Beirut weather 21.41 ° C
تاريخ النشر November 19, 2016
A A A
داعش تستعد لإرسال شريط مصور يظهر فيه الجنود اللبنانيون
الكاتب: علي الحسيني - الأفكار

خلال معارك الأيام الخمسة التي كانت نشبت في عرسال على اثر اعتقال الجيش اللبناني عماد جمعة الذي ينتمي إلى جماعة تُدعى فجر الإسلام المرتبطة بتنظيم داعش، احتجزت كل مِن جبهة النصرة وداعش 28 جندياً ودركياً لبنانياً، ثم بعد مفاوضات امتدت بين مد وجزر، أفرجت النصرة ضمن التسوية التي جرت بدايات السنة الجارية عن 13 عنصراً كانوا في حوزتها، وبقي 10 جنود لدى داعش، بعد إقدامها على قتلِ الرقيب علي السيد، واحتفاظها بجثة جندي آخر. والابرز هو السؤال: أين اصبحت قضية الجنود اليوم؟ وهل ما زالت محل متابعة من الدولة اللبنانية؟

أين أصبحت قضية المخطوفين؟
جنود لبنانيون متركون لقدرهم منذ شهر آب العام 2014، فلا خبر من وراء الحدود ولا من داخلها يُمكن أن يرد الروح لأهالي فعلوا كل ما في وسعهم من اجل الافراج عن ابنائهم، لكنهم لم يُفلحوا وسط تقاعس واضح من دولتهم التي تهاونت مع القضية منذ بدايتها وهي التي كان باستطاعتها فعل الكثير خصوصاً في الساعات الاولى على عملية الاختطاف التي حصلت يومها في عرسال. لكن جديد قضية العسكريين المخطوفين اليوم، هو المعلومات التي تم التدوال بها خلال الاسبوع الماضي والتي تحدثت عن انه جرى نقلهم من الجرود الى محافظة الرقة معقل تنظيم داعش، الأمر الذي صعّب على الاهالي مهمتهم واحبط من عزيمتهم لأسباب كثيرة منها، أن عملية التفاوض باتت تُشكل عقدة تُضاف الى العقد التي كانت وضعت يوم كانت التأكيدات تصب في ان العسكريين موجودون في جرود القلمون وتحديداً لجهة الحدود اللبنانية القريبة من بلدة عرسال البقاعية.

الاسبوع الماضي افردت بعض الصحف المحلية معلومات تتعلق بالعسكريين اللبنانيين حيث ذهب بعضها الى حد التأكيد أن عملية تفاوض سرية تجري حالياً بين أحد المسؤولين الامنيين اللبنانيين وجهات مقربة من الخاطفين وذلك بمساعدة جهاز أمني عربي قد يكون الجهاز القطري. فيما راحت صحف اخرى تتحدث عن تأكيدات أرسلها داعش لوسطاء تفيد بأن الجنود أصبحوا فعلاً في الرقة وانهم لا يزالون احياء بالإضافة الى احتفاظ التنظيم بجثة جندي لبناني لديها، وأبرز ما جرى نقله، ان <داعش> سوف ترسل شريطاً مصوراً يظهر فيه الجنود اللبنانيون كدليل مادي وحسي للدولة اللبنانية وكبادرة منها بأنها على استعداد لاستكمال عملية التفاوض التي كانت انتهت بشكل مفاجئ.

