Beirut weather 28.41 ° C
تاريخ النشر June 10, 2025
A A A
رسائل إسرائيلية إلى لبنان بحِبرٍ أميركي!
الكاتب: غسان ريفي

كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”

سقطت كل إدعاءات العدو الاسرائيلي حول وجود السلاح أو مراكز لتصنيع المسيرات عائدة لحزب الله في المباني التي إستهدفها في الضاحية الجنوبية لبيروت عشية عيد الأضحى المبارك، مع تأكيد الجيش اللبناني قبل تنفيذ الغارات التدميرية وبعدها خلو تلك المباني من الأسلحة والمتفجرات، كما جاء التكذيب من الصواريخ التي أطلقها العدو وإنفجرت ودمرت، حيث لم يكن لها أية إنفجارات إرتدادية ما يؤكد أن العدو إستهدف أبنية سكنية مدنية لتوجيه الرسائل السياسية إلى الدولة اللبنانية، بحبر أميركي واضح.

تُستأنف اليوم الحركة السياسية في البلاد بعد عطلة العيد سواء على صعيد الاتصالات الدبلوماسية التي يُفترض أن تنشط مع عواصم القرار للضغط على إسرائيل والحد من إعتداءاتها، خصوصا بعدما إختلقت الذرائع لنفسها كالعادة لتدمير تسع مبان بشكل كامل في الضاحية الجنوبية ضاربة إتفاق وقف إطلاق النار بعرض الحائط، أو على صعيد إستقبال الموفدين حيث سيصل اليوم المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان الذي يبدو أن مهمته تنحصر ببعض الشؤون الداخلية المتعلقة باعادة الإعمار ومؤتمر الدول المانحة، إضافة إلى متابعة ملف الإصلاحات والتطرق إلى موضوع اليونيفل.

أما على الصعيد الأميركي، فيبدو أن ثمة حلقة مفرغة تجاه التعاطي مع لبنان، حيث لم يصر إلى تعيين خلف للمبعوثة مورغان أورتاغوس التي ما تزال زيارتها إلى بيروت هي أو خلفها المجهول الهوية في علم الغيب، فيما التساؤلات تطرح حول إمكانية قيام السفير توم براك بزيارة لبنان منتصف الشهر الحالي أو تأجيلها، فيما السفيرة الأميركية في لبنان ليزا جونسون شبه غائبة عن السمع كونها تستعد للمغادرة من دون أن يُكشف عمن سيخلفها بشكل رسمي.

هذا الفراغ في السياسة الأميركية سواء عن قصد أو نتيجة الاهتمام بسوريا على حساب لبنان، يفسح المجال أمام إسرائيل لممارسة المزيد من الغطرسة والعربدة من أجل الضغط على الدولة اللبنانية ودفعها إلى الاصطدام بالمقاومة وبيئتها، وفي الوقت نفسه تنغيص الحياة اليومية للبيئة وتأليبها على المقاومة بضربها وتدمير منازلها وتهجيرها في الأعياد حيث لم تتوان عن إستهداف الضاحية في ليلة عيد الفطر الماضي، وهي أعادت الكرة في عيد الأضحى.

ولا شك في أن “الميني حرب” التي شنها العدو الاسرائيلي جاءت بمثابة “تنفيسة” لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو المحاصر بالأزمة السياسية في الداخل الصهيوني والمهدد برأسه من قبل المعارضة، والمكبل أميركيا تجاه إيران والعراق واليمن وسوريا، والمتخبط في مستنقع غزة، حيث لم يعد أمامه سوى صندوق بريد بيروت لتوجيه الرسائل للرئيس دونالد ترامب، وهذا ما عبر عنه وأصاب فيه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون.

ويبدو أن الادارة الأميركية التي لم تحرك ساكنا تجاه إبلاغها بشن هذا العدوان على الضاحية تريد بدورها أن تستفيد من الرسائل الاسرائيلية إلى الدولة اللبنانية لعدم قيامها بخطوات عملية تجاه سحب سلاح حزب الله، والاستمرار بالدعوة إلى الحوار الداخلي حول هذا الملف، فضلا عن توحيد الموقف من قبل الرؤساء الثلاثة حيال هذا الموضوع بعد اللقاء الايجابي في السراي الحكومي بين الرئيس نواف سلام ووفد كتلة الوفاء للمقاومة.

الموقف الأميركي يشير بوضوح إلى أن إدارة ترامب لا تقيم وزناً ولا تهتم لأية توترات أمنية أو فتنة داخلية أو حتى حرب أهلية قد يتسبب بها ملف السلاح في حال تم الاصرار على سحبه من دون إنسحاب إسرائيلي كامل ووقف الاعتداءات ومن دون إدخاله ضمن إستراتيجية دفاعية تساهم في تعزيز الأمن الوطني.

ولا شك في أن رئيس الجمهورية يدرك ذلك، ولا يريد أن ينطلق عهده بتوترات أمنية قد تقود إلى ما لا يحمد عقباه، في حين كان الأولى بالأميركي أن يفي بوعوده وبالتزاماته بعد دعمه وصول العماد جوزاف عون إلى قصر بعبدا، وذلك بفرض إنسحاب إسرائيل بعد مهلة الستين يوما من وقف إطلاق النار في ٢٧ تشرين الثاني ٢٠٢٤، ومن ثم بعد المهلة الممدة في ١٨ شباط الفائت، لكنه تجاهل هذا الأمر وأحرج رئيس البلاد كثيرا، واضعا إياه أمام خيارين فإما العدوان الاسرائيلي المستمر والمتصاعد، أو الفتنة الداخلية!..