Beirut weather 17.99 ° C
تاريخ النشر June 19, 2023
A A A
راسب يعاير فرنجيه بالإصلاح و”تكفيري” يرفض انفتاحه على الأسد
الكاتب: نورما ابو زيد - بالوسط

عندما ترشّح سليمان فرنجيّه الجد إلى رئاسة الجمهورية في العام 1970 ضدّ الياس سركيس مرشّح فؤاد شهاب والشعبة الثانية، لم تكن علاقته بالرئيس كميل شمعون والشيخ بيار الجميّل والعميد ريمون إدّة، أفضل حالاً من علاقة سليمان فرنجيّه الحفيد بسمير جعجع وسامي الجميّل وجبران باسيل، غير أنّ أقطاب “الحلف الثلاثي” ذهبوا طوعاً إلى الاتفاق على انتخاب فرنجيّه رئيساً لأنّهم قدّموا المصلحة العامة على مصالحهم الشخصية، علماً أنّ الجميّل كان مرشحاً دائماً لرئاسة الجمهورية، وشمعون لم يحد عينه يوماً عن ولاية رئاسيّة ثانية، فيما إدّة لم يكن صاحب قدم ثابتة في “المارونيّة السياسيّة”، ولم يذهب بالتالي إلى تحالف رئاسي مع قطبيها شمعون والجميّل لصالح فرنجيّه، إلاّ لأنّه رأى في انتخابه مصلحة عامة.
سركيس نفسه الذي خسر معركة الرئاسة بفارق صوتٍ واحد، عاد أدراجه إلى حاكمية مصرف لبنان، ولكن لا هو خرّب على عهد منافسه الرئيس سليمان فرنجيه، ولا فرنجيه خرّب عليه. تكامل الرجلان وتكاتفا وترفّعا عن الحرتقات السياسيّة، وعندما شعر سركيس بخطر على الليرة اللبنانية تسلّح بخبرته الماليّة للحفاظ على ماليّة الدولة، وعندما شعر الرئيس فرنجية بخطر على رجل الخمسة ملايين أونصة ذهبيّة، حماه من هجمة صائب سلام وريمون إدّة اللذان اعتبراه أحد رواسب الشهابيّة، وجدّد له على رأس الحاكميّة قبل انتهاء ولايته الرئاسيّة، ليضمن له الاستمراريّة في واحدة من أهم مفاصل الدولة الماليّة.
خصوم الأمس كانوا يتقاطعون على المصلحة العليا، يحرّكهم حسّهم الوطني وحرصهم على غدٍ أفضل، بينما خصوم اليوم يتقاطعون على مصالحهم الشخصيّة، يحرّكهم حقدهم الدفين، ورغبتهم الدائمة في الانتقام.
عندما ذهب سعد الحريري في العام 2015 إلى تبنّي ترشيح سليمان فرنجيّه لرئاسة الجمهوريّة، استعجل سمير جعجع تبنّي ترشيح خصمه اللدود ميشال عون. اقتنع جعجع أنّ طبخة الرئاسة بعيدة المنال، فقرّر أن يكتفي بلقب طبّاخ القصر، وكان اتفاق “أوعى خيّك” الذي تمّ الترويج له كما لو أنّه اتفاق “سياسي ـ مسيحاني”، ليتبيّن مع توقّف قرع الكؤوس وبدء قرع الرؤوس أنّ الاتفاق المكتوب لا يتضمّن استراتيجيات وإنّما محاصصات.
في ذروة التحابب بين البرتقالي والزيتي، لا “التيار الوطني” تنصّل من زواجه المختلط بـ “حزب الله”، ولا “القوات اللبنانية” اعترضت على تشيّع “مار مخايل”، ولا جبران باسيل ذكّر سمير جعجع أنّ بشار الأسد لم يهجر قصر المهاجرين، وأنّ عليه بحلق نصف شاربه ليفي بوعدٍ قطعه. ثلاث “منسيّات” صنعت تحالفاً رئاسياً في حينها بين سمير جعجع وجبران باسيل، فيما ثلاث “منسيّات” جديدة تصنع تقاطعاً على التعطيل بين الرجلين إياهما.
عندما تقاطع جعجع وباسيل ضدّ فرنجيّه، لا الأوّل تذكّر أنّ الثاني اتّهمه بالتصهين إبان 17 تشرين، ولا الثاني تذكّر أنّ الأوّل اتّهمه بالتأيرن والتسيرن وتسليم البلد لـ “حزب الله”، ولا جمهور “القوات” و”التيار” هتّ جعجع وباسيل على مرضي فقدان الذاكرة والتلوّن. أخذ جعجع على فرنجيّة انفتاحه على سوريا وعلاقته بـ “حزب الله”، وتناسى أنّه عندما تبنّى ترشيح العماد ميشال عون كانت مشرقيته فاقعة، وترسانة حليفه “حزب الله” فائضة، وجيوشه المؤلّلة تقاتل في سوريا مشروع جعجع الذي راهن على إسقاط الدولة السوريّة على يد التنظيمات التكفيريّة.
وإذا كانت ذاكرة سمير جعجع قصيرة في رفضه لفرنجية، فإنّ ذاكرة جبران باسيل أقصر. رجل “الإبراء المستحيل” ألحّ مجلسه السياسي على حتمية التصويت لجهاد أزعور رفضاً لـ “وصول مرشّح مفروض لا يؤمل منه إصلاح”. فهل اكتشف باسيل فجأة أنّ ثمّة افتراء في الإبراء؟ وهل يحقّ للراسب في امتحان الإصلاح أن يعاير فرنجيه قبل خضوعه للامتحان؟ والسؤال الأهم: كيف ننتخب رئيساً بعد 14 حزيران؟