Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر November 3, 2022
A A A
رئيسان “توافقيان” للجمهورية والحكومة
الكاتب: طارق ترشيشي - الجمهورية

يقول متتبّعون للتطورات الجارية ان الاتفاق على رئيس الجمهورية التوافقي يمكن ان يحصل في لحظة، كما انه يمكن ان يطول الى اجل غير مسمّى ويستمر معه خلو سدة رئاسة الجمهورية مشفوعاً بجدال دستوري وسياسي حول صلاحية حكومة تصريف الاعمال في تولّي مهمات هذه الرئاسة وكالة من عدمها.
يفرض واقع الحال اذا صفت النيات المسارَعة الى انتخاب رئيس يقبل به الجميع ويقتنعون انهم بالتعاون معه يستطيع ان يقود سفينة الخلاص من موقعه الوطني الجامع والحَكَمي لا من خلال ما يملك من صلاحيات، فالاساس هو تكوين السلطة الجديدة التي تشتمل على السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، لتنطلق ورشة انتشال البلاد من جهنم التي سقطت او أسقطت فيها على ايدي منظومة فاسدة بكل المعايير ولم تقتنع بعد انّ الخلاص يجب ان يبدأ بها.
ويرى بعض النواب ان المشهد السائد نيابياً وسياسياً يدلّ بما لا يقبل الشك الى انتخاب رئيس جمهورية جديد بعد الصخب الذي رافَق انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون قد لا يكون قريباً خصوصاً بعدما تعكّرت الاوضاع الاقليمية وتوقفت المساعي الحميدة والوساطات العربية والدولية الهادفة الى معالجة الازمات في المنطقة رغم الاختراقين الايجابيين اللذين تمثّلا: أولاً بالاتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل والذي يعوّل كثيرون داخلياً وخارجياً على انه اقفل ابواب نشوب اي حرب على الجبهة الجنوبية اللبنانية الى امد طويل لأنه جاء شبيهاً بـ»تفاهم تموز» 1996 او «اتفاق هدنة» غير معلن، رغم رهان اسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة الاميركية على احتمال ان يتحول «اتفاق تطبيع» كان لبنان ولا يزال يرفضه جملة وتفصيلاً، وذلك في ضوء ما جرى ويجري من تطبيع بين اسرائيل وبعض الدول العربية.
اما الاختراق الثاني فتمثّل بإقامة السلطة العراقية الجديدة، او اكتمال عقدها، بانتخاب رئيس جمهورية جديد وتأليف حكومة جديدة بعد طول نزاعات بين مختلف مكونات العملية السياسية في بلاد الرافدين.
لبنانياً، يقول سياسيون، ان هذين الاختراقين يفترض ان يصرفا في انخراط الجميع في ورشة لتكوين السلطة الجديدة بغض النظر عن التخوفات التي بدأ يُبديها البعض من انعكاس التوتر المستجد في العلاقة السعودية ـ الايرانية سلباً على الاستحقاقات اللبنانية، على رغم اعلان الجانب العراقي انّ وساطته مستمرة بين الرياض وطهران، علماً ان ما يبدّد التخوف في هذا الصدد هو الاهتمام السعودي الراهن الذي تعكسه حركة السفير السعودي وليد البخاري في لبنان وما يُطلقه من مواقف تشدد على انتخاب رئيس جديد وتبشّر بأن لبنان مقبل على مرحلة ازدهار. وفي المقابل يصدر عن المسؤولين الايرانيين مواقف مماثلة تقريباً تشدد على انتخاب رئيس للبنان وتأليف حكومة جديدة.
فيما بعض آخر يُبدي مخاوف من تطور الموقف الاسرائيلي سلباً في ضوء تقدم اليمين المتطرف في الانتخابات الاخيرة واحتمال نشوء حكومة برئاسة بنيامين نتنياهو تذهب الى خيارات تصعيدية على مستوى لبنان والمنطقة.
