Beirut weather 20.77 ° C
تاريخ النشر December 30, 2020
A A A
ديدييه راوولت: أفضّل اللقاح الصيني… وقد يصاب المرء ثانية بالكورونا المتحوّر
الكاتب: زينة طراد - النهار

تحتضن مرسيليا، بفضل البروفسور ديدييه راوولت، واحداً من أكبر الفرق المتخصصة بالأمراض المعدية والمدارية في العالم، ويضم الفريق أشخاصاً ينتمون إلى أكثر من مئة جنسية في وحدة الأبحاث عن الأمراض المعدية والمدارية الناشئة (URMIT). منذ بضعة أسابيع، تخوض المختبرات، مثل “فايزر” و”موديرنا” و”أسترازينيكا” وغيرها، سباقاً جنونياً لتكون أول مَن يبادر إلى الإعلان عن أخبار كبرى ومهمة في مجال اللقاحات للوقاية من وباء “كوفيد 19”. فاللقاحات التي طُوِّرت بسرعة فائقة تُحقّق نسباً عالية من الفاعلية، إنما من دون تقديم إثباتات عل قدرتها على كبح انتشار الوباء في المستقبل. والأسوأ من ذلك، لا ضمانات على غياب المضاعفات الجانبية لهذه اللقاحات. في هذه المقابلة، يتحدث البروفسور ديدييه راوولت، مدير المعهد الاستشفائي الجامعي المتخصص بالأمراض المعدية في مرسيليا، عن وباء “كوفيد 19” والمستجدّات في هذا المجال.

 

1- بعد انقضاء عامٍ على بدء انتشار جائحة “كوفيد 19″، ماذا نعرف عن هذا الفيروس؟
لا نعرف كل شيء حتى الآن. ما زلنا في طور الاكتشاف. ما نعرفه هو أنه كلما حصل المريض على الرعاية الطبية في وقت أسرع، كانت حظوظه بالشفاء أكبر. ونعرف أيضاً أن العناية المبكرة تؤدّي إلى الحد من خطورة المرض ومضاعفاته لدى نسبة الواحد في المئة من الأشخاص الذين يعانون من العوارض الأقوى جراء إصابتهم بالفيروس. والأشخاص الذين يتوفّون هم أولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة خطيرة وحادّة. ونعلم أيضاً أن التحوّرات الأخيرة التي شهدها الفيروس في أوروبا مردّها إلى انتقال العدوى بين الإنسان وحيوان المنك. إنه مرضٌ جديد. تملك فيروسات الحمض النووي الريبوزي (RNA) قدرة استثنائية على التحوّل. وهي أيضاً قادرة على إصابة أنواع أخرى من الحيوانات، وفي حال تسبب الفيروس بظهور وباء لدى الحيوانات من خلال انتشاره بينها على نطاق واسع، يمكن أن تتراكم الطفرات الفيروسية، وقد يظهر فيروس متحوِّر جديد يصيب الإنسان ويتسبب بوباء ثانٍ ناجم عن مصدر مختلف عن المصدر الحالي، على غرار ما نشهده حالياً في أوروبا.

 

2- لماذا يشعر بعض الأشخاص بعوارض المرض فيما لا تظهر عوارض لدى الآخرين؟
يتأثّر جميع المصابين بطريقة أو بأخرى. بعضهم يعاني من عوارض خفيفة، فيما يشعر آخرون بعوارض أكثر خطورة. إذا حصل المريض على العلاج باكراً، أي منذ بداية ظهور العوارض، لا يشتد المرض عليه. وإلا ثمة احتمالات كبيرة جداً بأن تتفاقم حالته. المتقدّمون في السن والأشخاص المصابون بأمراض مزمنة، مثل السرطان والسكّري…، هم الأكثر تأثّراً بمضاعفات الفيروس.

 

3- هل أصبحنا على بيّنة من جميع المضاعفات التي يتسبب بها الفيروس في المدى الطويل؟
نعم، بدأنا نلاحظ مضاعفات على مستوى الجهاز العصبي والرئتَين والأوردة. إنما لم ينقضِ وقت كافٍ لتحليل جميع المضاعفات في المدى الطويل.

