Beirut weather 14.1 ° C
تاريخ النشر October 1, 2025
A A A
خطة ترامب لإنهاء حرب غزة تحقق لـ «إسرائيل» ما عجزت في الحرب
الكاتب: حسن حردان

كتب حسن حردان في “البناء”:

هل انّ خطة ترامب ببنودها الـ 21 تتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بنفسه، وتسعى الى نزع سلاح مقاومته، وتنصيب حاكم أجنبي في غزة، وفرض الوصاية على الشعب الفلسطيني، وبالتالي تحقيق ما عجزت عنه “إسرائيل” بالقوة، وهو ما يفسّر موافقة رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو المبدئية على الخطة لأنها تلبّي أهدافه لليوم التالي في غزة، الأمر الذي يعكس الاتفاق الأميركي ـ الإسرائيلي لدفع حركة حماس الى قبول الخطة كما هي، وبالتالي هل يمكن ان تتحقق على أرض الواقع، أم سيكون مصيرها كسابقاتها؟
هذه الأسئلة تطرح لمجرد قراءة بنود خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حيث يخرج القارئ باستنتاج سريع بأنّ الخطة عبارة عن مشروع أميركي إسرائيلي لفرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني ومقاومته، وبالتالي تحقق لـ “إسرائيل” ما عجزت عنه حرب الإبادة النازية، التي تشنّها منذ عامين، بواسطة المشاريع السياسية لإنهاء الحرب، وامتصاص انتفاضة الرأي العام العالمي الذي بات يضع كيان العدو الإسرائيلي ومعه السياسة الأميركية في عزلة دولية متزايدة.
إنّ خطة ترامب، التي تتركز في مقترح الـ 21 بنداً لإنهاء الحرب في غزة، تشكل محاولة للتوصل إلى تسوية، لكن بنودها الرئيسية أبعد ما يكون عن مضمون التسوية، فهي محاولة واضحة لتكرار ما حصل في بيروت خلال الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 من اتفاق قضى بخروج المقاومة الفلسطينية من بيروت، وإنقاذ “إسرائيل” من مأزقها الناتج عن صعوبة اجتياح العاصمة اللبنانية بالقوة لما ستؤدّي اليه من حرب شوارع ووقوع خسائر فادحة بقوات الاحتلال، فيما أدّى الاتفاق وخروج مقاتلي المقاومة من بيروت الى تسهيل دخول قوات الاحتلال الى المدينة وارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا… الأمر الذي شكل أكبر عملية خداع أميركي إسرائيلي لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، التي ركنت الى الضمانات الأميركية…
انّ التوقف أمام بنود خطة ترامب بتفاصيلها يظهر الأبعاد الخطيرة لها، وما تهدف اليه، من إخراج “إسرائيل” من مأزق فشلها في تحقيق أهدافها في غزة، ومن استمرار غرقها في مستنقع الاستنزاف بفعل المقاومة الضارية..
فالخطة المطروحة تحقق لـ “إسرائيل” وأميركا الأهداف التالية:
أولاً، تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بنفسه، وتفرض عليه نزع سلاحه، وحكماً أجنبياً برئاسة رئيس وزراء بريطانيا الأسبق طوني بلير، المعروف بدوره في جرائم الحرب في العراق، ورئاسة اللجنة الرباعية الدولية التي فرضت الحصار على قطاع غزة لإخضاع المقاومة للشروط والاملاءات “الإسرائيلية”.
يمكن القول إنّ البنود المعلنة للخطة تتضمّن مطالب جوهرية تمثل تجاهلاً للحقوق والثوابت الوطنية الفلسطينية، وأهمّها:
1 ـ نزع سلاح المقاومة: تنص الخطة بشكل صريح على التفكيك الكامل للقدرات العسكرية لحركة حماس، وغيرها من حركات المقاومة (بما في ذلك الصواريخ والأنفاق) ونزع سلاح القطاع بالكامل، مع عرض عفو على قادة حماس مقابل خروجهم من غزة.
2 ـ إخضاع القطاع للحكم الأجنبي/ الدولي: تدعو الخطة إلى إنهاء حكم حماس، وتشير إلى مستويين من الحكم المؤقت في غزة: هيئة دولية شاملة ولجنة فلسطينية من التكنوقراط، بالإضافة إلى نشر قوة أمنية من دول عربية لجمع السلاح وإدارة الوضع المدني مؤقتاً.. هذا يشكل حكماً أجنبياً بقيادة طوني بلير، بديلاً لأيّ حكم فلسطيني ينطلق من إرادة الشعب الفلسطيني.
3 ـ تجاهل حق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير: الخطة تضع مساراً مستقبلياً مشروطاً نحو “إقامة دولة فلسطينية” بعد أن تُجري السلطة الفلسطينية إصلاحات كبيرة.. هذا المسار ليس وعداً مباشراً أو إقراراً فورياً لحق تقرير المصير، بل هو مشروط ومؤجل. كما أنّ “صفقة القرن” السابقة (المرتبطة بترامب) كانت تطرح دولة منزوعة السلاح ورمزية إلى حدّ كبير.
ثانياً، الفخ الأميركي ـ “الإسرائيلي”:
من الواضح انّ الخطة أعدّت على نحو يحقق أهداف حرب الإبادة “الإسرائيلية”، ولهذا فهي بمثابة فخ يُراد استدراج حركات المقاومة للوقوع فيه، بضغط من حكومات عربية وإسلامية، التي سارعت الى الترحيب بالخطة، قبل أن تدرسها حركات المقاومة وإبداء ملاحظاتها عليها.. مما يؤشر انّ الحكومات المذكورة تسعى الى تسويق الخطة باعتبارها هي السبيل لإنهاء حرب الإبادة، والقول إنها تمنع تهجير الفلسطينيين، وتعيد إعمار غزة.
ثالثاً، إمكانية تحقق الخطة، ومصيرها:
تواجه الخطة تحديات ضخمة تجعل نجاحها الفعلي على الأرض أمراً بعيد المنال، وقد يؤول مصيرها فعلاً إلى مصير سابقاتها، لأنها تغفل المطالب الأساسية للشعب الفلسطيني وتهدف الى فرض الاستسلام عليه، والتعامل مع معاناته من منطور اقتصادي إنساني، وليس كشعب له حقوق وطنية في وطنه محرم منها بفعل الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين، وهذا يعني انّ تحققها على أرض الواقع سوف يصطدم:
1 ـ بالرفض الفلسطيني القاطع، لأنّ أيّ حلول تُفرض خارج إرادة الشعب الفلسطيني أو تُغفل قضايا أساسية مثل تقرير المصير والقدس مصيرها الفشل.
2 ـ عدم قبول حركات المقاومة بالخطة: من المرجح أن ترفض حركات المقاومة البنود الأساسية المتعلقة بنزع السلاح وتجاهل الحقوق الوطنية، وإنهاء دورها…
انطلاقاً مما تقدّم فإنّ بنود الخطة تحقق لـ “إسرائبل” ما عجزت عن تحقيقه بالقوة العسكرية وحرب الإبادة النازية، ولهذا من المرجح ان ترفضها حركات المقاومة، خاصة بعد كلّ هذه التضحيات الكبيرة التي قدّمها الشعب الفلسطيني.. وصموده الأسطوري، وإحباط أهداف العدوان الصهيوني الوحشي…