضاً فيتوصّلان الى تأليف الحكومة، وإن كانت بعض الدول العربية لا سيما السعودية منها لا تؤيّد ترؤّس ميقاتي أو اي سنّي آخر غير موالٍ لها للحكومة المقبلة؟!
حتى الآن، وبعد ثلاث لقاءات بين عون وميقاتي، بعد التكليف، على ما أكّدت مصادر سياسية مطّلعة، تستمرّ الرغبة من قبل الرجلين بالتعاون لتسهيل تأليف الحكومة سريعاً. فملاحظات الرئيس عون على تصوّر ميقاتي تلقّاها هذا الأخير بإيجابية، وكانت أفكاره «موضع قبول» من قبل رئيس الجمهورية، غير أنّه لم يتمّ التوافق بعد على توزيع الحقائب السيادية وغير السيادية على الطوائف والأحزاب السياسية والكتل النيابية. علماً بأنّ العقدة فيما بينها تبقى وزارة الداخلية والبلديات التي يُطالب بها الرئيس عون منذ زمن، ويُصرّ ميقاتي وقبله الحريري على بقائها بيدّ السنّة. فـ «الداخلية» تُعتبر الأهمّ بين الوزارات في المرحلة المقبلة كونها ستُدير وتُواكب الإنتخابات النيابية التي تُطالب دول الخارج أن تجري في موعدها أي في الربيع المقبل، ولهذا نشهد عملية شدّ الحبال على من سيفوز بها.
وفيما يتعلّق بالاسماء الوزارية، فترى المصادر، بأنّ الأمر لا يزال مُبكراً للبتّ بها، لانّه لا بدّ من حلّ عقدة «الداخلية» أولاً، وإيجاد التسوية المناسبة لها من خلال بعض الطروحات السابقة أو المستحدثة من قبل ميقاتي. وعندها سيدور النقاش حول «الثلث المعطّل» الذي هو من نصيب الرئيس عون وفريقه السياسي كونه الأكثر تمثيلاً في البرلمان. ولا يُمكن منذ الآن التكهن كيف ستكون وجهات النظر حوله، مع العلم بأنّ ميقاتي كسلفه لا يريد أي «ثلث معطّل» في حكومته الثالثة، والثالثة قد تكون ثابتة.
وتجد المصادر بأنّه إذا كان ميقاتي حاصل على الضمانات الدولية، لا سيما الأميركية والفرنسية منها، الا أنّه، على غرار الحريري لا يحظى بالدعم السعودي على تشكيل الحكومة الجديدة للبنان، وإن كان ليس من «فيتو» سعودي على ترؤسه الحكومة المقبلة. وهذا الأمر يُشكّل عنصراً إضافياً قد يلعب دوراً في عرقلة ولادة الحكومة، سيما وأنّ الدور العربي مؤثّر في عملية التشكيل خصوصاً الدور الخليجي. ولا تدري إذا ما كان هذا الأمر من شأنه تعطيل السعي الداخلي لتأليف الحكومة وإن توافق عون وميقاتي.
وبغضّ النظر عن الخوض في التفاصيل التي تكمن فيها الشياطين، تقول المصادر عينها بأنّه من مصلحة الرئيس عون الإسراع في تشكيل الحكومة الجديدة بهدف إنقاذ ما تبقّى من عهده. فالإرتياح الداخلي والخارجي لتشكيل الحكومة من شأنه أن ينعكس على تحسّن القيمة الشرائية لليرة اللبنانية وانخفاض سعر صرف الدولار الأميركي في السوق السوداء. وعلى الحكومة بعد ذلك، السعي من أجل تثبيت سعر الصرف وعدم الإفساح في المجال له ليُعاود التحليق في السوق السوداء، ما قد يعيد الوضع الإقتصادي الى نوع من الإستقرار، سيما إذا ما ترافق مع بعض الإصلاحات الأخرى المطلوبة. فيما عدم توافق عون- ميقاتي على الحقائب والأسماء، على ما حصل مع الحريري، سيوحي بأنّ رئاسة الجمهورية هي من كانت المسؤولة عن عدم تشكيل الحريري للحكومة طوال الاشهر الماضية، وإن كان هذا الأمر غير صحيح كون ما يتمسّك به ميقاتي هو نفسه ما طالب به الحريري، أي أنّ المطالب السنيّة بقيت نفسها وإن تغيّر الشخص.
