Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر September 25, 2024
A A A
ذريعة «الدروع البشرية» من غزة إلى الجنوب والبقاع: إسرائيل تروّج لأكاذيبها (المكشوفة) وتــستأنف الإبادة
الكاتب: علي عواد

كتب علي عواد في “الأخبار”

في خضم التصعيد العسكري الإسرائيلي على لبنان، تتجلى مرة أخرى محاولات الدعاية الإسرائيلية لتبرير عدوانها عبر وسائل الإعلام الغربية والعربية المتأسرِلة. وكما في الحروب السابقة، تلجأ إسرائيل إلى روايات مبسّطة تصوّرها كضحية تحت وطأة «الخطر الوجودي»، متجاهلة حقيقة الصراع. لكن ما فشل في غزة، لن ينجح في لبنان، إذ تتصدّى المقاومة والمجتمع اللبناني الواعي لحملات التضليل.

حاولت إسرائيل مراراً وتكراراً توظيف الآلة الإعلامية والدعائية لتبرير هجماتها على غزة عبر الرواية المألوفة التي تزعم «الدفاع عن النفس» ومواجهة «الإرهاب»، إلا أنّ هذا الخطاب واجه مقاومة كبيرة لدى الشعوب الغربية، وتحديداً على منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام البديلة التي كشفت حجم الفظائع والانتهاكات المرتكبة بحق المدنيين العزل. ورغم الحصار الإعلامي المشدّد في غزة، خرجت صور الدمار وأصوات الضحايا لتفنيد الأكاذيب الإسرائيلية وكشف الوجه الحقيقي لهذا العدوان. عملياً، ما فشل دعائياً في حرب إسرائيل على غزة، لن ينجح في تصعيدها المتواصل على لبنان. ومع انتشار الإعلام البديل والمؤثرين على التواصل الاجتماعي، لن تستطيع الآلة الدعائية الإسرائيلية التستّر على الحقائق أو تمرير روايات زائفة من دون أن تُواجه بحقائق مضادة، حتى لو فعّلت إسرائيل كل ما تملك من Bots (برمجيات تنتحل صفة مستخدم على منصات التواصل وتنشر محتوى). في هذا السياق، يمكن القول إن التضليل الإعلامي الذي لم ينجح في غزة، وهي بقعة جغرافية صغيرة تعاني من حصار شديد، سيجد في لبنان تحدياً أكبر بكثير، لأنّ لبنان ليس فقط ساحة مقاومة تعمل بالنقاط، بل هو أيضاً ساحة مقاومة إعلامية وثقافية، مدعومة بتاريخ طويل من النضال ضد الاحتلال ووعي شعبي كبير بمخططات التضليل والتلاعب بالمعلومات.

 

