Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر July 22, 2020
A A A
حيث “كلنا يعني كلنا”!
الكاتب: نبيل بومنصف - النهار

اغلب الظن ان قلة نادرة من المعنيين برصد اتجاهات الرأي العام الداخلي سواء كانوا من العاملين في الشأن السياسي والسلطوي او في الاعلام نفسه، قد تتنبه للإفراط المخيف الذي طرأ في الأيام الأخيرة على موجات ارعاب اللبنانيين حتى في المكامن المحقة التي توجب رفع وتيرة تحذيرهم. ولا يقف الامر عند التمدد المتجدد والمقلق في الإصابات بوباء كورونا فقط بل ينسحب على مختلف أوجه الازمات الخيالية التي تتراكم فوق رؤوس الناس فيما تتفلت القدرة السلطوية والرسمية بشكل بالغ الخطورة عن الإمساك بزمام التطمينات ولو في حدودها الدنيا الحتمية لمنع الواقع الداخلي برمته من الانزلاق نحو الخراب العميم في كل شيء. لا شك في ان معظم اللبنانيين شأنهم شأن كل شعوب العالم تفلتوا الى حدود خطيرة جدا من الإجراءات الحمائية من كورونا ولا غرابة في ذلك ما دامت اعرق وأغنى الدول وأقواها بدءا بالولايات المتحدة وأوروبا والصين وسواها تصارع تداعيات تفلت شعوبها من إجراءات الحماية بأشكال تبدو معها التجربة اللبنانية اقل سوءاً بكثير. كما لا يساورنا شك في ان جميع اللبنانيين وليس معظمهم هنا يكابدون القلق المتعاظم والمتفجر في كل الاتجاهات حيال ازمة مصيرية تتهدد واقعهم ومستقبلهم في كل شيء نتيجة الانهيارات المالية والاقتصادية والاجتماعية التي جعلت العالم كله يعود الى نظرته الى لبنان باعتباره بقعة انهيار موصوفة ولكن هذه المرة من البوابة الاقتصادية والمالية وليست الحربية. مع كل ذلك ترانا نتساءل اين الحدود الموضوعية الضرورية والعلمية للإبقاء على سيف التخويف والإرعاب والتضخيم حيال مجريات تحمل بذاتها كل الخوف التصاعدي، وإلى أي مدى يمكن عدم ضمان احداث تداعيات هستيرية اذا استمر هذا النهج وحده متسيدا في السياسة والاعلام والصحافة بحيث يتحول بذاته الى مسبب بالغ الخطورة في دفع الناس الى فوضى مرعبة ؟ ان أسوأ ما بدأ يتصاعد على سطح المشهد الداخلي في الآونة الأخيرة تمثل في الخلط والتشابه في التعامل الرسمي والسياسي والإعلامي بين ازمة تمدد كورونا وازمات تمدد الانهيارات المعيشية والخدماتية فسقط التمييز في التوجه الى الرأي العام الداخلي بين موجبات عملية جراحية دقيقة في التعاطي مع جائحة وبائية ذات صفة عالمية وموجبات أخرى تتعلق بأزمات لبنان الخاصة. يدفع هذا الخلط باللبنانيين الى مزيد من الضياع ان لم نقل يفاقم لدى الغالبية الساحقة لديهم على الأرجح موجات الذعر المفرط الذي من شأنه ان يتسبب يوما بواقع جماعي يخرج عن كل تصور. هذا الذي يشهده لبنان يحتاج الى غرف عمليات متخصصة وباردة في قلب الحمى تضع مخططات عملية سريعة وتطلقها لمنع اشتعال موجات الذعر الجماعي كما التفلت الجماعي لان كلاهما قاتل بالدرجات نفسها. بات الواقع الحكومي والسياسي كما الإعلامي اشبه بردح اين منه مناحات العاجزين عن كل شيء الا عن المواجهة الحقيقية التي يمكنها على الأقل احتواء الاتجاهات الحادة نحو مراحل متطورة من الانهيارات الوبائية او الاجتماعية. لم يعد الهامش يتسع لجهل او عجز او قصور سياسي كما لم يعد يحتمل ادمانا إعلاميا يستطيب فقط اخبار الشؤم ولا يعي مدى خطورة الضرب عليها مدى ساعات اليوم. لنحذر حيث “كلنا يعني كلنا” فعلا!