Beirut weather 22.43 ° C
تاريخ النشر May 26, 2018
A A A
خصوم الحريري يسمّونه… أي أسباب؟
الكاتب: مجد بو مجاهد - النهار

فتحت استشارات قصر بعبدا صفحة سياسية جديدة رقمها 111، بعيد أشهرٍ حامية من المواجهة الانتخابية الخطابية. لم يشكل تكليف الرئيس سعد الحريري حدثا غير متوقع، بقدر ما صنعت المفاجأة أسماء بعض الذين سمّوه أو فوّضوا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالتسمية. ويُختصر عرّابو المفاجآت غير المتوقعة بستة، هم توالياً: كتلة حزب الكتائب، كتلة الحزب السوري القومي الإجتماعي، النائبان عن دائرة بيروت الثانية فؤاد مخزومي وعدنان طرابلسي، النائب فيصل كرامي والنائب عبد الرحيم مراد.

وتفرض تسمية الحريري مجموعة متغيرات ايجابية في المشهدية السياسية، أبرزها كسر جليد العلاقة بين الحريري والنائب سامي الجميل، وفتح آفاق التواصل بين حليفين سابقين جمعهما درب الرابع عشر من آذار. وتُصرَف تسمية كرامي ومخزومي وطرابلسي للحريري في خانة تعزيز فرص التعاون بيروتياً وطرابلسياً بين أخصام الأمس الانتخابيين، لما فيه خير “العاصمتين”. ويترجم خيار “القومي” ومراد انفتاحاً على العهد ورغبة في الانضمام الى قطار التسوية والابتعاد عن محطّة المعارضة التي لم تتظهر ملامح ركّابها حتى اللحظة.

ولا شك في أن المفاجأة الأولى في الترتيب – ذات العيار الأقوى – تتمثل بتسمية كتلة حزب الكتائب الحريري لرئاسة الحكومة. وبني القرار، تقول مصادر الكتائب، على وعود أطلقها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بترجمة الإصلاحات التي يناشد بها الحزب منذ فترة، وكذلك الحريري الذي يتفهم حجم التحديات، ويتحدّث عن إصلاحات على مستوى “سيدر”. ويستخدم الكتائب مصطلح “فرصة” أعطاها للحريري، على أن يتموضع في الموقع المراقب للمرحلة المقبلة. وتؤكّد المصادر في هذا الصدد أن “الكتائب سيبقى رأس حربة في مواجهة المحاصصة والتعدي على حقوق المواطنين، إذا عاد النهج السابق نفسه”.

وبعبارةٍ أخرى، نتج قرار الكتائب تسمية الحريري من ايجابية أضفت روحية جديدة الى العلاقة مع رئاسة الجمهورية من جهة، واللقاء الودي الذي جمع النائب سامي الجميل بالحريري على هامش إفطار بعبدا. هل يمكن تسميتها صفحة جديدة بين الكتائب والرئيس الحريري؟ تكرّر المصادر أنها بمثابة “فرصة مبنية على ضرورة تبني نهج مختلف عن السابق”. ولم يبحث الحزب داخليا خيار المشاركة في الحكومة من عدمه حتى الساعة، ذلك أن الوقت لا يزال متاحاً للمشاورات التي يبنى الموقف على أساسها.

وهل من صفحة جديدة مع “التيار الوطني الحرّ”؟ تجيب المصادر: “نتعامل مع رئيس الجمهورية على أساس أنه رئيس البلاد، وليس باعتباره رئيس تيار سياسي. سنحافظ على ايجابيتنا في المرحلة المقبلة الى حين إثبات العكس، وندرس كلّ موقف بمفرده من دون التساهل مع أي تجاوزٍ كان”.

