Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر July 12, 2018
A A A
دلال الدويهي لموقع المرده: التفكك الأسري يفتك بالبناء الاجتماعي وهذه هي الحلول!
الكاتب: سعدى نعمه - موقع المرده

“التفكك الأسري تجربة قاسية ومريرة وله آثار مدمّرة على حياتنا خاصة على من هم من عمري “الله ما يدوّق حدا مرارتو”، بهذه الكلمات المؤسفة تروي الطفلة “آنّا” تجربتها مع طلاق والديها وما عانته من الأمرّين.
ابنة الحادية عشر عاماً، انفصل والداها يوم كانت في عمر السبع سنوات وبعد الطلاق بفترة وجيزة تزوجت أمها من رجل آخر وتركتها في بيت جديها وبعد مرور سنة على زواج الأم، ظهرت على الطفلة اضطرابات جلدية (اكزيما)، ولم تتماثل للشفاء رغم خضوعها للعلاج بالأدوية لفترة تجاوزت ستة أشهر، وقد لاحظ المشرفون أن فشل العلاج يعود إلى تلذذ الطفلة “آنّا” بحك المناطق المصابة، لكنها تحسنت بالعلاج النفسي.
تجربة “آنا” غيضٌ من فيض، أطفالٌ كُثُر عانوا ما عانته والامثلة جمّة في هذا المجتمع الذي يعاني من هذه الظاهرة التي بدأت تتضاعف يوماً بعد آخر.
وللغوص أكثر في هذه الظاهرة الرائجة، كان لموقع المرده هذا الحديث مع الدكتورة والمتخصصة في علم الاجتماع السيدة دلال الدويهي الجعيتاني التي أكدت أن الباحثين في علم الاجتماع يختلفون بتحديد مدلول ” التفكك الأسري”، فالبعض يعرّفه بأنّه حالة تشير إلى التوتر أو التصدّع أو ضعف يطرأ على النسق الأسري، والتفكك الكامل الذي يؤدي إلى تحطيم أو انهيار النسق أو الوحدة الأسرية. والبعض الآخر يعتبره حالة من التدهور التي تصيب الضوابط الاجتماعية، أو تحلل في الأدوار الاجتماعية، وإخفاق في تأدية الأدوار المنوطة به ضمن الأسرة على نحو ملائم مع منظومة القيم التي اعتادت الأسرة على نمطها.
من الشائع ربط ظاهرة ” التفكك الأسري” بظاهرة ” الطلاق” أو ” انفصال أو هجرة الزوجين”، بيد أنّ حالة الطلاق تشكل أحد أعلى مرحلة من مراحل الصراع والنزاع، تحقق بموجبه عملية التفكك داخل الأسرة، إلاّ أنّه لا يشكل السبب الرئيسي في تنامي هذه الظاهرة، هناك عوامل أخرى، يمكن أن تشهدها الأسرة التي يستمر فيها الزواج ، ولكنها تودي إلى نتيجة ” التفكك” في جسم العائلة.
وأوضحت أن الأسرة تواجه نوعين من التفكك في جسمها العائلي، الأوّل مباشر ويطال الزوجين بشكل أساسي، ينتج عنه عملية الهجرة أو الانفصال أو الطلاق. أمّا النوع الآخر الأكثر تنامياً في كنف العائلة، هو التفكك غير المباشر، والذي يطال أفراد الأسرة الذين يعيشون تحت سقف واحد، والتي تشمل، عامل الصراع على الأدوار بين الرجل والمرأة، أو غياب لدور الأب أو الأم أو الاثنين معاً، عامل الأحداث الفجائية كالمرض أو ظرف اقتصادي، انخفاض أو شبه غياب التواصل بين الزوجين أو مع الأولاد… وغيرها من العوامل إلاّ أنّ أحد أبرز العوامل التي باتت تصنّف كشبه ظاهرة، تكمن في بروز ما يمكن تسميته
” الفردانية المعاشة”، التي فرضت تلقائياً على العائلات سلّم من الأولويات، قوامها ” الفرد” وليس ” الجماعة”، و ساعدت في سرعة تفكك روابط التضامن الاجتماعي التقليدي، بمختلف أوجهه وأشكاله، وفتحت لها ” مظاهر التغيير” التي فرضتها عملية ” مواكبة الحداثة والتطوّر”، من تقنيات التواصل والاتصال، وبالأخص مواقع التواصل الاجتماعي، أفقها الأوسع.
فقد اجتاحت ” الفردانية المعاشة” بتعدد مكوّناتها، العائلات اللبنانية، وعرّضت معظمها لضمور التفكك، التشتت، والاختلاف، كما طوّقت العلاقات التقليدية بين الناس بجدار من العزلة، حيث ينفرد كل منهم منكباً على حاسوبه يتصفح المواقع الالكترونية، أو غارقاً في الحوارات مع أصدقاء أو مع أناس مجهولين.
ومما لا شكّ فيه، أنّ ” التفكك الأسري” يؤثر بشكل كبير على كافة أفراد الأسرة داخل المنزل أو ضمن علاقاتها في المجتمع، حيث يسود جوّ من ضعف الأمان والاستقرار داخل الأسرة، قد تؤثر بشكل سلبي على سلوك الزوجة والزوج والأولاد، وقد يلجأ بعضهم إلى تحقيق أهداف مرجوة بطرق غير مشروعة نتيجة حالة الاضطراب والقلق التي تطغي بشكل يومي على الأجواء العائلية.
