Beirut weather 17.99 ° C
تاريخ النشر December 20, 2025
A A A
خيارات سمير جعجع الخاطئة.. من رهان التعطيل إلى خطاب التبرير!..
الكاتب: غسان ريفي

كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”

تفاعل إنعقاد الجلسة التشريعية بنصاب ٧٥ نائبا بعد فشل القوات اللبنانية وحلفائها في تطيير نصابها وتعطيلها ما شكل إنقلابا على خياراتها.

في هذا الإطار، يواصل رئيس حزب “القوات” سمير جعجع التمسك بخيارات سياسية أثبتت الوقائع المتتالية محدوديتها، بل وخطورتها على موقعه ودوره. وآخر هذه الخيارات كان الرهان على التعطيل في محاولة لفرض منطق سياسي أظهرت الوقائع أنه لم يعد يحظى بالإجماع ولا حتى بالحد الأدنى من التفاهم العابر للطوائف.

فشل هذا الرهان لم يكن تقنياً ولا عابراً، بل عكس خللاً بنيوياً في قراءة جعجع للتوازنات السياسية المستجدة. فالجلسة انعقدت بنصابها، وسقطت محاولة التعطيل، ما كشف تراجع قدرة “القوات اللبنانية” على التأثير في مسار الاستحقاقات عبر سلاح المقاطعة أو الضغط المعنوي على الحلفاء والخصوم على حد سواء.

 

بدلاً من مراجعة هذا الخيار، لجأ جعجع في مؤتمره الصحافي أمس إلى خطاب تبريري تقليدي، قوامه اتهام “الرؤساء الثلاثة” بالتواطؤ، وبإحياء “الترويكا” في إعادة إنتاج لنظرية المؤامرة التي باتت تُستخدم كلما فشل خيار سياسي أو سقط رهان.

هذا الاتهام، وإن كان موجهاً للاستهلاك الشعبي، لا يقدّم تفسيراً مقنعاً للرأي العام، ولا يعفي صاحبه من مسؤولية سوء التقدير السياسي.

 

الأخطر من ذلك، هو محاولة جعجع تحريض المغتربين على أركان الحكم بمنعهم من المشاركة والتصويت في الانتخابات النيابية المقبلة، قبل أن يناقض نفسه ويدعو المغتربين في حال السير بالقانون النافذ الحضور إلى لبنان وممارسة حقهم في الاقتراع.

لا شك في أن هذا الخطاب التصعيدي المتناقض لم يعد يلقَى صدىً إيجابياً حتى لدى من كان يُفترض أنهم أقرب إلى منطق جعجع السياسي، خصوصا بعد انقلاب عدد من النواب على دعوته إلى التعطيل، ولا سيما في صفوف أكثرية النواب السنّة، الذين إنتقدوا جعجع وخطابه المتعالي واختاروا المشاركة في الجلسة انطلاقاً من قراءة مختلفة لأولويات المرحلة، تقوم على تشريع الضرورة وتفادي الشلل المؤسساتي، لا على تسجيل المواقف العالية السقف.

هذا التحول يعكس حقيقة أساسية هي أن منطق جعجع التصادمي لم يعد قادراً على جمع تحالفات عريضة، بل بات يدفع قوى وازنة إلى النأي بنفسها عنه، خشية الوقوع في مأزق التعطيل المفتوح الذي يدفع ثمنه البلد ومؤسساته. كما يكشف أن محاولة احتكار التمثيل السياسي أو فرض أجندة أحادية على مكونات متعددة لم تعد قابلة للحياة في ظل الانهيار الشامل الذي يفرض مقاربات أكثر براغماتية وواقعية.

في المحصلة، يظهر فشل تعطيل النصاب كمحطة إضافية في مسار خيارات خاطئة، عنوانها سوء قراءة الواقع وتغليب الخطاب الشعبوي على الفعل السياسي المنتج. وإذا لم يبادر سمير جعجع إلى مراجعة عميقة في نهجه، فإن خسارته لن تقتصر على معركة تشريعية هنا أو موقف هناك، بل قد تمتد إلى موقعه ودوره في أي تسوية مقبلة يحتاجها لبنان أكثر من أي وقت مضى.