Beirut weather 19.1 ° C
تاريخ النشر November 6, 2024
A A A
دور القائد في خلق “الهوية الجامعة”: السيد نصر الله نموذجاً
الكاتب: ليلى نقولا

كتبت ليلى نقولا في “الميادين”

ضمّن السيد حسن نصر الله خطبه ورسائله السياسية عدة مهمات منها التركيز على التماسك والوحدة الوطنية اللبنانية، والتوجيه المعنوي والأخلاقي، وتعزيز الالتزام بالمقاومة، والانفتاح على المكوّنات اللبنانية كافة.

لطالما عانى لبنان من غياب مفهوم الهوية الجامعة التي تشكّل إطاراً أساسياً يعرّف فيه اللبنانيون عن أنفسهم، إذ أثر تاريخ لبنان من الاستعمار والحروب والتدخلات الأجنبية بشكل عميق في تعريف المواطن لهويته الوطنية. ولقد كانت الطائفية عاملاً مزعزعاً للانتماء الوطني، فبدل أن يكون التنوع الطائفي والثقافي عامل غنى للوطن اللبناني، شكّل عامل انقسام أثر بشكل سلبي في تعريف الأفراد لهويتهم الوطنية والافتخار بها.

تشكّل الهوية الاجتماعية جزءاً مهماً من مفهوم الذات، الذي ينبع من “معرفة الفرد بأنه ينتمي إلى مجموعة معينة إلى جانب الأهمية العاطفية والقيمية له لعضوية هذه المجموعة”. وعليه، عندما ينتمي المرء إلى مجموعة معينة فعلاً لا قولاً، فإن تقييم الأحداث يكون مشتركاً بين أعضاء المجموعة، ما يحفز بدوره السلوكيات ذات الصلة بالمجموعة تجاه القضايا الداخلية أو الخارجية.

وعليه، تتحدث نظريات تشكيل الهوية الاجتماعية بشكل أساسي كيف تؤثر فكرة الانتماء في مفهوم الذات، وتفيد بأن القادة لهم دور كبير في تطوير حسّ الانتماء أو عدمه، وأن باستطاعتهم استخدام القدرات التي يتمتعون بها لتمثيل وتعزيز وخلق ودمج شعور بالهوية الاجتماعية المشتركة.

القيادة المحفزة للانتماء والفخر
تمارس القيادة المحفزة للانتماء تأثيراً فعالاً على الأفراد في المقام الأول من خلال جعلهم يفكرون ويشعرون ويتصرفون كأعضاء في المجموعة، أي تحفيز هويتهم الاجتماعية المشتركة “نحن” بدلاً من التركيز على الهوية الفردية.

وحين ينخرط القائد في تكريس سلوكيات تعزز الانتماء الوطني بدل تعزيز الانقسام، وتسليط الضوء على الخصائص الفريدة والخاصة والمميزة للانتماء الوطني، وتحديد قيمتهم الذاتية من خلالها، وتكوين شعور مشترك بـ “نحن”، سيكتسب الأفراد في المجموعة شعوراً بالهوية المشتركة.

وبعد تكريس الشعور بالهوية الوطنية، يمكن للقائد أن يجعل من “الفخر” صفة ملازمة للانتماء، انطلاقاً من تركيزه على الجوانب الإيجابية والإنجازات التي تم تحقيقها، وهو ما ينسحب على المنتمين الذين سيفتخرون بهذا الانتماء وينظرون إلى الانتماء الوطني كقيمة إيجابية.

 

وهو ما كرّسه السيد حسن نصر الله من خلال “إهداء الانتصارات التاريخية” إلى كل الشعب اللبناني، وهي الانتصارات الوطنية التي تمّ تحقيقها خلال انسحاب “إسرائيل” من لبنان عام 2000، وانتصار تموز 2005، بالإضافة إلى تكريس شعور الافتخار الوطني عبر مخاطبة اللبنانيين “يا أشرف الناس”.

