Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر November 18, 2020
A A A
دوريل مصدوم من كمّ الخلافات
الكاتب: لينا الحصري زيلع - اللواء

كل المؤشرات تؤكد اننا اصبحنا في مهب ريح المسؤولين الذين يتخابطون بأرواحنا متجهين بنا الى غرق اكيد بسبب انانياتهم وعدم مسؤولياتهم وكيدهم السياسي، فيما الشعب المسكين يلفظ انفاسه الاخيرة ولم يعد ينفعه الاوكسجين الدولي الذي كان موعودا به، طالما الخلافات والحقد مستمران على ابسط التفاصيل، واصبح بعض مسؤولينا متفوقين في اضاعة الفرص والمبادرات التي كان من المفترض ان تنشلنا، واكبر دليل على ذلك الصدمة التي تلقاها الموفد الفرنسي باتريك دوريل الذي زار لبنان الاسبوع الماضي والتقى عدداً كبيراً من المسؤولين حيث عاد الى ادارته خائب الامال من عدم التزام من التقاهم بمضمون ما وعدوا به رئيسه إيمانويل ماكرون. والمؤسف ان الاهتمام الدولي بلبنان اكثر بكثير من اهتمام قادته الذين يتمسكون بمصالحهم ومكتسباتهم على حساب مستقبل البلد وابنائه.

وفي هذا الاطار تقرأ مصادر سياسية متابعة في العاصمة الفرنسية باريس لنتائج زيارة دوريل الاستطلاعية آسفة لانها لم تسفر عن اي خرق ايجابي مشيرة الى ان الرئيس ماكرون اراد من خلال ارساله مستشاره معرفة حقيقة العوائق التي تعترض تشكيل الحكومة اللبنانية ولكن من خلال الاتصالات واللقاءات التي اجراها المسؤول الفرنسي مع عدد من الاطراف اللبنانية تبيّن له ان هناك عقداً كثيرة تعترض التشكيل اكثر مما كانت ادارة بلاده تتوقع، وتستغرب المصادر وجود هذا الكم من العقد رغم ان خط الاتصالات بين بيروت وباريس مستمر بشكل يومي من اجل تسهيل ولادة الحكومة، وتأسف المصادر انه بعد مرور اكثر من 100 يوم على اطلاق المبادرة الفرنسية تم افراغها من مضمونها مرتين، ففي المرة الاولى هي عندما لم يتمكن الدكتور مصطفى اديب من تشكيل الحكومة في الوقت الذي كان محددا له، والمرة الاخرى لدى زيارة الرئيس ماكرون بيروت للمرة الثانية في اقل من شهر وذلك بداية ايلول حيث اجتمع مع الاطراف اللبنانية وعقد مؤتمرا صحافيا شدد خلاله على شروط المبادرة الفرنسية من اجل تشكيل حكومة «المهمة»، ولكن فشلت المبادرة من ناحية التشكيل بحيث كان من بنودها الاساسية ان يكون الوزراء من غير السياسيين وبالتحديد اختصاصيين كفوئين وان تكون مهمتها محددة لفترة قصيرة من اجل القيام باجراءات واصلاحات معينة، وان تكون بالفعل حكومة «مهمة» من اجل تنفيذ الورقة الفرنسية التي وضعها الرئيس الفرنسي امام الاطراف السياسية اللبنانية، ولكن يبدو ان المبادرة فشلت من الناحية السياسية بسبب تمسك معظم الاطراف السياسية بمطالبهم وشروطهم خصوصا من ناحية التمسك بتسمية الوزراء. وتشير المصادر الى ان العقد بدأت تتوالى بدايةً من خلال مطالبة الثنائي الشيعي بالتمسك بوزارة المالية ومن ثم رفض البعض لمبدأ المداورة ومن ثم برز التعطيل داخليا بتشكيل الحكومة، وترى المصادر انه على الصعيد الخارجي ايضا فإنه لم يكن هناك ضوء اخضر ايراني من اجل تشكيل الحكومة بسرعة.

