Beirut weather 17.99 ° C
تاريخ النشر August 23, 2019
A A A
خان شيخون والمنطقة الآمنة.. مواجهة استراتيجية غنيّة الدلالات
الكاتب: سماهر الخطيب - البناء

في الشمال السوري يُصاغ تاريخ جديد في المنطقة بشكل خاص والعالم ككل، فمعركة إدلب كسابقاتها إن لم تكن بالصدى ذاته الذي كان في معارك التحرير في حلب والغوطة والجنوب.. قرارٌ اتخذته القيادة السورية كسابقاته من القرارات الاستراتيجية بإعادة كل شبر لسيادتها.. إنما ينطوي على تحرير خان شيخون من المجموعات الإرهابية المرابطة هناك منذ عام 2014 على رسائل كثيرة تحمل في فحواها عناوين جمّة قد تخلط الأوراق الإقليميّة والدوليّة وليس فقط الميدانية السورية..

من الناحية الجغرافية، تكتسب مدينة خان شيخون أهمية استراتيجية كبيرة لإشرافها على الطرق الحيويّة، ما يجعلها نقطة وصل بين أرياف إدلب وريف حماة وحلب، وتأتي السيطرة عليها في سياق الخطوة الأولى لإعادة فتح الطريق الحيوية التي تصل بين حلب ودمشق.

ومن الناحية العسكرية، فإن سيطرة الجيش السوري على هذه المدينة تمهّد الطريق لتحقيق مكاسب وإنجازات كبيرة على الأرض باتجاه معرة النعمان شمالاً، حيث تتمركز عقدة الطرق الدولية السورية في الاتجاهات كافة..

ومن الناحية الاستراتيجية، تعني السيطرة على خان شيخون إطباق الطوق كلياً على مساحة تقدر بمئات الكيلومترات المربعة من ريف حماة الشمالي، بما فيها مثلث الموت الذي يربط كلاً من بلدات الزكاة واللطامنة وكفرزيتا، وكذلك مورك التي تقع فيها نقطة المراقبة التركية التي صرّحت تركيا بالأمس أنها لن تغادرها حتى وإن تمّ تحرير المدينة من الجماعات المسلحة..! وبالتالي إطباق الحصار على الجماعات المسلحة بريف حماة الشمالي وتطويقها من كل الجهات، وحينها لن يتبقّى أمام المجموعات الإرهابية المحاصرة سوى القتال حتى الموت أو الخروج بـ«وساطة تركية»، وهذا ما يستبعد حدوثه لما شهدته الوعود التركية من نفاق وعدم التزام بتعهّداتها في سوتشي وغيرها..

وفي كلتا الحالتين نتيجة واحدة هي تحرير كامل ريف حماة الشمالي الذي ستتنفس معه الصعداء كلّ من «محردة والسقيلبية وسلحب» بعد انتهاء مسلسل القصف الصاروخي شبه اليومي الذي تتعرّض له.. أما «مورك» فهنا سنجد التركي مراوحاً بين روسيا وسوريا عبر التصريحات والتهديدات وربما المساومات لكون خروجه من هذه النقطة يعني إسقاط نقاط المراقبة التي استحوذ عليها كأحجار الدومينو وهو ما لم يحسب له حساباً، بل كان الحسبان تمكين السيطرة لترسيخ الاحتلال ولبلورة أفكاره العثمانية في إعادة الاحتلال العثماني لتلك المناطق والتي طالب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإعادة كتابة التاريخ العثماني ليؤكد زعم استملاكه لتلك المناطق وما الدراما التركية وتبعاتها إلا أحد الأساطير «الأردوغانية» فبعد أن تلمس فشله في الميدان راح يعبث في العقول عله يجد من مصغٍ وما لا يدركه أن الميدان يحكم وأن الجيش السوري يسطر تاريخ بطولاته بدماء شهدائه بأن الأرض كل الأرض سورية..

إقليمياً، وجّه التحالف الروسي السوري رسالة بالقوة النارية إلى القيادة التركية ومن ورائها الأميركية، حينما قامت بضرب الرتل العسكري التركي المتوجّه إلى خان شيخون. مفاد الرسالة أنّ ما تم ّ الاتفاق عليه بين الأطراف الضامنة في سوتشي وأستانة وكذلك بين روسيا وأميركا هو بمثابة الخطوط الحمراء التي لا يمكن القبول بتجاوزها. ورسخ هذا التجاوز ما قامت به تركيا بتقديم الدعم اللوجستي والميداني والإمدادات بالعتاد والذخيرة للمجموعات المسلحة الإرهابية، وتوفير ممر مريح للتنقل على كامل قطاع الجبهات الساخنة ناهيك عن كونها شريكاً لها في القيادة والتشويش والإمداد والتموين للخطوط الأولى وحتى في الإخلاء الطبي للقتلى والجرحى ومن الفصائل كافة بلا استثناء..

لتعود تركيا نحو الورقة السياسية فهي اليوم توطد العلاقات مع حليفها الأميركي لإنشاء منطقة آمنة ربما ترضى بـ«كنتون كردي» ملاصق لها على أن تخسر كل أحلامها بعيداً عن المواجهة المباشرة، إذ لا يمكن أن تحدث تلك المواجهة مع الجيش السوري ولا حتى مع الجيش الروسي بل ستبقي على خطوط التواصل والتنسيق مفتوحة بحدها الأدنى على الأقل، تفادياً لأية عمليات تصعيدية لا تحمد عقباها، لأن المصالح التركية تشمل ملفات إقليمية واقتصادية ضخمة تتجاوز العمق الاستراتيجي لأحلامها العثمانية.. لتقتصر المواجهة على محاولات لعرقلة المساعي..

أما المنطقة الآمنة، فلن تلبث تركيا أن تدرك أنها مجرد ورقة استخدمتها الولايات المتحدة، لكسب الوقت ومحاولة تحصيل بعض المكاسب، بعد فشل سياستها لتسع سنوات في إدارة الحرب السورية، ليبدأ من جديد سيناريو التلاسن بين الرئيسين الأميركي والتركي وتبادل الاتهامات.

فالكلمة للميدان والميدان يحكم بما يملكه من أوراق في المفاوضات وما نراه خسارة تركية أميركية في الميدان السوري..

والأيام تخبئ الانتصارات كما عهدنا العناد السوري يستشرس ويحكم قبضته نحو هدف واحد وهو النصر..