lebanon2

أين هي الحقيقة؟
<الافكار> حصلت على معلومات تؤكد بأن العسكريين المخطوفين لم يتم نقلهم على الاطلاق الى الرقة وانهم ما زالوا في مكان ما في الجرود مثلهم مثل بقية العناصر الذين ينتمون الى داعش والنصرة وتنظيمات أصولية أخرى. وتقول المعلومات ان نقل العسكريين الى الرقة ليس بالأمر السهل بل انه من سابع المستحيلات خصوصاً وان عملية نقلهم الى هناك، تتطلب المرور اما بمناطق تخضع لسيطرة النظام السوري، او بمراكز يتمترس فيها حزب الله والحرس الثوري الايراني وهو أمر فيما لو حصل فعلاً، فإنه يضع النظام والحزب في موضع تساؤل وشك وهو ليس في مصلحتهما خصوصاً وانه يأتي في وقت كانت وُجهت فيه اتهامات عديدة لحزب الله بأنه يقوم بعرقلة عملية التفاوض منذ لحظة انطلاقها، وهو أمر نفاه الحزب أكثر من مرة على لسان أمينه العام السيد حسن نصر الله. ولكن في الوقت عينه، لم يخرج أي نفي او تأكيد سواء من النظام أو الحزب حول عملية نقل العسكريين من الجرود الى الرقة. والجميع يعلم انه ليس لداعش طائرات خاصة يُمكن ان ينقل من خلاله عناصره او العسكريين عبر الجو الى محافظة الرقة.
وبحسب جهة اقليمية متابعة للملف، فإن الجهة اللبنانية المكلفة بمتابعة هذا الملف وإدارته بتفويض من الحكومة، كانت قد طالبت خلال الفترة المنصرمة بأن يقوم داعش بخطوة ما تؤكد وجود العسكريين المخطوفين لديه على قيد الحياة، خصوصاً بعد مرحلة طويلة سادها التشويش حول مصير العسكريين، وبخاصة بعد التسريبات التي كان التنظيم نفسه قد بثها يوم اطلاق سراح العسكريين الذين كانوا مختطفين لدى جبهة النصرة، بأنه قد جرت تصفية بعض العسكريين لديه، وهذا الأمر يتحمله التنظيم نفسه، باعتباره هو من سرب معطيات متناقضة. فمرة يُنقل عن أحد قيادييه انه قد تمّت تصفية العسكريين بأجمعهم، ثم يعود قيادي آخر ليسرّب معلومات بأن عدداً قليلاً من العسكريين المخطوفين قد تمت تصفيتهم من دون ذكر الاسماء فيما لا يزال الباقون في عهدة التنظيم في الرقة، اضافة إلى رواية ثالثة تقول ان اثنين من العسكريين انشقا وبايعا التنظيم ثم انتقلا للقتال في صفوف التنظيم في الرقة، فيما لا يزال السبعة الباقون أسرى من دون معلومات اضافية.

اللواء ابراهيم: داعش لم يفوا بوعودهم
منذ فترة وجيزة، قصد أهالي العسكريين منزل الأسير المحرر من جبهة النصرة أو ما يعرف حالياً بجبهة فتح الشام محمد طالب في حي الفيكاني – البقاع، للقاء المدير العام للامن العام اللواء عباس إبراهيم الذي كان يزور البقاع، الى مأدبة غداء تكريمية أقيمت للواء إبراهيم للجهود التي بذلها في هذا الملف، بدعوة من المختار طلال طالب والد الأسير المحرر. ومن هناك أكد اللواء ابراهيم، للأهالي أن البحث لا يزال مستمراً عن مفاوض جدي في ملف أبنائهم، وان الدولة مستعدة للتفاوض في أي لحظة تجد فيها هذا الوسيط.
وصارح اللواء ابراهيم الأهالي بأن الطرف الآخر أي داعش، لا يزال يرفض التفاوض، مضيفاً: لا أستطيع أن أطمئن ولا أن أقول لهم إنهم اغتيلوا، فليست لدينا معلومات دقيقة. عندما كنا نجد مفاوضاً كان شرطنا الأول أننا نريد اثباتاً بأنهم أحياء وقد وعدنا بهذا الإثبات كثيراً لكنهم لم يفوا بوعودهم، لكن هذا لا يمنع ان يكون دائماً في أي بلد نذهب اليه وأي شخصية نلتقيها، ملف العسكريين المخطوفين لدى داعش حاضراً بمن فيهم الجثث أعني الجثتين والعسكريين التسعة الذين ما زالو احياء بالنسبة إلينا. وشدد على أنه سيحاول بكل الطرق والوسائل المتاحة الإتصال والتواصل مع من يلمس منهم أي مساعدة في هذا الملف. بعد كلام اللواء ابراهيم، اجمع الاهالي على انه بالرغم من أنهم لم يسمعوا منه ما كانوا يتمنون ان يسمعوه، فإنهم جددوا ثقتهم به وبجهوده التي يبذلها من أجل حل ملف أبنائهم.