وفريسة ” التفكك الأسري” الأولى يقع ضحيتها الأبناء، إذ أنّ التسرب الدراسي، التشرد، المخدرات، السرقة، الانعزال الاجتماعي، أصدقاء السوء…. وغيرها من المشاكل التي قد يتعرضون لها، تدرج هذه الفئة تحت إطار ما يسمى ” بالحالات الاجتماعية”، وتحيطهم بمشاكل نفسية متعددة، قد تغير نمط سلوكهم، وتحوّل يومياتهم البريئة إلى باقة من الهموم والمشاكل والرفض والعدائية تجاه العائلة والمجتمع.
أمّا الفريسة الثانية لهذه الظاهرة، هي الزوجان، فقد تتعاظم المشاكل فيما بينهما، وتأخذ شكل صراع مستمر في اتجاهات تؤدي إلى وهن الروابط، وبالتالي اختفاء الأهداف والاهتمامات المشتركة بين الزوجين، طغيان المصلحة الشخصية على المصلحة الأسرية، زيادة العدوانية واللامبالاة تجاه الآخر، تلاشي الخدمات المتبادلة وشبه غياب للدور الإنجابي لكل من الزوج والزوجة، بحيث يتخلى الرجل عن دور الزوج والأب أو المرأة عن دور الزوجة و الأم. أضف إلى ذلك زيادة فرص الاصطدام والمشاكل، فتتخذ بذلك العلاقة الزوجية طابعاً سطحياً وتدمر آخر نفس من الأمل في إنقاذ ما تبقى من أسس لهذه العلاقة.
وأشارت الدويهي الى أنه على الرغم من اختلاف معدلات التفكك الأسري من مجتمع لآخر تبعاً للظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتبعاً للقيم والمعايير والدين التي يؤمن بها المجتمع، إلاّ أنّ مفاعيله السلبية تفتك بالبناء الاجتماعي لكافة الأسر بغض النظر عن أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية.
أما عن الحلول التي يمكن أن تنقذ العائلات من خطر التعرّض لظاهرة التفكك، لفتت الدويهي الى أن بعض الباحثين اقترحوا تعزيز مسألة الإرشاد الزوجي والتي لاقت ازدهاراً ورواجاً في الكثير من الدول، والبعض الآخر اقترح تكثيف حملات التوعية لمكافحة هذه الظاهرة، وآخرون شددّوا على مسألة التخطيط المسبق لحماية الأسرة من هذه الظاهرة، والتشجيع على تنفيذ دراسات في هذا الإطار، وغيرها من الدراسات في المواضيع الاجتماعية والنفسية والاقتصادية، التي تخدم قضية الأسرة وتقدّم حلولاً لمكافحة هذه المشكلة.
واضافت: “على الرغم من كل هذه المحاولات، مازالت المجتمعات والعائلات تعاني من تفشي هذه الظاهرة، التي أصبحت متعايشة بشكل تلقائي مع أفراد الأسرة، تنطبع في حياتهم اليومية، متخذة مقراً ثابتاً في منظومة علاقاتهم مع بعضهم البعض، متمركزة في صلب مشاعر الأنانية والعدوانية ورفض الآخر، تبني لها حصناً قوياً ضدّ محاولات التغيير الإيجابي، تفتك بشريان المشاعر الإنسانية، وتودي بحياة الكثيرين نحو هاوية الضياع والهلاك النفسي والاجتماعي”.
واعتبرت الدويهي أن الناس بمعظمهم أصبحوا رهينة هذه الظاهرة، يخضعون لقوّتها ويسيرون تحت ظلها الخفيّ، مستسلمين لمغريات العصر، غارقين في كرة المشاكل التي تحيط بهم وتزداد يوماً بعد يوم.
وشددت قائلة: “نعم، هناك من يرفض المحاولات للتغيير الإيجابي، وهناك من يقاوم أي محاولة لترتيب العلاقات، تحت أعذار الكرامة، وعزة النفس، ومحدودية القدرة على التحمّل، وعدم القدرة على التسامح”.
واعتبرت الدويهي أنّ عامل ” التشبث بالرفض”، بغض النظر عن الحجج التي يقدمها الآخر، أصبح يشكل خطراً مدقعاً على العلاقات، التي تفكك عائلاتنا، وتترك وراءها مشاكل اجتماعية كثيرة لم يعتد عليها مجتمعنا”.
واستطردت قائلة: “هنا لا بدّ من التشديد على تنفيذ دراسات في هذا المجال، ترتكز بشكل أساسي على دراسة آلية تطوير شخصية الشاب والشابة منذ مراحل المراهقة، وتدريب هذه الشخصيات على مقاومة التغيير السلبي وعدم الاستسلام لمواجهة التحديات التي قد يتعرضون لها في المستقبل، خاصة فيما يتعلق بعلاقاتهم العاطفية، والبحث في سبل تدعيم هذه الشخصيات وتحصينها بتقنيات التواصل وحلّ النزعات وإعادة ترتيب العلاقات”.
وخلُصت في حديثها الى القول ان عملية التنشئة الاجتماعية هي من أسمى العمليات التي يمكن أن يخوضها مجتمع في سبيل مقاومة ومكافحة أي ظاهرة أو آفة اجتماعية، وعليه، نحن نشجع الجامعات على تنفيذ دراسات مماثلة يمكن البناء عليها وتحفيز من خلالها المؤسسات التربوية، والأندية الكشفية، على تبني نتائج هذه الدراسات وتحويلها إلى سياسة تربوية واجتماعية أساسية في تطوير منظومة العلاقات بين الناس، لاسيمّا العلاقات العاطفية والأسرية.