Beirut weather 20.41 ° C
تاريخ النشر June 22, 2020
A A A
خريطة طريق لحوار بعبدا
الكاتب: نايلة تويني - النهار

اذا كان حوار بعبدا الخميس المقبل، أفضل من عدمه كما يرى الرئيس نبيه بري، فان نجاحه رهن بما تمناه البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي الذي دعا المتحاورين في عظة الاحد الى “إصدار وثيقة وطنية تكون بمستوى الأحداث الخطيرة الراهنة. وثيقة ترسم خريطة طريق ثابتة تتضمن موقفاً موحداً من القضايا التي أدت إلى الإنهيار السياسي والمالي والاقتصادي والاجتماعي، وإلى الانكشاف الأمني والعسكري. وثيقة تصوب الخيارات والمسار، وترشد الحوكمة، وتطلق الاصلاحات، وتعيد لبنان إلى مكانه ومكانته، فيتصالح مع محيطه العربي ويستعيد ثقة العالم به”.
ما هي أهمية تلك الوثيقة؟
اضافة الى كونها مُدعاة للتفكير الجدي والعميق في زمن التسطيح واضمحلال الفكر، ووضع خطة عمل بدل المواقف الارتجالية المتسرعة، لا الاكتفاء بجدول أعمال، أو بالحد الادنى بصورة تذكارية يعتبر أصحابها انها كافية لتنفيس احتقان الشارع، فان الوثيقة تشكل مستنداً يمكن العودة اليه، اذ تكون ثمرة اللقاء ومتوافقا عليها، وصادرة باسم المجتمعين، وتبقى للتاريخ حتى لو “تهرّب” منها بعض الموقّعين عليها، كما حصل مع اتفاق بعبدا في عهد الرئيس ميشال سليمان، والذي لا يزال الى اليوم، رغم التنكّر له، منطلقاً لحوار حول الثوابت، وأساساً يبنى عليه عند انطلاق أي حوار. واذا لم يحصل ذلك، فإن المتحاورين ينسفون ما قاموا به، وينهون ما كانوا بدأوه، ليؤكدوا أنهم ليسوا أسياد أنفسهم وقراراتهم، وانهم مأمورون من أولياء عليهم، ينفذون الرغبات، ويخدمون المصالح الخارجية.
وتابع البطريرك في عظته: “إما أن يعقد (اللقاء) في الموعد المحدد – الخامس والعشرين من حزيران الجاري – أو أن يرجأ لفترة إعدادية ضرورية، فيبقى الأساس الذهاب إلى جوهر المشكلة وطرح الحل الحقيقي بعيداً من الحياء والتسويات والمساومات، وإلى إصدار وثيقة وطنية تكون بمستوى الأحداث الخطيرة الراهنة”.
يؤكد البطريرك ما ذهب اليه في بداية ولايته البطريركية عندما تحدّث عن عقد اجتماعي جديد، قوامه بدء التفكير انطلاقا من المصلحة الوطنية العليا، وهذا شرط أساس.
إذاً، الوثيقة ليست موضوعا انشائياً جميلاً منمقاً، بل بحث معمق في الظروف، والسياسات، والاخطاء، والخطايا، التي أوصلت البلد الى الانهيار على كل المستويات. فالانهيار ليس مالياً كما نشاهده اليوم، بل هو نتيجة الانهيار السياسي، والاخلاقي، والوطني. وعبثا تتعب طاولات حوار في إيجاد تسويات، لن تكون إلّا ظرفية وموقتة، ان لم تعالج اساس المشكلات، وتبحث في الجذور، لتصدر وثيقة اعتراف بالاخطاء، ومنطلقاً الى رؤى مستقبلية، موثقة، يمكن العودة اليها، ومحاسبة أصحابها اذا “تبرأوا” منها كما حصل سابقاً.
لكن نداء البطريرك، ومعه الألوف، لن يجد الصدى، مع هذه الطبقة السياسية التي أوصلت البلد الى الافلاس، وكل اعتراف بالخطأ يدينها، وهي تحسب نفسها معصومة، ومستمرة الى ما لا نهاية. ولعلّ هذا أحد أخطائها الأساسية.