Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر November 27, 2020
A A A
رحل مارادونا ولا يزال الجدل قائماً على لقب الأعظم في تاريخ كرة القدم!
الكاتب: الشرق الأوسط

ما زال الشعب الأرجنتيني يعيش تحت صدمة وفاة بطلهم الأسطوري دييغو مارادونا الذي فتح القصر الرئاسي بالعاصمة بوينس آيرس ليستقبل جثمانه، حيث سيسجى ليوم واحد حتى يتمكن أبناء بلده من إلقاء النظرة الأخيرة على أحد أعظم اللاعبين في كرة القدم وأكثرهم إثارة للجدل.

وكان مارادونا فارق الحياة مساء أول من أمس عن 60 عاما ليغرق العالم بأسره في حزن عميق على أسطورة خالدة ترعرع الكثيرون على مشاهدتها.

وأعلن الرئيس الأرجنتيني ألبرتو فرنانديس فورا الحداد لمدة 3 أيام، قبل أن يعلن أن الجثمان سيسجى في القصر الرئاسي ليوم واحد بدلا من 3 نزولا عند رغبة العائلة. وكانت زوجته السابقة كلاوديا فيافانيي وابنتاهما دالما وجانينيا، وصلتا إلى القصر الرئاسي أمس، إضافة إلى الكثير من اللاعبين الحاليين والسابقين لا سيما زملاؤه الذين رفعوا معه كأس العالم في المكسيك عام 1986.

وكانت الجماهير قد بدأت بالوقوف في صفوف طويلة خارج القصر الرئاسي «كاسا روسادا» لإلقاء التحية الأخيرة على الأسطورة. وكانت الحالة الصحية للاعب رقم 10 حذرة في الأيام المنصرمة بعد أن خضع مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) لجراحة لإزالة ورم دماغي، وكان يتعافى في منزله في ضواحي العاصمة بوينس آيرس، وبمجرد أن ذاع خبر وفاته انفجرت العاصمة الأرجنتينية في الهتافات والأبواق وصافرات الإنذار، وأضيئت الأنوار للرجل الذي جلب لهم أفضل لحظات السعادة بالتتويج بكأس العالم 1986، ومن أجل «التصفيق الأخير» لبطل يروه أنه الأفضل في تاريخ كرة القدم.

في ملعب دييغو مارادونا، موطن نادي أرجنتينوس جونيورز، حيث لعب مارادونا عندما كان طفلا، وظهر لأول مرة كلاعب محترف، أطلقت الألعاب النارية مع تدفق الحشود إلى الملعب وهي تصرخ باكية «مارادوو، مارادوو»، ولم يكن ذلك محصورا في ذلك الملعب أو العاصمة بوينس آيرس فقد امتدت الحشود الحزينة إلى كافة المدن الأرجنتينية، بل وعبرت الحدود حيث عاشت نابولي ليلة كئيبة حزنا على النجم الذي جلب لفريق المدينة الإيطالية أفضل إنجازاتها في تاريخ اللعبة.

وطالب مسؤولو نادي نابولي بإطلاق اسم مارادونا على ملعب سان باولو، معقل الفريق الجنوبي تكريما له على إنجازاته الخالدة مع الفريق.

وربما لا يوجد بلد بعد الأرجنتين يشعر بالحزن على وفاة مارادونا مثل إيطاليا التي جلب لبطولتها شهرة واسعة في فترة الثمانينات إلى بداية التسعينات. وكتب جين نوكي الفنان الساخر ومقدم البرامج التلفزيونية في إيطاليا وهو لاعب كرة القدم سابقا في صحيفة «لا غازيتا ديللو سبورت»: «مات الأسطورة الذي كان يراوغ الجميع بالفعل هنا»، وأرفقت ذلك بأول 19

صفحة من نسختها الصادرة إلى النجم السابق لنابولي الذي قاد الفريق للفوز بلقبيه الوحيدين في الدوري الإيطالي في عامي 1987و1990، إضافة لكأس الاتحاد الأوروبي. أمام بقية الصحف فاحتفت بمارادونا بكلمات مثل «الأسطورة»، و«الخالد»، في الوقت الذي أرفق فيه البعض رقم 10 (رقم قميص مارادونا) مع كلمات الوداع باللغة الإسبانية. وجاء العنوان الرئيسي لصحيفة «إل ماتينو» الصادرة في نابولي «جراتسي» (شكرا لك) لملك كرة القدم مصحوبة بصورة مارادونا وهو شاب خلال الأعوام الـ7 التي قضاها مع نابولي.