 

4- كم تدوم المناعة من الفيروس؟
لا نعرف الجواب، لكننا رأينا في المعهد أشخاصاً أصيبوا بالعدوى في الموجة الأولى للفيروس، أي في آذار-نيسان 2020، ثم عادوا بعد أربعة أشهر إثر إصابتهم بنوع جديد متحوِّر من الفيروس. الإصابة بالمتحوِّر الأول لا تحمي من الإصابة بالمتحوّر الأخير (المتحوّر الرابع).
هناك أنواع متحوِّرة مختلفة من الفيروس، بحسب البلدان. لقد أجرينا تحليلات جينية في فرنسا، وتبيّن لنا أن المتحوّر الأخير (المتحوّر الرابع) مصدره الدنمارك حيث توجد أعداد كبيرة من حيوانات المنك التي تفشّى بينها الوباء. لقد أصيب الأشخاص الذين كانوا يعتنون بهذه الحيوانات بالوباء، ونعتقد أن المنك هو السبب وراء تفشّي النوع الرابع المتحوّر لفيروس كورونا. في الدنمارك، قضوا على 13 مليون مِنك! فيروسات الحمض النووي الريبوزي قادرة على التحوّر بسرعة فائقة، ولكن ذلك لا يعني أنها تصبح أشد خطورة. يجب أن تقود مراقبة هذه الأنواع المتحوِّرة إلى التفكير في إنتاج لقاح قادر على مكافحة العديد من الطفرات الفيروسية من أجل التيقّين من تأمين الحماية اللازمة للأشخاص.

 

5- ما هو برأيكم العلاج الأفضل للفيروس؟ هل ما زلتم تعتبرون أن العلاج الأنسب هو مزيج الهيدروكسي كلوروكين والأزيتروميسين؟
نعم، ما زلنا نتّبع هذا البروتوكول إضافةً إلى الزينك. الأشخاص الذين يلجأون إلينا باكراً للحصول على العلاج اللازم يشفون سريعاً من الفيروس. في فرنسا، يمنعوننا من إجراء الأبحاث على الجزيئات القديمة غير المربحة. تنحرف السلطة من أيدي الباحثين الحقيقيين لتصبح في قبضة أشخاص ذوي خبرة علمية محدودة جداً. يجب التنبّه من المفعول الذي تمارسه التأثيرات المختلفة. لقد نشر المعهد الاستشفائي الجامعي في مرسيليا العدد الأكبر من الدراسات عن جائحة “كوفيد 19” في فرنسا. (انظر https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov). أطلقنا فحوص PCR تَصدر نتيجتها في غضون 20 دقيقة. لقد استخدم عدد كبير من البلدان البروتوكول العلاجي الذي ابتكرناه من خلال إعطائه باكراً للمريض، وشهدت تلك البلدان انخفاض نسبة الوفيات لديها إلى 0.5 في المئة! إذاً المطلوب هو الكشف المبكر والمباشرة سريعاً بالعلاج اللازم.

 

6- ماذا يمكننا أن ننتظر من اللقاحات؟
ليست هناك حتى الآن دراسات وافية وشاملة عن مضاعفات اللقاحات التي تستخدم تقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA). لم أطّلع بعد على البيانات الفعلية لمختبرات “موديرنا” و”فايزر”. أفضّل الطريقة التقليدية المتّبعة في اللقاح الصيني لأن هذا النوع من اللقاحات موجود منذ وقت طويل، ولدينا معلومات وافية عنه، مثل لقاح الرشح. أما “موديرنا” و”فايزر” فتستخدمان تقنيات جديدة في اللقاح، ولا نعرف حتى الآن مضاعفاتها الجانبية.
إذاً هناك لقاح شبيه باللقاح المستخدَم للوقاية من الرشح. وهناك لقاح آخر ينطوي على مغامرة أكبر، وليست لدينا تجارب كافية بشأن هذا النوع من اللقاحات الذي يستخدم تقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال، فهذا المنتج لم يُجرَّب بعد على عدد كافٍ من الأشخاص، أي مليون وأكثر. هل هناك مضاعفات غير متوقّعة؟ لا جواب لدي. وليست لدينا أيضاً فكرة دقيقة عن درجة الفاعلية التي تتمتع بها هذه اللقاحات.
استقبلنا في المعهد 16 إلى 18 شخصاً أصيبوا بالنوع المتحوِّر الجديد علماً بأنه سبق لهم أن أصيبوا بالفيروس في آذار-نيسان 2020. إذاً يمكن القول بأن الشخص لا يكتسب مناعة قوية عند الإصابة بالفيروس. برأيي، يجب تحضير لقاح يغطّي طفرات مختلفة ومتعددة من الفيروس، وإجراء التعديلات اللازمة في اللقاح سنوياً لتغطية مختلف الطفرات التي قد تطرأ، مثلما هو الحال مع اللقاح المستخدَم للوقاية من الرشح. يجب تقييم المخاطر والمنافع المترتبة عن هذه الاستراتيجيا.