والمطلوب من الحكومة الجديدة، على ما عقّبت المصادر نفسها، ليس حلّ المشاكل بعصا سحرية، التي أعلن ميقاتي منذ يوم تكليفه أنّه لا يملكها، إنّما تنفيذ خطّة إقتصادية واضحة أو برنامج محدّد يُفرمل الإنهيار الحاصل الذي يؤدّي الى ارتفاع أسعار السلع الغذائية والحاجيات الضرورية بشكل يومي. هذه الأسعار التي تبقى على حالها ولا تنخفض حتى مع تراجع سعر صرف الدولار الأميركي. فالحدّ من الإنهيار هو ما على الحكومة فعله قبل الإرتطام القوي المتوقّع خلال الأشهر المقبلة، في حال بقي الوضع على حاله من دون ولادة الحكومة المنتظرة.
كذلك فإنّ البطاقة التمويلية التي يُمنّي الشعب نفسه بالحصول عليها، لا بدّ من أن تقوم الحكومة الجديدة بضبطها لكي لا تُصبح «بطاقة إنتخابية» لا تُعطى سوى للمحاسيب والمناصرين، فيما قامت حكومة حسّان دياب المستقيلة بهذه الخطوة لمساعدة العائلات المحتاجة من الشعب اللبناني والتي زادت نسبتها بشكل كبير مع التدهور الإقتصادي المستمرّ. فالعائلات الأكثر فقراً باتت معدومة، والعائلات المتوسّطة الدخل تحوّلت تدريجاً الى فقيرة، الأمر الذي جعل غالبية الشعب اللبناني محتاجاً ومعوزاً. وهذا يُحتّم اتخاذ الحكومة قرارات سريعة لتعويم الشعب اللبناني عبر إيجاد حلّ لمشكلة رواتب الموظّفين التي لا تزال تُدفع على دولار الألف وخمسمئة ليرة فيما وصل سعر الدولار في السوق السوداء الى العشرين ألفاً.
من هنا، إذا ما تمّكن ميقاتي من تشكيل الحكومة وحلّ جميع العقد التي لا تزال على حالها، وإن كانت الإيجابية تسود مسار التأليف، على ما ذكرت المصادر نفسها، فلا يُمكنها القيام بالإصلاحات من دون الدعم الخارجي لها، ومواصلة مساعدة المجتمع الدولي لها، لكي تتمكّن خلال الأشهر المقبلة من إعادة تحسين الوضع الإقتصادي رويداً رويداً. ويُتيح هذا الأمر وضع الأسس أمام حكومة ما بعد الإنتخابات لإعادة الوضع الإقتصادي في لبنان، على ما كان عليه قبل انتفاضة 17 تشرين الأول 2019، وعودة الإزدهار لربوع الوطن.
ولهذا تأمل فرنسا، على ما تقول، أن يتمكّن المسؤولون اللبنانيون من تشكيل الحكومة سريعاً خلال الايام المقبلة أي قبل الرابع من آب المقبل، لكي يتمكّن المجتمع الدولي من بناء شراكة فعلية مع حكومة لبنان الفعلية ويوليها الثقة من جديد، ويُواصل دعمها وتقديم المساعدات لها لا سيما أموال وقروض مؤتمر «سيدر» التي تبلغ نحو 11 مليار دولار والتي من شأنها وضع الإصلاحات على السكّة الصحيحة.