Beirut weather 16.41 ° C
تاريخ النشر March 3, 2023
A A A
دور المسيحيّين في زمنٍ غير موآتٍ
الكاتب: سمير قسطنطين - النهار

قوّة المسيحيّين التاريخيّة في لبنان والعالم كانت دائماً في دورهم. لم تكن يوماً في أعدادِهم. حتّى في البلدان التي كانت غالبيّتها الساحقة من المسيحيّين، لم يُشِر أحدٌ يوماً إلى عددهم.

غداة انهيار الإمبراطوريّة العثمانيّة، تمثّل دورهم في اختراع مفهوم “لبنان الكبير”، فيما لعبوا بعد الاستقلال دور بناء الدولة والاقتصاد. على مستوى بناء الدولة، أبدعوا في تأسيس دوائر مميّزة للدولة لا ضرورة لذكرها. وعلى صعيد بناء الاقتصاد، فقد علّم المسيحيّون كلّ لبنان في مدارسهم وجامعاتهم، وطبَّبوا ناسه في مستشفياتهم، واستضافوا السيّاح في فنادقهم، واستقطبوا رساميل العرب في مصارفهم، ورحّبوا بالأشقّاء في مصايفهم.

اليوم يقف المسيحيّون على عتبة مرحلةٍ جديدة من انتمائهم للوطن. لا أعلم إذا كان زعماؤهم يُدركون أنّ أدوار المسيحيّين القديمة غير مطلوبة الآن. السؤال هو عن الدور الذي يجب أن يتبنّوه، والذي سيكون في العقود المقبلة أساس وجودهم وارتباطهم بلبنان.

أمام المسيحيّين دورٌ أساس حتّى لا أقول وحيد يلعبونه في هذا الزمن هو “تبنّي خيار الدولة”، لكن ليس بالطريقة التي يتحدّثون عنه حاليّاً. لا يمكن للمسيحيّين تبنّي خيار الدولة وأن يدافعوا في الوقت عينه عن فاسدٍ مسيحي بحجّة أنّ خليفتَه سيكون مسلماً، أو أن يسايروا فكرة الأمن الذاتي عند حليفٍ ما فقط لأنّ حزب الله مسلّح، وأن يغضّوا الطرف عن ممارساتٍ فاسدة لمحازبيهم أو محازبي حلفائهم في دوائر عقاريّة وجمركيّة وأمنيّة وغيرها بحجّة أنّنا في حاجةٍ إليهم في التحالفات. المسيحيّون لن يتمكّنوا من تبنّي خيار الدولة إن هُم رأوا حزب الله تابعاً، ولم يروا في المقابل ضيراً في أن ينسّق بعضُهم خطواته مع دولة إقليميّة أخرى، وأن يتلقّى منها مساعدات ماليّة قُبيل الانتخابات وبعدها. المسيحيّون لن يقووا على بناء الدولة إذا كانوا مقتنعين أنّهم أنقياء وأنّ الآخرين هم الفاسدون. المسلمون فعلوا ذلك لفترة طويلة فأوكلوا لأنفسهم مهمّة إعطاء براءات ذمّة للمسيحيّين في موضوع العمالة لإسرائيل.

المسيحيّون مدعوّون إلى تبنّي خيار الدولة على قاعدة الامتداد نحو الآخر. الأطراف اللبنانيّة كافّةً سترى نفسها في هذا المشروع وتحديداً حزب الله الذي يتلقّى إرباكاتٍ كثيرة. لا خيار له إلّا التعاطي بإيجابيّة مع هذا الطرح. تقلّب الحزب كثيراً في موضوع الدولة على امتداد أربعة عقود، لكنّه الآن أكثر المُحتاجين إلى الدولة. الهامش الحضوري الضيّق المُمكن لحزب الله لا يسمح له بكلّ الدولة. فإذا أطلق المشروع أذكياء، وقادَه حكماء ومتنوّرون، سيشعر حزب الله بالحاجة إلى مشروع الدولة الذي هو حاجة الجميع.

هل يستطيع الزعماء المسيحيّون الحاليّون أن يقودوا هذه الجهود؟ من الأفضل لهم أن يؤمنوا بأنّ وقتَ الفساد انتهى وأنّ المحسوبيّات والهدر خربت لبنان، وأنّهم يستطيعون أن يعطوا أدوارًا تقدّميّة لمحازبيهم المتنوّرين لكي يقودوا هكذا تغيير، وأن يتشاركوا مع كلّ اللبنانيّين في تسويق مشروع الدولة. إن هُم فعلوا ذلك، سيحصلون على تكليف من كل لبنان. وسائل الضغط غير مطلوبة، مهارات الإقناع هي المطلوبة. المشروع المتنوّر هو المطلوب.

السؤال هو: هل سأحمل أنا المسيحي اللبناني هذا المشروع؟ وهل أستطيع أن أُحمِّلَه أيضاً للفاتيكان؟ وهل سأُشْعِر العرب من جديد بأني شقيقٌ لهم؟ هل أنا مستعدٌّ لترويض الأنا التي قتلتنا؟ شيءٌ من التواضع والشجاعة واستشعار خطر الذوبان، والقليل من الأمانة لتضحيات الآباء والأجداد ستكفي لتغيير المسار.