وتشكّل تسمية النائب فيصل كرامي الحريري مفاجأة ثانية لم تكن متوقعة. والتزم كرامي بقرار غالبية أعضاء “التكتل الوطني”، وجاء خياره استناداً الى مجموعة عوامل. إذ أن كرامي لن يقف في وجه أجواء الوفاق الوطني التي تجلّت في انتخابات رئاسة مجلس النواب. ويشكل كرامي جزءاً من التكتل الوطني المؤلف من سبعة نواب وعليه الالتزام بقرار الغالبية. وتقول مصادر تيار الكرامة لـ”النهار” في هذا الصدد أن “إجتماع التكتل استمر حتى الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف ليل الأربعاء – الخميس، واتفق على تسمية الحريري باستثناء النائب جهاد الصمد الذي لم يسمّه بسبب خصومة شخصية تحكم علاقته بالرئيس المكلّف وعدم رغبة مناصريه في الضنية السير في هذا التوجّه”. وتعبّر المصادر عن نيّة كرامي التعاون حكومياً، خصوصاً أنها حكومة العهد المتوقّع استمرارها أربع سنوات. وسيطرح التكتّل الوطني المشاركة في الحكومة بوزيرين الى 3 وزراء مبدئياً، وفق المصادر، وسيناقش المطالب مع الرئيس المكلّف.

وتتمثل المفاجأة الثالثة في خيار كتلة الحزب السوري القومي الإجتماعي التي “فوّضت رئيس الجمهورية التسمية ووضعتها أمانة في عهدته، ولكنها لم تسمِّ الحريري شخصياً”. وتشير مصادر “القومي” لـ”النهار” الى أن “الرئيس عون جيّر الأصوات لمصلحة الحريري إذا احتسبت أصواتنا له”. لكن هذه الخطوة “الوسطية” في ظاهرها، لا يرى مطلعون على سير عملية التكليف فائدة منها أو معنى لها. وكان حريٌّ بالنواب الذين اعتمدوها أن يسموا الحريري من تلقاء أنفسهم، ذلك أنهم سمّوه بشكلٍ غير مباشر، واحتسبت أصواتهم من ضمن 111 نائباً كلّفوا الحريري تشكيل الحكومة.

ومن جهته، أودع مراد التسمية أمانة في عهدة رئيس الجمهوية، من دون أن يصرّح للإعلام. ويعرف نائب البقاع الغربي بخصومته السياسية للحريري، هو الشخصية السنية المحسوبة على خطّ 8 آذار.

وإذا كانت تسمية المخزومي للحريري لم تشكل مفاجأة من العيار الثقيل، نظراً للعلاقة التي تربط الأخير بالمملكة العربية السعودية، حيث يعمل منذ عام 1975، فإن خيار طرابلسي تسمية الحريري كان لافتاً، هو النائب الذي يمثل جمعية المشاريع (الأحباش)، وترتبط صورته بالمجلس النيابي في دورة 1992. وتقول مصادر حملة “أنصار المشاريع” لـ”النهار” في هذا الصدد، أن “تسمية الحريري تعبير عن رغبة غالبية القوى السياسية الممثلة في المجلس النيابي، ونحن منها، في إعطاء فرصة لتشكيل حكومة برئاسة الحريري، باستطاعتها معالجة الملفات المتراكمة”. وتعتبر هذه الخطوة بمثابة “تجاوزٍ لمرحلة الإنتخابات النيابية التي انطوت رغم التشنجات التي ولّدتها. وقد اتخذت القيادة قراراً موحداً بتسمية الحريري من باب فتح آفاق تعاون مستقبلية معه”. وعن امكان الإلتقاء مع “تيار المستقبل” في الخيارات السياسية، تقول المصادر “أننا كنا من أوائل من تحدّث عن الإعتدال منذ 40 سنة، وخطنا على المستوى الديني مبني على التعاون والإنفتاح، ويمكن الإلتقاء مع الحريري في قواسم مشتركة سياسية ونحن نعمل على ذلك”.

ولا تعني تسمية الحريري ضمان المشاركة في الحكومة، خصوصاً من قبل النواب المستقلين الأفراد، غير المنضوين في كتل. وتنسحب حالة مشابهة على المخزومي وطرابلسي ومراد. وتبقى مشاركة الكتائب و”القومي” في الحكومة مسألة مرتبطة بشكل التأليف ومعاييره المعتمدة، مع الاتجاه نحو تبني مجلس وزاري ثلاثيني المقاعد. وسبق أن شارك “القومي” في حكومة العهد الأولى بشخص الوزير علي قانصوه، فيما تموضعت الكتائب في موقع المعارضة. فهل يشهد التأليف على مفاجآت شبيهة بمفاجآت التكليف؟