ولعل التأثير الأكبر كان الفخر الذي شعر به اللبنانيون من مختلف انتماءاتهم الطائفية والثقافية بعد انتصار تموز التاريخي، بحيث بات كل لبناني فرح بانتصار المقاومة على “إسرائيل” يحتسب نفسه بأنه ينتمي إلى “أشرف الناس”، ويفخر بأنه من بلد دحر “إسرائيل” من أرضه من دون توقيع معاهدة سلام، وأنه انتصر على “أقوى جيش في الشرق الأوسط”

تأثير المهارة السياسية للقائد
إضافة إلى تأثير القيادة في تعزيز الشعور بالهوية المشتركة والفخر القائم على المجموعة، تبدو المهارة السياسية مهمة بالقدر نفسه إذ تلعب دوراً فعالاً في التأثير الاجتماعي.

يستطيع القادة الذين يتمتعون بذكاء اجتماعي وسياسي عالٍ وقدرة على التواصل استخدام إمكاناتهم لتحديد الصفات الفريدة والقيم والأهداف الأساسية للمجموعة بدقة، وتحديد محتويات هوية المجموعة وحدودها بوضوح، وتوفير واقع مناسب لها. ونظراً إلى أن بروز هوية المجموعة يشكل شرطاً أساسياً للفخر، فمن المتوقع أن تعمل المهارة السياسية للزعيم على تعزيز العلاقة بين القيادة القائمة على الهوية والفخر القائم على الانتماء.

وعلى هذا الأساس، ضمّن السيد حسن نصر الله خطبه ورسائله السياسية عدة مهمات منها التركيز على التماسك والوحدة الوطنية اللبنانية، والتوجيه المعنوي والأخلاقي، وتعزيز الالتزام بالمقاومة، والانفتاح على المكوّنات اللبنانية كافة، والسعي لمدّ الجسور ومنع المجموعات من التقوقع على ذاتها الطائفية، وساهم في تحويل الانقسام اللبناني إلى انقسام سياسي بدل أن يكون انقساماً طائفياً.

وبالإضافة إلى ما سبق، كان لخطابات السيد نصر الله تأثير استراتيجي على الداخل والخارج، وخصوصاً في قيادة الحرب النفسية على الإسرائيليين. ولشدة تأثيره النفسي والإعلامي، اعترف له – حتى أشد أعدائه- بقدرته الخطابية والبلاغية والرؤية الاستراتيجية، والذكاء الإعلامي. ونورد في ما يلي بعض الأمثلة على سبيل المثال لا الحصر:

تقول موسوعة بريتانيكا “لقد اتسمت قيادة نصر الله للمنظمة بشعبيته، إذ اعتمد على الكاريزما والسحر الخفي للتعبير عن رسالته. لم يكن متحدثاً نارياً أو مخيفاً، بل كان يبدو متفكراً ومتواضعاً وفي بعض الأحيان مرحاً.” وتضيف أن نصر الله أكد “أهمية الكرامة والشرف العربي، ولعب دوراً أساسياً في الدفاع عن لبنان”.

تصفه الصحافة الإسرائيلية بأنه “سيد الحرب النفسية”، إذ يستخدم مجموعة من الاستراتيجيات للتأثير في التصور العام الإسرائيلي والحفاظ على الروح المعنوية بين أنصار حزب الله.

وتقول إن “خطابات نصر الله محسوبة، فهي تجمع بين التهديدات المباشرة والغموض الاستراتيجي لخلق شعور دائم بالقلق في إسرائيل”، فحين يقول إن “العدو يجب أن ينتظر”، يفرض على المجتمع الإسرائيلي حالة من التأهب القصوى من دون معلومات ملموسة حول متى وكيف قد يتصرف حزب الله، ما يبقي “إسرائيل” على حافة الهاوية ويشكّل شكلًا من أشكال الضغط النفسي، وبالتالي اكتساب النفوذ من دون تدخل عسكري مباشر.

“أسوشيتد برس” تصفه بأنه”استراتيجي ماهر وكاريزمي” وأنه يحظى “بإعجاب أتباعه الشيعة في لبنان ويحظى باحترام الملايين من الآخرين في مختلف أنحاء العالمين العربي والإسلامي”. أما “تايمز أوف إسرائيل” فوصفته بأنه زعيم كاريزمي وأن موته يشكل حدثاً رئيسياً في المنطقة ككل.