Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر January 23, 2017
A A A
رحلة الهوية المكسورة … من الحسكة إلى دمشق!
الكاتب: سبوتنيك

في بحثهم عن المختار أضاعوا بعضهم البعض وأضاعوا المختار. لم يمض على وجودهم في دمشق أكثر من شهرين حتى بدأت الحرب، وبالنسبة لهم قد أخذت شكلاً آخر، فقد انكسرت هوية الزوجة وهنا أصبحوا ضحايا الروتين والبيروقراطية من بعد أن كانوا ضحايا الإرهاب في منطقتهم التي أتوا منها.
الهوية المكسورة.. كان هذا ما سبب مجيء المرأة القادمة من الحسكة لتصلحه في دائرة النفوس المدنية، والتي هربت مع زوجها المصاب وولدها بعد أن فقدت طفلتها الرضيعة في مشفى الأطفال في الحسكة بسبب تفجيره من قبل المسلحين هناك.
وفي زحام المدينة الذي لا يرحم أحدا أضاعت “إلهام” زوجها وولدها وهي تحمل، إخراج قيد، وطلباً خطه لها أحد العاملين الذين يجلسون خلف الطاولات الصغيرة لتقدمه فيما بعد للحصول على هوية جديدة.
بكت هذه المرأة بحرقة قلب ولم يكترث لها أحد، إلى أن لمحتها فتاة في الثلاثينيات من عمرها، توقفت هذه الفتاة عندما رأت ملابس المرأة الرثة وحذاءها المتهالك وسألتها عن سبب بكائها فتجيب هذه الفقيرة بأنها أضاعت زوجها وأنهم من محافظة الحسكة، وقد وصلوا دمشق لإنجاز بعض الأوراق لإصلاح هويتها المكسورة.
وبطريقة خاطفة تسأل الفتاة، هذه المرأة المتعبة: هل زوجك مسلح؟
فأجابتها هذه الفقيرة وهي مملوءة بالثقة: لا ليس مسلحا، زوجي مغوار في الجيش السوري، ولكنه أصيب ولم يعد قادراً على الحرب فتمّ تسريحه.
تنظر هذه الفتاة إلى الأوراق في يد المرأة وتعطيها بعض المال لتساعد نفسها في إنجاز معاملتها وتلتزم معها في البحث عن زوجها واستكمال الأوراق حرصاً على إنجاز المعاملة بأسرع وقت.
كانت الساعة تشير إلى الثانية والربع ظهراً، وبدأ البحث عن المختار ليضع الأختام على الأوراق وكانت مهمة البحث شاقة، بسبب نهاية الدوام الرسمي، ولكن عثروا على المختار والذي كان لا يزال على رأس عمله وكالعادة الأوراق ينقصها طوابع وأختام. وعليهم أن يعودوا في اليوم التالي، ولكن أين الزوج والولد؟
عادت المرأة باكية وهي تسير في الشارع إلى أن لمحت زوجها وولدها فصرخوا لبعضهم البعض وركضوا إلى أن توقفوا وبدأوا بتبادل الاتهامات العائلية عن سبب ضياعهم.
عن حياتهم السابقة تكلم الزوج “إحسان سليم الشيخ” قائلاً:
لقد كنت حداداً أعمل والمال الذي أحصل عليه كان يكفي أسرتي، ولكن لم أتمكن من متابعة العمل بعد دخول المنطقة بالحرب وخسارتنا لكل ما نملك هناك بسبب قيام المسلحين بسرقة كل الآلات التي أعمل بها، تطوعت مباشرة بالجيش لأكون فاعلاً في الدفاع عن أرضي، ومنذ خمسة أشهر أصبت في يدي وكتفي ولم أعد قادراً على حمل السلاح فتمّ تسريحي من الجيش.
منذ شهرين نجحنا بالانتقال إلى دمشق على متن طائرة دون أن نتكلف أية مبالغ مادية بفضل تعاون الجيش معنا في مطار دير الزور، وهنا عملنا في أرض زراعية في مدينة صحنايا عند أحد الأهالي الذي قدم لنا سكناً مؤقتاً ريثما نتدبر أمورنا في مكان آخر، وبسبب عدم امتلاكنا لأية نقود لشراء مستلزمات المدرسة لطفلنا الذي يبلغ من العمر ست سنوات لم نتمكن من إرساله للمدرسة وكان هذا سبب حرمانه من التعليم.
انتهى الألم من مرارة البحث عن المختار ومتابعة العمل في الأوراق أمام الإنسانية التي خيّمت على هذه الأسرة الفقيرة وانطلقوا إلى المنزل الذي يقيمون به على أن يعودوا في صباح اليوم التالي ليستكملوا إجراءات إصلاح الهوية المكسورة.