Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر November 28, 2017
A A A
خطر داعش المقبل في استخباراته.. جواسيس في أوروبا وتهديدات قبل الميلاد
الكاتب: جورج عيسى - النهار

نالت الاستراتيجيّة الدعائيّة لتنظيم داعش قسطاً كبيراً من الأضواء الإعلاميّة والبحثيّة لدى مقاربة نشأته وتمدّده السريعين. حتى مع هزيمته الميدانيّة الكاملة التي تقترب من التحقّق، يشير الباحثون إلى أنّ إعلام داعش سيستمرّ في العمل على جذب مزيد من المقاتلين لضخّ آلة القتل بمزيد من الشحن. لكن بموازاة ذلك، قد يعيد داعش تفعيل سلاح آخر استعمله سابقاً من أجل تنظيم خلاياه النائمة وتحديد أهدافه “الرخوة”: المخابرات.

لم يكن التهديد الذي أطلقه داعش منذ أيّام باستهداف مراكز التسوّق أثناء عيد الميلاد المقبل جديداً بمضمونه. فقد سبق له أن أطلق تهديداً مماثلاً السنة الماضية محذّراً من أنّه “سيبدّل ألعابهم (المسيحيّين) الناريّة بأحزمة ناسفة ومتفجّرات، وستحوّل الغناء والتصفيق إلى بكاء وعويل”. لكنّ التهديد الأخير يترافق مع نيّة داعش في الانتقام من هزائمه كما يترافق مع تقارير تتحدّث عن أنّ وحدته المخابراتيّة “ترفض أن تموت”، بحسب ما جاء في تحقيق منذ أيّام في صحيفة “ذا وول ستريت جورنال” الأميركيّة.

إرسال الجواسيس إلى أوروبا
في آب 2016، أجرت صحيفة “نيويورك تايمس” الأميركيّة مقابلة مع إرهابيّ ألمانيّ التحق بداعش حيث استقبله أعضاء من وحدة المخابرات المعروفة ب “أمني” وقالوا له إنّهم ليسوا بحاجة للأجانب في سوريا. وأوضح الرجل للصحيفة أنّ إرهابيّي التنظيم كانوا منتشرين في أوروبا لشنّ اعتداءات دمويّة، وقد علم بذلك حتى قبل هجمات بلجيكا في آذار من العام نفسه. وكتبت الصحيفة أنّ المخطّطات الإرهابيّة كانت تجري بالتوازي مع الحملة الدعائيّة. وكانت صحيفة “لو باريزيان” الفرنسيّة أوضحت أنّ “أمني” تعمل على تحقيق عدّة أهداف من بينها إرسال الجواسيس الإرهابيّين إلى أوروبا.

زرع جواسيسه قبل إعلان “دولته”
في كانون الأوّل من العام الماضي، أصدرت مديرة ونائب مديرة “المركز الدولي لدراسة العنف المتطرّف” التابع لجامعة “جورج مايسون” آن سبيكهارد وأحمد يَيلى دراسة مطوّلة عن جذور جهاز الاستخبارات داخل داعش وطريقة عمله. وذكرت الدراسة أنّ مقاتلي التنظيم زرعوا قبل فترة طويلة من اجتياحهم للقرى مجموعة من المخبرين ليرسموا فكرة واضحة عن المواقف السياسيّة والعقائديّة. كما أمِروا باغتيال أعداء محتملين أو أشخاص غير راغبين بالعمل معهم. وأبقي على هؤلاء بعد اجتياح المناطق، لمراقبة منشقّين مفترضين. يضاف إلى ذلك، أنّ هؤلاء المخبرين كانوا يجمعون المعلومات داخل وخارج المناطق التي سيطر التنظيم عليها، وتمتّعوا بأهمّيّة تفوق تلك التابعة لمراكز قياديّة أعلى في داعش، أو تلك المعطاة للمقاتلين الأجانب. وتشير الدراسة إلى أنّه تمّ اكتشاف أصل تلك الوحدة بالصدفة عبر العثور على وثائق تابعة لحجي بكر وهو الاسم الحركي للعقيد السابق في مكتب المخابرات التابعة للقوات الجوّيّة أيام صدّام حسين سمير عبد محمّد الخليفاوي.