الحاج حسن: تضارب في معلومات الدولة
رئيس التيار الشيعي الحر الشيخ محمد الحاج حسن لديه شقيق مخطوف لدى داعش، يشير الى أن أهالي العسكريين الاسرى لدى داعش، حرصوا منذ البداية على إسناد ملف أبنائهم الى الدولة اللبنانية كونها المرجعية الطبيعية والوحيدة الصالحة في معالجة الأزمات الوطنية، إلا أن خلية الأزمة المكلفة من قبل الحكومة المستقيلة لمتابعة الملف وإيصاله الى خواتيم سعيدة، تراخت لا بل تخاذلت بعد عملية التبادل مع جبهة النصرة في جرود عرسال، وما يزيد في طين هذا البلاء بلة، هو تضارب المعطيات بشكل فاضح بين رئيس الحكومة المستقيلة تمام سلام وقائد الجيش العماد جان قهوجي، بحيث كشف الاول خلال لقاء سابق مع أهالي العسكريين عن تقاطع معلومات استخباراتية ومفادها بأن تنظيم داعش نقل الاسرى الى منطقة الرقة، فيما يؤكد الثاني عدم امتلاكه أي معلومات عن مصيرهم أو مكان وجودهم، علما أن لدى الاهالي معلومتين مختلفتين، الاولى تفيد بأن العسكريين تمت تصفيتهم فيما تفيد الثانية بأنهم في جرود عرسال.

إرباك حتى في صفوف الأهالي
بالتزامن مع بدء التحضيرات لعملية الموصل، انتشر خبر يُفيد بوجود وسيط قطري للتفاوض مع داعش بشأن العسكريين المخطوفين، لكن سرعان ما نفاه المسؤولون عن القضية جملة وتفصيلا. مصدر عربي بارز يعمل على خط التفاوض اكد ل الأفكار ان لا معلومات لديه حول الأخبار التي يتم تناولها سواء عن عملية التفاوض عن طريق الوسيط القطري، او عن مكان العسكريين وأنه حتى لم يستطع الحصول على اجابة من المسؤولين، مشيراً الى ان الإعلام للأسف، لا يقدر حساسية الموضوع فتنتشر الخبريات من هنا وهناك، من دون ان يُعرف مصدر الخبرية أو السبب وراء نشرها خصوصاً انه سبق ان دعونا وسائل الاعلام اكثر من مرة، الى توخي الحذر في نشر اخبار كهذه لما لها من ردود فعل سلبية في نفوس اهالي العسكريين الذين يتعلقون بقشة او بخبرية من هنا وهناك، يُمكن أن تدلهم على طريق حرية أبنائهم.

هل يكون الأسير مقابل العسكريين؟
جلسات محاكمة الشيخ احمد الأسير تتأجل من يوم الى آخر، إما بسبب مرضه، أو بسبب غياب وكلاء الدفاع عنه. وسط هذه التأجيلات أو تسريح المحاكمة من تاريخ الى اخر، ثمة اخبار يجري تناقلها تتحدث عن ان الأسير يُمني النفس بأن يتم مقايضة قضيته بقضية العسكريين المخطوفين لدى داعش، حتى ان ثمة من يذهب الى حد التأكيد بان لدى الأسير وبعض المقربين منه، معلومات تقول ان عملية التفاوض سوف تحصل عاجلاً ام اجلاً وان داعش سيطالب بإخراجه من السجن كشرط أساسي من جملة الشروط التي سيطرحها على الحكومة اللبنانية لاحقاً.
ومنذ فترة وجيزة انشغلت وسائل الإعلام بخبر يتعلق بمفاوضات مع الدولة الإسلامية للإفراج عن الأسير على رأس لائحة المفرج عنهم مقابل الجنود اللبنانيين المخطوفين لدى داعش.  والخبر نشره مُغردون يدورون في فلك التنظيم المتشدد من خلال تغريدة تدعو الى أن يُكافأ الأسير على مواقفه المؤيدة لداعش بوضعه على رأس اللائحة في المفاوضات مع الحكومة اللبنانية في ملف العسكريين اللبنانيين. وفي هذا السياق يتحدث انصار الأسير عن وسيط مفوض من الدولة اللبنانية كان قد اجتمع بأمير تنظيم داعش في القلمون لإعادة الحرارة إلى ملف العسكريين التسعة المخطوفين لديه، لكن اللقاء لم يسفر عن جديد اذ أبلغ أمير التنظيم الوسيط الذي زاره، وهو سجين سابق خرج من السجن مؤخراً وكُلف بمهمة التواصل مع قيادة التنظيم لحل هذه المسألة، انه إذا لم يوافق والي الشام على المفاوضات فلن تكون هناك مفاوضات.