عندما انتشرت الأخبار للمرة الأولى عن الغارات الجوية الإسرائيلية على لبنان، كانت اللغة التي استخدمتها وسائل الإعلام الغربية لتغطية الحدث مألوفة بشكل مخيف كأنّ المشهد في غزة. هكذا، يُختزل السياق السياسي والتاريخي المعقد في روايات بسيطة تقدم إسرائيل كضحية «للخطر الوجودي» أو «المخاطر الأمنية»، بدلاً من مواجهتها كقوة معتدية تستهدف «المقاومة» وأهل الأرض، أو كما لاحظ الطبيب المناضل غسان أبو ستة في منشور له على منصة «إكس» أمس، قائلاً إن: «اللغة التي أسمعها من الصحافيين الغربيين تخبرني أن الحرب على لبنان تحظى أيضاً بدعم كامل من النخب الحاكمة الغربية. جميعهم يعملون لمصلحة برافدا. إنهم فقط إما أغبى من أن يدركوا ذلك أو أفسد من أن يعترفوا بذلك». يعكس كلام أبو ستة مشاعر الإحباط التي يشعر بها اللبنانيون والفلسطينيون، الذين يرون أن حياتهم وقصصهم تُشوّه من وسائل الإعلام نفسها المكلفة بإعلام العالم. وتلعب وسائل الإعلام الغربية الرئيسية دوراً مهماً هنا، ليس فقط في تجريد اللبنانيين من إنسانيتهم، بل أيضاً في إضفاء الشرعية على العنف الإسرائيلي الممارس عليهم.
تمتد هذه الآلة الدعائية إلى ما هو أبعد من وسائل الإعلام، لتشمل الإستراتيجيات الرقمية التي تعتمدها القوّات الإسرائيلية. ومن الأمثلة البارزة على ذلك، تغريدة نشرتها قوات العدو على منصة «إكس»، قبل أن تسارع إلى حذفها بعد اكتشاف التضليل الإعلامي فيها. فقد ادعى العدو في التغريدة أنّ صاروخاً دقيقاً يزن أكثر من ألف كيلوغرام كان مخبأً داخل منزل في لبنان، وأنه من النوعية نفسها التي استخدمت في الهجوم على مجدل شمس في مرتفعات الجولان المحتلة. مع ذلك، أشار المستخدمون إلى تناقضات عدة في هذه الادعاءات. أولاً، لم يتطابق حجم الحفرة في مجدل شمس مع نوع الصاروخ الذي زعم العدو أنه استهدفه. ففي البداية، قال العدو إن الصاروخ من طراز «فلق 1» ويزن 110 أرطال، إلا أنه عاد وادّعى أنّ الحفرة نتجت من رأس حربي يزن 2200 رطل. أصبح التناقض في هذه الادعاءات واضحاً، ما دفع كثيرين إلى اتهام قوّات الاحتلال باستخدام أدلة مفبركة لتبرير هجماته. وزاد حذف التغريدة من مشاعر السخرية والغضب لدى المستخدمين. يوضح هذا المثال كيف تستخدم القوات الإسرائيلية لغة «الدفاع عن النفس» و«التهديدات الأمنية» لتأطير عملياتها العسكرية، حتى عندما لا تصمد الأدلة. هذا التكتيك ليس بجديد، إذ دائماً ما استخدمت إسرائيل الدعاية للحفاظ على الدعم لعملياتها على الصعيدين المحلي والدولي.
حذفت قوات العدو تغريدة الصاروخ المخزّن في منزل بعد اكتشاف التضليل الإعلامي فيها

تتّبع إسرائيل في تصعيدها العسكري على لبنان قواعد اللعبة البالية. فكلما كان هناك تصعيد عسكري، تصبح لغة الدفاع عن النفس هي السردية السائدة. وقد استخدمت هذه الرواية لعقود من الزمن لتبرير عمليات القصف والغزو والاحتلال في لبنان وفلسطين، من دون تدقيق يذكر من وسائل الإعلام الغربية الرئيسية. ويمكن العودة هنا إلى الأمثلة الكثيرة التي ما زالت طازجة من الحرب على غزة مثل كذبة «مستشفى الشفاء» عن تخزين أسلحة المقاومة تحتها لتبرير الإبادة التي وقعت، وأكاذيب الأطفال الإسرائيليين المقطوعي الرؤوس والنساء الإسرئيليات المغتصبات وغيرها. واليوم، تدّعي إسرائيل أنها تستهدف مقاتلي «حزب الله» والبنية التحتية للـ «إرهاب» كما تسميه. مع ذلك، فإن الواقع على الأرض مختلف كثيراً. فقد استشهد حوالى 558 من بينهم 50 طفلاً و94 امرأة. ومن المتوقع أن ترتفع هذه الأرقام مع استمرار التصعيد.
رداً على هذه الرواية المشوّهة، أصبحت وسائل الإعلام البديلة والسوشال ميديا أدوات أساسية لمشاركة القصة الحقيقية لما يحدث في لبنان. ومع استمرار وسائل الإعلام السائدة والبليدة في ترديد سردية العدو كالببغاء، لجأ الصحافيون المستقلون والناشطون والمواطنون العاديون إلى منصات مثل «إكس» و«إنستغرام» و«تيك توك» لنشر مشاهد الدمار وتقديم روايات مباشرة وتحليلات نقدية للغارات وتداعياتها. كما مكّنت السوشال ميديا الناس في جميع أنحاء العالم من التفاعل مع واقع الصراع في الوقت الحقيقي. فقد تصدرت هاشتاغات مثل #لبنان_تحت_القصف و#LebanonUnderAttack و#PrayForLebanon# و#IsraelTerroristState عالمياً، ما لفت الانتباه إلى محنة الشعب اللبناني وحفّز التضامن مع المتضررين من التصعيد. وقد أصبحت هذه المنصات حيويةً في توفير رواية مضادة للدعاية التي تنشرها إسرائيل وحلفاؤها. إن العدوان الإسرائيلي الهمجي على لبنان، ليس صراعاً عسكرياً فقط، بل هو أيضاً معركة للسيطرة على الرواية. وفي هذا العصر الرقمي، لا يمكن إخفاء الحقيقة طويلاً.