Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر June 11, 2020
A A A
خطة الحكومة ستدفع بالكثير من المصارف الى الإقفال
الكاتب: خالد أبو شقرا - نداء الوطن

هل ابتُلي لبنان بقطاع مصرفي يفوق حجمه 4 مرّات حجم الاقتصاد، أم ان القطاع المصرفي فُجع ببلد صغير وسياسات عشوائية ستؤدي في النهاية إلى سقوطهما معاً. غياب الجواب المباشر عن التساؤل الاشكالي في لقاء جمعية المصارف مع الاعلاميين، قابله اعتراف منها بأننا في جمهورية يقودها المستشارون.
تصرّ جمعية المصارف بالوثائق والارقام على ان اعتماد خطة الحكومة “المحاسبية” ستفلس البلاد والعباد، وتقضي على فرص الاستثمار وإمكانية تدفق الاموال لأجل غير مسمى. فالمقاربة الحكومية المرتكزة على مقولة انه “لا ذاكرة للأسواق” لوضع ما لا يزيد عن 200 ألف مودع حقيقي على مقصلة الـ Haircut، خاطئة برأي “الجمعية”. وهي “ستهشل” المستثمرين وتغرق لبنان في دوامة نقص السيولة. أما الامتناع عن سداد الديون الداخلية رغم انفتاح المصارف على اعادة جدولتها زمنياً، وتخفيض نسب الفوائد، فهو سيؤدي إلى انكماش بأكثر من 25 في المئة، ورفع نسبة البطالة إلى أكثر من 50 في المئة. أما الأمل بإرجاع أموال المودعين فسيكون شبه مستحيل في ظل ما تقترحه الحكومة.
جمهورية المستشارين
أين انتم؟ ولماذا سكتم ووافقتم على شيطنة السلطة لكم؟ سؤال يوجّه إلى ممثلي المصارف. فيأتي الجواب صادماً من رئيس “الجمعية” سليم صفير: “الحكومة ما عم تستقبلنا. دولتنا عبارة عن 5 مستشارين، يسمّون أنفسهم اقتصاديين، عاطلين عن العمل، “قاعدين” بالسراي عم يخططوا لمصير لبنان”.
قصّ الودائع
يتناول مكرم صادر الامين العام “للجمعية” الميكروفون ويعلنها صراحة: صندوق النقد الدولي طالب الحكومة بتخفيض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الاجمالي من 170 في المئة أو أكثر، إلى اقل من 100 في المئة. وهذا يتطلب من الدولة واحداً من أمرين: إما الاصلاحات القاسية وإما شطب ديون بقيمة 70 مليار دولار على مصرف لبنان والمصارف التجارية. فاختارت السلطة الحل الثاني. وهذا سيدفع حتماً من أموال المودعين.
الاحباط على وجوه أصحاب ومدراء المصارف ومساهميها واضح. ولا يعزيهم في هذه “العصفورية” إلا الزامية مرور الخطة الحكومية على البرلمان، حيث ما زالت “الجمعية” تدرس الخيارات مع لجنة تقصي الارقام. فهناك وبحسب معلومات المصارف لا يوجد رضى نيابي على الخطة الحكومية، وإسقاطها شبه محتوم. لكن ألا يعني هذا عرقلة المفاوضات مع صندوق النقد وعدم وصول المساعدات؟ وبالتالي استمرار عمل البنوك على طريقة “الزمبي” بنك، واصابة الاقتصاد بشلل هائل سيترافق مع بطالة وفقر وجوع… وغيرها من الفواجع؟ ألا نكون كمن يحمل بطيختين في يد واحدة فيخسر الاثنتين؟
النقاش مع أرباب الجمعية الذي بدأ تقنياً لم يتأخر ليتحول سياسياً استراتيجياً. فكيف للمصارف ان تقرض الدولة بالدولار منذ التسعينات مع علمها ان لا مصادر دخل للدولة بالعملة الصعبة. وهل كانت النية للاستفادة من الارباح الهائلة من الفوائد التي كانت تدفع على شاكلة سلسلة بونزي Ponzi scheme لاطول فترة ممكنة، على طريقة المثل الشعبي “من بعد كديشي ما ينبت حشيش”.
يجيب المدير العام لفرنسبنك نديم القصار ان نسبة إقراض الدولة بالعملات الاجنبية لا تتعدى الـ 10 في المئة من مجمل الودائع بالدولار. ولكن ماذا عن ودائع المصارف في مصرف لبنان الذي أقرضها بدوره للدولة؟ يجيب المصرفي وليد روفاييل: “إننا مجبورون على التعامل مع مصرف لبنان. فخيارات توظيف الاموال محدودة، خصوصاً بعدما تخطينا النسبة العالمية لإقراض القطاع والمحددة بـ حوالى 80 الى 90 في المئة. حيث بلغت مساهمتنا في تمويل القطاع الخاص في العام 2016 حوالى 110 في المئة، بمبلغ 60 مليار دولار. وبالتالي لم يبق امامنا الا خيار التوظيف مع مصرف لبنان، خصوصاً ان هناك قوانين تمنعنا من الاستثمار في الصناديق الخارجية. كلفة التوسّع
وبحسب مكرم صادر، “لقد ضخت المصارف في رساميلها خلال الأعوام الخمسة والعشرين المنصرمة حوالى 70 في المئة من الارباح، وذلك من أجل تقوية الجهاز المصرفي، وتوسّعه عالمياً بما يخدم المستثمرين والمغتربين في الخارج والاقتصاد في الداخل على حد سواء”. من هنا فان اتهام المصارف بحصر تعاملها مع مصرف لبنان ليس دقيقاً بحسب الأوساط المصرفية.
ما افتكرته المصارف بشأن خطتها، وانشاء 5 مصارف جديدة مزحة، لكون الاولى هي عبارة عن خطة افلاسية، فيما الثانية تجافي المنطق في ظل هروب البنوك الاجنبية من لبنان، كان اكثر من جدي. ويظهر بحسب اعضاء الجمعية ان هناك شيئاً مخططاً له من وراء هذا الطرح”. ما هو هذا الشيء؟ هل تلمس المصارف نية بتغيير وجه لبنان الإقتصادي؟ ولصالح من؟ أسئلة لا تملك الجمعية أجوبة عليها أو أقله لم تبحْ بها بعد. فقد عمدت عبر الوسائل الاعلامية إلى مطالبة الدولة بالجرأة لإعلان نيتها أولاً تجاهها وتجاه البلد، وبأن تعترف بأن خطتها لن تقف عند حدّ قصّ الودائع بل الرؤوس، خصوصاً اننا نتكلم عن رقم ممكن ان يصل الى 70 مليار دولار في حال شملنا معه رساميل المصارف.
إذا كان إعطاء الرأي العام شهادة براءة للمصارف صعباً رغم كل التبريرات، فان من يتحمل مسؤولية السقوط الحر الى الهاوية هي هذه الحكومة تحديداً. وما رفضها النقاش والحوار للتوصل الى الحل الأنسب، إلا انتقام من الاقتصاد والمواطنين وإمعاناً في إضعاف البلد.