لكن رغم رحيل النجم الأرجنتيني عادت الصحف الإيطالية لإحياء الجدل حول كونه هو أو الأسطورة البرازيلي بيليه، الأفضل على مر التاريخ.

لقد وضعت كرة القدم البرازيلي بيليه في مصاف العظماء، لكنه أمام مارادونا دخل في تنافس على لقب «الأعظم في التاريخ» لم يستطع أحد حسمه، وربما لن يتوقف الناس عن فرض المقارنة إلى الأزل.

وعلى الرغم من أن اللعبة الشعبية الأولى أنتجت في تاريخها الحديث مواهب فذة قادرة على المنافسة على لقب «الأعظم» لا سيما الأرجنتيني ليونيل ميسي والبرتغالي كريستيانو رونالدو، لكنّ هذين اللاعبين لم يتمكنا حتى الآن من مجاراة بيليه ومارادونا في معيار أساسي هو رفع ذهب كأس العالم. وإلى أن يتبدل ذلك، سيبقى اسما بيليه ومارادونا في فئة مختلفة في عالم اللعبة الشعبية الأولى. وفيما يأتي 4 أوجه أساسية للمقارنة بينهما:

شارك بيليه في 4 نهائيات لكأس العالم بين 1958 و1970، ولا يزال حتى الآن اللاعب الوحيد الذي توّج باللقب 3 مرات (1958، 1962 حين غاب عن غالبية المباريات بعد تعرضه لإصابة مبكرة، و1970).

أتى التتويج الأول في السويد وبيليه كان لم يزل في الـ 17 من العمر، وحقق يومها إنجازا تاريخيا حين أصبح أول مراهق يسجل في مباراة نهائية لكأس العالم، وبقي منفردا بذلك إلى نهائي مونديال روسيا 2018 حين انضم إليه الفرنسي كيليان مبابي.

سجل البرازيلي 6 أهداف في موندياله الأول، منها اثنان في النهائي وهاتريك في نصف النهائي. وبعد 4 أعوام، رفع الكأس مجددا رغم مساهمته المحدودة بعد إصابته في المباراة الثانية من النهائيات. وبعد الخروج المخيب من مونديال إنجلترا 1966 عاد بيليه بقوة في المكسيك 1970 وقاد بلاده للقب ثالث.

أما مارادونا الذي ولد في عام 1960 (أي يصغر بيليه بعشرين عاما)، فغاب عن التشكيلة الأرجنتينية التي رفعت كأس العالم للمرة الأولى في تاريخها في مونديال 1978 على أرضها. حضر في مونديال إسبانيا 1982، لكنه تلقى بطاقة حمراء في الخسارة أمام البرازيل 1 – 3 في الدور الثاني (المرحلة الأخيرة قبل نصف النهائي بحسب نظام البطولة يومها).

طبع مارادونا مونديال المكسيك 1986 باسمه دون منازع لأسباب مختلفة، أبرزها قيادته الأرجنتين إلى لقبها العالمي الثاني بعد مباريات قدم فيها لمحات لا تمحى من ذاكرة مشجعي اللعبة. لعل المباراة الأبرز التي ستبقى عالقة في الأذهان، لقاء ربع النهائي أمام منتخب إنجليزي كان يضم في صفوفه يومها هداف المونديال غاري لينيكر. في 22 يونيو (حزيران) 1986، منح مارادونا منتخب بلاده الفوز 2 – 1 بهدفين خالدين، الأول في الدقيقة 51 بلمسة يد واضحة لم يحتسبها الحكم، ووصفها اللاعب الأرجنتيني بعد ذلك بأنها كانت «يد الرب»، والثاني في الدقيقة 55 إثر مجهود فردي مذهل من منتصف الملعب تخطى خلاله أكثر من لاعب إنجليزي والحارس بيتر شيلتون، قبل أن يودع الكرة في المرمى مسجلا هدفا يعتبره الكثير من النقاد الأجمل في التاريخ الحديث للعبة.

وعاد وسجل هدفي الفوز على بلجيكا في نصف النهائي (2 – صفر). ورغم أنه صام عن التهديف في النهائي ضد ألمانيا الغربية (3 – 2)، منح التمريرة الحاسمة لهدف الفوز الذي سجله خورخي بوروتشاغا في الدقيقة 84. وارتدى اللاعبان القميص الرقم 10 الذي يحمل رمزية كبيرة في فرق كرة القدم: بيليه بين 1956 و1977، ومارادونا بين 1976 و1997.

