Beirut weather 20.41 ° C
تاريخ النشر January 13, 2018
A A A
ربط نزاع
الكاتب: د. عامر مشموشي - اللواء

كثر في الساعات الماضية، الكلام عن حل يضع حدّاً للأزمة الناشبة بين الرئاستين الأولى والثانية على خلفية مرسوم الاقدمية لضباط دورة 1994 الذي وقعه رئيسا الجمهورية والحكومة ووزير الدفاع المختص، ويقضي هذا الحل بدمج مرسومي الاقدمية والترقية، بما يجعل توقيع وزير المال ملزماً، كما يطالب رئيس مجلس النواب نبيه برّي بمثابة محاولة جديدة منه لتليين موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وطي هذه الصفحة التي اتخذت ابعاداً سياسية تجاوزت في مدلولاتها الخلاف التقني البحت إلى النظام الذي أرساه اتفاق الطائف برمته وتشريع الأبواب امام احتمالات كثيرة أقلها الدخول مجددا في أزمة وطنية، تعيد البلد إلى الأجواء التي كانت سائدة، قبل انعقاد مؤتمر الطائف وتوصل الأفرقاء اللبنانيين إلى صيغة تضمن الشراكة الوطنية على قاعدة فصل السلطات وتوازنها وتعاونها.

غير ان المؤشرات، لا تبشر بأي تطوّر إيجابي على هذا الصعيد في ظل استمرار رئيس الجمهورية بالتمسك بموقفه، على اعتبار ان مرسوم الاقدمية لا يرتب أية أعباء مالية توجب توقيع وزير المالية، وعلى المعترضين اللجوء إلى القضاء المختص للبت في هذا الخلاف الناشئ حول الصلاحيات الدستورية التي نص عليها اتفاق الطائف، وأي رفض لهذا الطرح يؤشر الى ان الأزمة سياسية هدفها تكريس واقع سياسي جديد يقوم على العرف، ولا يوجد له أي أساس في الطائف، وهو بذلك يتهم الرئاسة الثانية بالعمل على الاطاحة باتفاق الطائف وبالنظام الذي انبثق عنه بتوافق كل الأطراف، لاستبداله بطائف جديد يقوم على المثالثة أو ما اتفق على تسميته بحكم الترويكا، الأمر الذي من شأنه ان يستولد ازمة نظام ستكون لها تداعيات خطيرة على الاستقرارين السياسي والأمني.

لكن وبالرغم من هذه الصورة المعتمة للمشهد السياسي العام التي استولدها هذا الخلاف السياسي بين الرئاستين الأولى والثانية على خلفية دستورية إصدار مرسوم الاقدمية من دون ان يمر بتوقيع وزير المالية، وانعدام أي أفق للخروج من هذا المأزق، يبدو ان كلا من الرئاستين الأولى والثانية حريص على إبقاء جسور الحوار مفتوحة بينهما بقدر حرصهما على عدم الوصول إلى المحظور في ظل ظروف داخلية وإقليمية ملبدة بالغيوم السوداء، ويفضلان ان يبقى الخلاف بينهما محصورا عند الحدود التي وصل إليها ولا يتحوّل الى كباش بين الرئاستين الاولى والثانية حول النظام الذي أرساه اتفاق الطائف، وتُشير تصرفاتهما حتى الساعة التي عبّرت عن نفسها، في حرص كل منهما على ان تبقى الحكومة بمنأى عنه، إلى انهما اتفقا ضمناً على ربط نزاع في هذا الأمر لتمرير الاستحقاق الانتخابي من جهة، واستمرار الحكومة في عملها وتسيير شؤون العباد والاشراف من جهة ثانية على هذه الانتخابات، على ان يكون بعد ذلك لكل حادث حديث.

غير ان المشهد المخيف الذي يجعل الاتفاق على ربط هذا النزاع على الصلاحيات، وبالتالي على اتفاق الطائف، قد لا يسمح بإطالة عمر هذا الاتفاق في ظل ما كشف عنه رئيس مجلس النواب مواربة على إعطاء الطائف مفهوماً جديداً يكرّس حكم الترويكا أو المثالثة بإبقاء وزارة المال في يد الطائفة الشيعية، وجعل توقيع وزير المالية ملزماً على كل المراسيم التي يصدرها رئيس الجمهورية من جهة، وفي ظل دخول البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة الراعي على الخط وتأكيده من جهة ثانية، بعد اجتماعه برئيس الجمهورية، ان لا علاقة لمرسوم الأقدمية بالمال، فالوزير المختص هو وزير الدفاع، وان الأمور يُمكن ان تحل في جلسة واحدة لأن البلد لا يحتمل الخلافات.