مزيج من خبرتين
يجمع المراقبون على أنّ قوّة وحدة المخابرات التابعة لداعش تعود إلى مزج الخبرة للضبّاط الذين عملوا تحت إمرة النظام العراقي السابق مع خبرة المقاتلين الأجانب في التنظيم. لهذا السبب، كان التقاء الخبرتين أساسيّاً لنجاح عمل هذه الوحدة لا في مكافحة الانشقاقات وحسب بل في اختراق كيانات أو أجهزة أمنيّة أو تنظيمات إرهابيّة أخرى. ويفسّر مقتل حجي في كانون الثاني من العام 2014، أي قبل ظهور البغدادي وإعلان خلافته المزعومة خلال وقت لاحق من تلك السنة، أنّ العمل التجسّسي والمخابراتيّ كان قد بدأ فعلاً قبل فترة ليست بالقصيرة.

مخابرات داعش وسرّ النجاة
تظهر التركيبة الأمنيّة – الإعلاميّة لداعش أنّها كانت جزءاً لا يتجزّأ من دوران عجلة القتل في التنظيم. ويبدو أنّ استمرار داعش في تفعيل تلك التركيبة وإعادة إطلاقها عند أيّ لحظة معيّنة، أمر أكثر من محتمل. فإذا كانت دعاية التنظيم لم تهدأ حتى بعد سقوط عاصمته المفترضة، من الممكن أن ينطبق الأمر نفسه على بعض الخلايا الأمنيّة المخابراتيّة. وقد تلجأ هذه الخلايا التي لم تتفكّك بالكامل إلى تنفيذ “العمل القذر” بنفسها، تماماً كما كان يُعهد بذلك إليها خلال السنوات القليلة الماضية. أمّا كيف استطاعت تلك الخلايا أن تحافظ على وجودها بالرّغم من القصف العنيف وقتال معظم الإرهابيّين حتى الرمق الأخير، فيمكن أن يشرحه كرم الحمد وفيرا ميرونوفا وإيكاترينا سيرغاتسكوفا، في مقالهم عبر “الوول ستريت جورنال”. فقد تمتّع المسؤولون في “أمني” بحرّيّة نسبيّة مقابل المقاتلين العاديّين في داعش. لذلك، تمكّن مسؤولو المخابرات من الهرب إلى مناطق أخرى حتى قبل بدء قصف القوّات العراقيّة المناطق المحتلّة.

الفرق بين “حرب الأسلحة وحرب المعلومات”
يصف مقال الصحافيّين الثلاثة طريقة جمع المعلومات الأمنيّة لدى داعش ب “المعقّدة” بينما يرى أنّه بالنسبة إلى العراق، “إنّ حرب الأسلحة انتهت، لكن ليس حرب المعلومات”. وأشار الصحافيّون إلى أنّ الرجال في الأراضي المحرّرة خافوا من حلاقة لحيتهم بسبب شكوكهم في بقاء عدد من أعضاء “أمني” مختبئين فيها. ونقلوا عن عنصر مختبئ من “أمني” أنّه يتخفّى حوالي 1500 داعشيّ في الموصل وهم مستعدّون لحمل السلاح. وإذا صحّت تلك المعلومات بغضّ النظر عن المبالغات المحتملة في الأرقام، فإنّ أوروبّا قد تكون فعلاً معرّضة لأعمال إرهابيّة جديدة. ورأى الصحافيّون أنّه بالنسبة إلى قادة “أمني” تحديداً، يمكن لهؤلاء الذين يشكّل الأجانب قسماً وازناً منهم أن يباشروا نشاطاتهم في القارّة العجوز بعد الترجيحات باحتمال هروبهم إلى هناك في وقت سابق.

مبعث آخر على القلق
القدرات الأمنيّة والخبرات الميدانيّة لأعضاء ومسؤولي “أمني” ليست وحدها مدعاة للقلق. إذ تمتّع هؤلاء، فضلاً عن المركز، بثروات كبيرة نسبيّاً. “الوول ستريت” تذكر أنّ هؤلاء يحصلون على مبلغ 5000 دولار عن كلّ جاسوس يُلقى القبض عليه، بينما المقاتل العاديّ يكتفي براتب يتراوح بين 100 و 250 دولاراً في الشهر. أمّا “لو فيغارو” فتذكر أنّ كلّ عضو في “أمني” يحصل على حوالي 50 ألف دولار لشنّ اعتداء إرهابيّ في الغرب. إنّ اجتماع عناصر التمويل والرغبة بالانتقام والخبرة الأمنيّة قد يشكّل خلطة خطيرة لمسلسل دم جديد محتمل في الشرق الأوسط أو في أوروبّا. وإن كان الجهد العسكريّ في سوريا و العراق ضدّ داعش على وشك الانتهاء، فإنّ الجهد الأمنيّ ضدّ شبكاته يمكن ألّا يكون قد وصل حتى إلى منتصف الطريق…