أي عيد استقلال وعناصره في الأسر؟
ووسط هذه المعمعة والتضليل في المعلومات التي يُسربها تنظيم داعش حول مصير العسكريين، تقف والدة العسكري المخطوف حسين عمار على باب خيمة الاعتصام حائرة لا تعرف للمناشدة طريقاً غير الدعوات الى الله ليفرج أسر ابنها ورفاقه. هي التي ما عادت ترى في الحياة فرحاً بعدما تحولت الى كتلة من الحزن منذ ان غاب ولدها وراء التلال. تقول الوالدة المفجوعة بغياب ولدها: لا أعياد وولدي بعيد عني ولا أعرف عنه شيئاً منذ عامين. أي عيد استقلال هذا وعناصر من الوطن في الأسر خارج الوطن. العيد يكون بعودتهم ان شاء الله، وادعو الله ان يجمعني به وبرفاقه عما قريب وان يكون في العيد المقبل الى جانبي.
من المؤكد ان التكلفة التي دفعها اللبنانيون كانت غالية ومرتفعة يوم تسلل الارهاب من وراء حدود الوطن الى الوطن نفسه. أسر وموت وتفجيرات وخطف ورعب واستباحة واعتداء على كرامات الناس، جميعها وضعت عنواناً بارزاً لمرحلة جديدة من الصراع هو مواجهة التكفيريين، كانت رسمتها قوى اقليمية لا تكن سوى الشر للبنان. فيوم خرج العسكريون المخطوفون لدى جبهة النصرة، ظلت الفرحة منقوصة، وفي حين خرج فيه عسكريون من الاسر بعد عام وخمسة أشهر على اختطافهم، أبقى سجان ارهابي على حجز حرية تسعة سجناء من طينة وطن غال لكنه يترنح بين وطأة الضغوط الاقليمية التي تحاصره من جهة والصعوبات التي تواجهه في عمليات التفاوض على ما تبقّى من جنوده الأسرى من جهة أخرى.

متى يكون اللقاء؟
عامان مرا على عملية الخطف، والوعود هي نفسها تتكرر من مناسبة الى اخرى. أمهات أضناهن الفراق والتعب وقلق انتظار خبر يقين عن أولادهن. ادعية تتردد على ألسنتهن ووحده الله رفيقهن في اللحظات العصيبة، ووحده الدمع يسايرهن في لحظات السكون. امهات ذقن مرارة البعد وتشابكت صلواتهن في صوت واحد وكلمة واحدة.. يا رب افرجها علينا. عائلات خبرت كل فصول السنة على الطرقات وداخل الخيم وعاصرت الحر والبرد في أحلك الظروف وأصعبها، وعلى الرغم من الوقت الذي بدأ يأكل من صحة بعضهم، فقد قرروا الصمود حتى ولو لم يتبقَ من العمر سوى مسافة نظر محدودة يُمكن ان تضعهم بين حقيقة مرّة وبين فرحة توازي امتلاك الدنيا. متى يكون اللقاء؟