Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر November 9, 2018
A A A
ديموقراطيتنا أعرق!
الكاتب: نبيل بومنصف - النهار

لا يمكننا الجزم بمدى إنشداد اللبنانيين الى الانتخابات النصفية التي جرت في الولايات المتحدة وما اثارته بنتائجها وخلاصاتها من دلالات بالنسبة الى مسألة الديموقراطية تحديدا وليس حيال تداعيات النتائج في المرحلة الطالعة على اي امر يخص لبنان. نقول ذلك اعترافا بعقدة نقص طبيعية يجب ان تتملكنا كلبنانيين كلما سقط النظام اللبناني في وقعة او ازمة او مأزق، وهو النظام الذي لا يختصر بالدستور والنظام الهيكلي السياسي فقط بل يشمل اولا طبائع اللبنانيين وسلوكياتهم كناخبين مقررين. نحن الآن في عز أزمة تتمادى منذ ايار الماضي تاريخ الانتخابات النيابية اللبنانية التي ضربت لها طبول الأهازيج والتهليل لكونها أجريت بعد انقطاع دام تسعة أعوام. وقد يكون أسوأ ما ستفضي اليه ازمة تعطيل تشكيل الحكومة الجديدة انها ستدرج في اطار ازمة نظام اكثر تعقيدا من تأليف الحكومة نفسها. هذا يعني بكل وضوح ان الانقلاب على النظام الأصلي المتجسد في دستور الطائف صار أمرا واقعا قسريا لا موجب للجدل حوله وليس ادل على ذلك من ان انتخابات نيابية كان يفترض ان تعبد الطريق بأسهل السبل لتأليف الحكومة صارت هي المشكلة بفعل تضارب القراءات لنتائج الانتخابات. طبعا لسنا في وارد السخرية من أنفسنا والتطاوس الى درجة وضع المقاييس والمعايير نفسها التي نقيس بها مؤشرات الديموقراطية اللبنانية بالديموقراطية في الولايات المتحدة. ومع ذلك لا نتمالك الإطلالة من هذه الكوة التي فتحتها الانتخابات النصفية الاميركية الاخيرة لمعاينة المزيد من سوء أحوالنا لا اكثر ولا اقل. يمكننا شتم السياسات الاميركية الى أقصى الحدود او تبجيلها الى اوسع المديات تبعا لانقساماتنا. ولكن على علاتنا ليست الانقسامات الاميركية اقل فداحة وعمقا مما نعانيه بدليل ان الانتخابات النصفية الاخيرة كرست واقع تعايش قسري بين نصف انتصار حققه الديموقراطيون في مجلس النواب ونصف نكسة حافظ معها الجمهوريون على سيطرتهم في مجلس الشيوخ. تقدم آخر نماذج الديموقراطية الاميركية العريقة التي يصعب حتى على اعتى أعداء الادارة الاميركية التنكر لها الدلالة الابرز على مفهوم التسليم للصوت الانتخابي حين لا يعود أي عامل مهما اشتد يمنع ديمومة الدولة والنظام والمسلك الدستوري فور احصاء النتائج الانتخابية. لا تحصل اختناقات وانسدادات واستهلاك مميت للوقت والأعمار هناك لان الانتماء الى الدولة في اكبر دولة تتكون من المهاجرين ينصهر مع مفهوم الانتماء الفعلي الى الديموقراطية الحقيقية. لم يكن في الجولة الانتخابية الاخيرة في الولايات المتحدة عوامل إنشداد استثنائية الا من منظار استفتاء مبدئي مبكّر للرئيس الاكثر اثارة للجدل في تاريخ أميركا دونالد ترامب في نصف ولايته الحالية. اما الاستثنائي من عين لبنانية فهو رصد هذا الانتظام العام والتسليم بسحر الديموقراطية التي تعيد اقوى دولة في العالم صبيحة اليوم التالي بعد الانتخابات الى حيوية الحياة وضخها بالتجديد بلا انسدادات ولا أزمات ولا اختناقات توقف الزمن. هذا من عين لبنانية ضيقة وتضيق تباعا ولو كان لبنانيون كثر اسوة بالعرب وبغير العرب يدأبون على شتم اميركا كل ساعات اليوم وهم يلهثون للهجرة اليها او يحلمون بجنسيتها!