غالبا ما نظر إلى دور بيليه في الملعب كـ «الرقم 9 ونصف»، مع غزارة تهديفية وصلت إلى 1281 هدفا في 1363 مباراة (بحسب إحصاءات الاتحاد الدولي للعبة)، تتوزع بين فريقين دافع عن ألوانهما، أي سانتوس البرازيلي ونيويورك كوزموس الأميركي، ومنتخب البرازيل الذي خاض معه 92 مباراة، ولا يزال هدافه التاريخي مع 77 هدفا.

أما مارادونا فكان ينظر إليه أكثر كصانع ألعاب حر يختال بين المدافعين كما يشاء، وهو سجل خلال مسيرته 345 هدفا في 692 مباراة. وما يحسب لمارادونا أنه كان يلعب في منتخب الأرجنتين بجوار أنصاف نجوم، بينما بيليه حصد إنجازاته في فريق متخم بالمواهب العظيمة.

عرف بيليه ناديين فقط خلال مسيرته الطويلة، سانتوس بين (1956 – 1974)، وكوزموس (1975 – 1977). وكان ينظر إليه دائما كبطل ملتزم، وقدوة في عالم اللعبة. أما مارادونا، ابن بلاد أنجبت تشي غيفارا، فكان الطفل المشاغب على المستطيل الأخضر وخارجه، تنقل بين 6 أندية، نال بطاقة حمراء في مونديال 1982، طرد من المنتخب خلال مونديال الولايات المتحدة 1994 بعد فشله في فحص منشطات، وعانى من إدمان تعاطي الكوكايين.

ورغم ما يتردد عن خلافات بينهم إلا أن بيليه، 80 عاما، كان من أول المعزين وكتب فور سماعه خبر وفاة مارادونا: «يا له من خبر حزين. خسرت صديقا عظيما والعالم خسر أسطورة. ذات يوم، آمل أن نلعب كرة القدم سويا في السماء».

جانب من الندية بين اللاعبين يعود إلى انتمائهما الأميركي الجنوبي، والصراع على الموقع بين البرازيل والأرجنتين. لم تكن العلاقة بينهما في أفضل أحوالها، وزاد الطين بلة فيها تصريحات وتصرفات من الطرفين، وأيضا من مشجعي كل منهما، وحين قرر فيفا منح بيليه جائزة لاعب القرن هاجت الدنيا، فعاد الاتحاد الدولي لفتح باب الاقتراع أمام الجماهير للاختيار وكان الحسم لصالح مارادونا.

تميز مارادونا دوما بشخصية حادة وآراء صادمة خلافا للأسطورة البرازيلية بيليه الدبلوماسي، لذا كان الأرجنتيني يتهم البرازيلي بأنه دائما ما يتملق رجال الفيفا والإعلام من أجل مصالح شخصية وقال: «أنا أعرف أقول ما هو الأسود أو الأبيض، ولن أكون رماديا في حياتي».

لكن بيليه المكرّم بمتحف يحمل اسمه في البرازيل، سبق له أن اعتبر أن مارادونا لا يشكل مثالا يحتذى به للأطفال العاشقين للعبة، لا سيما على خلفية مشاكله الدائمة مع المخدرات، في المقابل، سخر بشكل علني من السقوط المذل للبرازيل على أرضها في نصف نهائي مونديال 2014 بنتيجة 1 – 7 أمام ألمانيا.

لكن مارادونا عاش حياة صاخبة خارج الملاعب، أكد مرارا أن أصعب منافسة خاضها منذ احترافه هي التوقف عن المخدرات، علما بأنه أنفق الكثير من المال للتخلص من هذه الآفة.

وكانت لمارادونا مواجهة دائما مع الصحافيين والإعلاميين إلى حد أنه شبه حاله عندما كان يواجه ضغطا من هؤلاء بالحال التي كانت عليها الليدي ديانا أميرة ويلز التي ماتت في حادث، ورأى أن «الصحافيين تخطوا حدودهم معهم». لكن رغم سقطات مارادونا خارج الملعب، فإن الجماهير تسامحت معه لأنه هو الساحر الذي جلب لهم سعادة الفرجة على كرة القدم.