 

7- لدى دخولنا إلى مكتبكم، عبّرتم عن مخاوف بشأن التحوّرات في فيروس كورونا. هل سوف تتسبب هذه الطفرات بمشكلات أكبر في جهود مكافحة الوباء؟
هذه ليست مخاوف، بل إنها حقيقة مؤكّدة. تتحوّر الفيروسات بصورة مستمرة. هناك فيروسات الحمض النووي الريبوزي المنقوص الأكسجين، أي الـ”دي إن أيه” (DNA)، وفيروسات الحمض النووي الريبوزي أي الـ”آر إن أيه” (RNA)، مثل “كوفيد 19″. تملك فيروسات الـ”آر إن أيه” قدرةً على التحوّر أكبر بمئة مرّة من فيروسات الـ”دي إن أيه”. تحدث أخطاء أكبر في التركيبة الجينية لهذه الفيروسات، وهو ما يُسمّى بالطفرات ويتسبب بمتحوّرات مختلفة من الفيروس. وهذا هو مصدر القلق. عند تحليل التسلسلات الجينية، يتبيّن حدوث تحوّرات جديدة في فيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة (الأيدز). إذا أُخِذت عيّنات يومياً من بعض الأشخاص، يظهر أن هناك تحوّرات جديدة في الفيروس. بعض التحوّرات يَحدث في أجزاء معيّنة من التركيبة الجينية للفيروس، ولا يكون على قدر كبير من الأهمية؛ يفقد الفيروس حدّته، لأن عدد التحوّرات التي تجعل الفيروس خبيثاً قليل جداً.

 

8- نشهد على موجات عدوى جديدة. في هذه المرحلة التي بلغتها الجائحة، أليس من حقنا أن نعتبر أن اللقاح هو العلاج الأكثر فاعلية في مواجهة “كوفيد 19″؟
في الوقت الحالي، لا يملك أحد معلومات أكيدة عن فاعلية اللقاحات ولا عن مأمونيتها. يجب الانتظار لمعرفة المنحى الذي ستسلكه الأمور. لقد وضعت الولايات المتحدة برنامجاً لتلقيح مليون شخص. إذا تمكّنت من تنفيذه، فسوف تصبح لدينا معطيات ومعلومات بهذا الخصوص. وعندئذٍ يصبح من الأسهل تكوين رأي حول الموضوع. ثمة أمور نجهلها في الوقت الحالي، ومع ذلك يقولون للأشخاص إن اللقاح لا يُعرّضهم لأي مخاطر. في المقابل، الهيدروكسي كلوروكين هو جزيءٌ مكتشَف ومعروف منذ أكثر من 70 عاماً، ولكنهم يحذّرون الناس من استخدامه لأن مضاعفاته مجهولة. وقد وصل الأمر بالبعض إلى الزعم بأن الهيدروكسي كلوروكين يقتل الشخص في غضون عشرة أيام. إذاً إنه سجال عقائدي. وهذا أمرٌ غريب.

 

9- تثير تقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال المستخدَمة في تصنيع بعض اللقاحات المضادة لوباء “كوفيد 19″، سجالات عدة. فهل تستند هذه الآراء إلى أسس صحيحة؟
الصحة العامة هي مسألة مخاطر ومنافع. كل شيء يتوقّف على طبيعة المخاطرة التي نقوم بها من خلال اعتماد استراتيجية جديدة في اللقاحات، من دون امتلاك معلومات وافية عن المخاطر، ومن دون انقضاء وقتٍ كافٍ يتيح لنا وضع تقييم مستنير. إذا نظرنا إلى وباء “كوفيد 19” بأنه خطر يُهدّد جميع الدول المتقدّمة بالانهيار والإفلاس، يختار المعنيّون على الفور القيام بحملات تلقيح من خلال المجازفة بحدوث مضاعفات جانبية لدى الأشخاص الذين يتلقّون اللقاح. ولكن إذا أخذنا في الاعتبار أن هذا الوباء لا يفتك سوى بالأشخاص الذين هم فوق التسعين من العمر، فهل يبرّر ذلك المخاطرة بتلقيح السكان؟ إنها طريقة أخرى لطرح السؤال. ولكن في الوقت الحالي، يعيش العالم حالةً من الهلع الاقتصادي. ومن أجل إنقاذ الاقتصاد، يجب تأمين لقاح. إنها السياسة من جديد.

 

10- هل سينتهي الوباء في سنة 2021؟
لا يمكنني أن أتوقّع ماذا سيحدث بهذا الخصوص. لا يمكننا أن نتوقّع كيف سوف تتطوّر الأمراض الجديدة. لطالما رددتُ منذ كانون الثاني الماضي أنني لستُ عرّافاً يتنبأ بما سيحدث. أقوم بتوصيف ما أراه في لحظة معيّنة، وأبقى على تماس شديد مع الواقع. أنا طبيب وعالِم. ودوري الأوّل هو العناية بالمرضى الذي يأتون إلى المعهد حيث أعمل. وهذا ما أواظب على القيام به.

 

11- هل سيبقى الفيروس موجوداً بعد انتهاء الجائحة؟
نعم هذا ممكن، شأنه في ذلك شأن الفيروسات الأنفية التي هي من نوع فيروسات الحمض النووي الريبوزي التي يتكرّر ظهورها في موسم معيّن لأنها قادرة على التحوّر. بوجود الطفرات والتحوّرات الفيروسية، يبقى المستقبل ضبابياً.