وتتابع المصادر مشيرة الى انه من الناحية الاقتصادية فإن ورقة الرئيس ماكرون كانت واضحة بالنسبة لضرورة القيام بالاصلاحات المطلوبة، خصوصا ان جميع الاطراف تعهدت امام الرئيس الفرنسي الموافقة على هذه الورقة خلال زيارتيه الى بيروت، بإعتبار ان هناك نقاطاً اقتصادية هامة يجب الاخذ بها لاسيما في ما يتعلق بوقف الدعم واصلاح الادارة وزيادة النسبة على القيمة المضافة وغيرها من المواضيع المالية والاقتصادية الاساسية المطروحة، ولكن المفاجأة كانت باعلان بعض الاطراف رفضها لبعض البنود التي كانت وافقت عليها بداية مما افرغ المبادرة من مضمونها الاقتصادي والمالي بعد افراغها من مضمونها السياسي مما افقدها مصداقيتها، مع العلم انه كان من المقرر ان ينتج عن هذه المبادرة اجتماعان برعاية فرنسية الاول انساني، وكان من المقرر التئامه نهاية الشهر من اجل تقديم المساعدات الانسانية للمنظمات غير الحكومية فلم يتم تأكيده او تأجيله او الغاء انعقاده حتى الان ولكنه من المتوقع في حال انعقاده ان لا يشهد الزخم الذي كان مرجواً منه على صعيد مستوى التمثيل وتقديم المساعدات.

اما الاجتماع الاقتصادي فكان يهدف لجمع الاموال واعادة تجييش المجتمع الدولي من اجل مساعدة لبنان واعادة انعاش اموال مؤتمر «سيدر» ولكنه للاسف اصبح في حكم المؤجل طالما ان فرنسا لم تعد ترى سببا لعقده اذا لم يتم تشكيل حكومة «المهمة» والقيام بالاجرءات والاصلاحات المطلوبة لان الدول المانحة اكتشفت ان الطبقة السياسية الموجودة في البلد هي طبقة فاسدة.

ولكن السؤال الذي يُطرح ماذا يمكن ان تقوم به فرنسا بعد ما قامت به لا سيما بعد عودة دوريل بالملاحظات السلبية التي جمعها خلال زيارته الى المسؤولين اللبنانيين في ظل عدم قيامهم بأي تحرك ايجابي من اجل اعادة تنشيط عملية تأليف الحكومة فهل ستبقى زيارة ماكرون الى لبنان في موعدها المحدد منتصف الشهر المقبل ام سيتم الغاؤها او ستقتصر فقط بزيارة كتيبة بلاده العاملة في الجنوب لمناسبة عيد الميلاد دون لقاء احد من المسؤولين؟ تجيب المصادر انه في حال زار كتيبة بلاده دون لقاء احد من المسؤولين اللبنانيين يكون عندها وجه صفعة لهم، خصوصا ان لدى ماكرون هموم داخلية كثيرة ومن الجيد انه يعطي وقتا للبنان فهناك العديد من المشاكل الداخلية في فرنسا وعلى رأسها ازمة كورونا والتي نتج عنها ازمات اقتصادية كبرى.

واعتبرت المصادر ان الخطأ الذي قامت به الديبلوماسية الفرنسية هو اعطاء عدة فرص للبنانيين حيث كان يجب على الرئيس ماكرون عدم اعطاء مهلة اسبوعين للمسؤولين اللبنانيين في المرة الاولى من اجل تشكيل الحكومة بل كان عليه اعطاءهم فقط 48 ساعة. فهم عادوا الى عادتهم القديمة في تشكيل الحكومة خصوصا من خلال الابتزاز الذي يمارس مع الرئيس الحريري.

وتبدي المصادر عدم تفاؤل بالاوضاع في لبنان رغم ان هناك معلومات تشير بانه ربما خلال الساعات المقبلة قد تحدث زيارة دوريل خرقا باعادة انعاش المبادرة التي تم التنازل عن كثير من بنودها من قبل الجانب الفرنسي.

وترفض هذه المصادر الربط بين العقوبات الاميركية التي كان من المعروف وضعها على بعض الشخصيات اللبنانية وعرقلة التشكيل، لا سيما بالنسبة الى وضع اسم جبران باسيل على اللائحة حيث تمت مقاطعته من قبل عدد من الموفدين الاميركين الذين زاروا لبنان مؤخرا مما يؤكد ان قرار العقوبات كان متخذاً منذ فترة بحقه من دون الاعلان عنه.

واكدت المصادر على استمرار المساعدات الانسانية الفرنسية للبنانيين لا سيما الطلاب منهم الذين يدرسون في فرنسا وهم يعانون الامرّين في ظل الاوضاع الصعبة الذي يمر به لبنان، وهذا دليل اضافي بأن باريس تؤمن بالشعب اللبناني المعذب وماكرون اعلن انه لن يترك اللبنانيين.