بيد ان فريقاً من السياسيين يعتقد ان اسرائيل لا يمكنها الانقلاب على اتفاق ترسيم الحدود البحرية أيّاً كانت طبيعة حكومتها بعد الانتخابات لأنه مضمون اميركياً وموثّق أممياً وتحكمه مصالح وسواها ممّا يتصل بالاحداث الجارية عالمياً والنظام الدولي الجديد المرجّح انبثاقه مما ستؤول اليه الحرب الروسية ـ الاوكرانية وما انتجت من أزمة طاقة عالمية.
ويرى هذا الفريق ان العالم كله منشغل عن لبنان، ولولا ترسيم الحدود البحرية لما حصل بعض من هذا الاهتمام، وهذا الانشغال يفرض على مختلف القوى اللبنانية اغتنامه والذهاب الى تكوين سلطة جديدة تستخدم الرصيد الذي يوفّره هذا الترسيم على مستوى استخراج الثروة النفطية والغازية للانطلاق الى تفريج الازمة والعمل على إنهائها، وفي هذه الحال يفترض ان يكون الاتفاق على انتخاب رئيس جمهورية بديهياً، وبالتالي الشروع في تأليف حكومة فاعلة تكون على مستوى التحديات لأنها تبقى الاساس اذ لا يمكن اي رئيس ان ينجح ما لم تتوافر مثل هذه الحكومة التي هي السلطة التنفيذية التي تقع على عاتقها مسؤولية ادارة شؤون البلاد ووضعها على سكة التعافي. وقد قال «اعلان الجزائر» الصادر عن «قمة لم الشمل العربي» ما حرفيّته: «تجديد التضامن مع الجمهورية اللبنانية للحفاظ على أمنها واستقرارها ودعم الخطوات التي اتخذتها لبسط سيادتها على أقاليمها البرية والبحرية والإعراب عن التطلّع لأن يقوم لبنان بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة وأن يقوم مجلس النواب بانتخاب رئيس جديد للبلاد».
ومن جهتها قالت المملكة العربية السعودية، بلسان وزير خارجيتها الامير فيصل بن فرحان، على هامش قمة الجزائر انها «تشدد على محورية سيادة الدولة اللبنانية»، داعية الى «انتخاب رئيس يكون قادرا على توحيد البلاد».
وفي اي حال يتوقع ان يحدد المناخ الذي سيسود جلسة مجلس النواب اليوم لمناقشة رسالة رئاسية فاقدة المفعول ألف باء الانطلاق الى الحوار في سبل إنجاز الاستحقاق الرئاسي وانهاء الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية بموجب تسوية يبدو انّ طبخها بدأ في بعض الكواليس الداخلية والخارجية التي يحاول أصحابها تقليص مدة الفراغ الى اقل مقدار ممكن.
ويقول بعض المطلعين ان اولى الخطوات لإنجاز هذه «الطبخة الرئاسية» ستكون بنزول المعنيين عن الشجرة، وقد باشَر بعضهم النزول، لا سيما منهم اولئك الذين رفعوا سقوف شروطهم عالياً بترشيح اسماء من «بني جِلدتِهم» السياسية وهم مقتنعون ضمناً ان انتخاب «رئيس اللون الواحد» بات في هذا الزمن غير ممكن، بل مستحيل، وان الرئيس التوافقي هو الخيار المناسب، فالتوافق عندما يحصل يطرد المستحيل، ويصبح معه المرفوض مقبولاً. ولكن يبدو ان ما يؤخّر الطبخة الرئاسية (التي يرجح انها استوَت على مستوى اختيار الرئيس العتيد) هو حرص المعنيين في الداخل والخارج على وجوب الاتفاق على شخصية توافقية لرئاسة الحكومة الجديدة، وذلك لتلافي نشوء ازمة استحقاق حكومي، بعد انتخاب رئيس الجمهورية، قد تكون اشد خطورة وأدهى نسبةً الى التجارب السابقة في اختيار رؤساء الحكومات وتشكيلها.