Beirut weather 17.43 ° C
تاريخ النشر December 18, 2025
A A A
رسالة باريس إلى بيروت: لا استقرار بلا جيش قوي
الكاتب: صلاح سلام

كتب صلاح سلام في “اللواء”:

نجح الجيش اللبناني في توجيه ردّ عملي وموثوق على حملة الافتراءات الإسرائيلية التي استهدفت دوره ومعنويات قيادته وضباطه وجنوده، عبر الزعم بعدم قيامه بمهامه جنوب نهر الليطاني. فجاءت الجولة الميدانية التي نظمها للديبلوماسيين والملحقين العسكريين لتشكّل شهادة حيّة على أداء المؤسسة العسكرية، كاشفة زيف الادعاءات الإسرائيلية أمام سفراء وممثلي أكثر من خمسين دولة، ومؤكدة أن الجيش يقوم بواجباته ضمن الإمكانات المتاحة له، وبما ينسجم مع القرار 1701 والتزامات الدولة اللبنانية.

في هذا السياق، يكتسب اجتماع باريس اليوم أهمية سياسية وأمنية خاصة، إذ يشكّل محطة دعم واضحة للجيش اللبناني، ورسالة دولية مباشرة مفادها أن استقرار لبنان يبدأ من تمكين مؤسسته العسكرية. كما يساهم هذا الاجتماع في تسريع الخطوات التحضيرية لانعقاد مؤتمر دولي لتقديم المساعدات اللازمة للجيش، برعاية مشتركة من المملكة العربية السعودية وفرنسا، ما يعكس تقاطعاً عربياً ــ دولياً على أولوية دعم الجيش كضامن وحيد للشرعية والاستقرار.

الدور المنتظر من الجيش اللبناني في المرحلة المقبلة يتجاوز الجنوب ليشمل مختلف المناطق اللبنانية، في ظل هشاشة داخلية وتحديات أمنية متشابكة. فالجيش هو صمَّام الأمان الوطني، والمؤسسة الجامعة الوحيدة القادرة على منع الانزلاق إلى الفوضى، وضبط الحدود، وحماية السلم الأهلي، ومنع استثمار الساحة اللبنانية في صراعات إقليمية مفتوحة. غير أن هذا الدور لا يمكن أن يُطلب من دون توفير مقومات النجاح.

فالمؤسسة العسكرية تعاني منذ سنوات من نقص حاد في التجهيزات والقدرات التقنية، سواء على مستوى المراقبة والاستطلاع، أو في ما يتصل بالتحرك والانتشار والدعم اللوجستي. وإذا كانت الدولة اللبنانية قد التزمت مبدأ حصرية السلاح شمال الليطاني، فإن ترجمة هذا الالتزام عملياً تفرض جيشاً مجهزاً بأسلحة دفاعية حديثة، ومدعوماً سياسياً ومالياً، وقادراً على تنفيذ مهامه بحزم ومسؤولية، بعيداً عن أي مغامرات أو صدامات غير محسوبة.

من هنا، فإن دعم الجيش اللبناني لم يعد خياراً سياسياً قابلاً للأخذ والرد، بل بات ضرورة وطنية ملحّة، ومصلحة دولية في آن واحد. فالرسالة التي خرجت من باريس واضحة: لا استقرار في لبنان من دون جيش قوي، ولا سيادة من دون مؤسسة عسكرية قادرة، ولا إنقاذ للدولة من دون الاستثمار الجدي في من يحميها. والرهان على الجيش يبقى الرهان الأخير المتبقي على قيام الدولة واستعادة ثقة اللبنانيين والعالم بها.