Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر March 10, 2018
A A A
حياة النساء الروسيات في خطر
الكاتب: قيس قاسم - الحياة

* تقتل في كل عام 14 ألف امرأة روسية بسبب العنف الأسري
*

من مقبرة مدينة أوريل جنوب موسكو، يرافق الوثائقي التلفزيوني «روسيا: النساء في خطر»، ألكسندر ساوتشوك أثناء زيارته قبر ابنته يانا. قصة مقتل الشابة يانا (36 سنة) على يد زوجها على رغم اتصالها بالشرطة قبل اقتحامه شقتها وعدم استجابتهم لنداء استغاثتها، أثار رأي عام المدينة وغطت تفاصيلها عناوين وسائل الإعلام، بعد نشر والدها تسجيلات مكالمة ابنته مع الشرطية الخفر ليلتها وجوابها القاسي لها: «سنأتي عندما يقوم بقتلك وحينها سنكتب تقريراً عن الحادث!»، ما فجر نقاشاً حول «ظاهرة قتل النساء الروسيات» وشجع بدوره معدي البرنامج الاستقصائي للمضي في مشروعهم والانتقال من المدينة الصغيرة إلى مناطق متفرقة من البلاد الشاسعة لمعرفة المزيد عن الظاهرة «المسكوت» عنها وتروح ضحيتها كل عام أرواح آلاف من النساء.

تحميل الأب نفسه جزءاً من مسؤولية ما حدث، لعدم انتباهه مبكراً إلى سلوك زوجها العنيف وإلى العادات والتقاليد التي تحيل «ضرب» الرجل الروسي لزوجته باعتباره تعبيراً مبطناً عن حبه لها، دفع الوثائقي الفرنسي لمقابلة رومان تشاباروت ضابط الشرطة، ويعرف بتجربته المهنية الدوافع الرئيسة لها: «المسألة أبعد من ذلك بكثير ولها عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية أيضاً. فالعنف الأسري وضرب الأزواج لزوجاتهم سلوك موروث، سُكت عليه في العهد السوفياتي لأسباب سياسية ومن تجربتي يعود بالدرجة الأولى إلى إفراط الروس في تناول المشروبات الكحولية، فأكثر من 80 في المئة من جرائم القتل تحدث والرجل في حالة انفعال عدائي، إضافة إلى سلوك «رأسمالي» جديد «أبطاله» الأثرياء الذين يعتبرون زوجاتهم جزءاً من مشاريعهم التجارية ويريدون التحكم بها كما يتحكمون ببقية ممتلكاتهم».

الأرقام المقدمة مخيفة. فحسب إحصائيات الأمم المتحدة؛ تقتل في كل عام 14 ألف امرأة روسية بسبب العنف الأسري، في حين يبلغ عددها سنوياً في الولايات المتحدة 940 حالة فقط.

في موسكو يقابل الوثائقي مجموعة من النساء قبلن الحديث عن تجاربهن أمام الكاميرا. نتاليا تونيكوفا، ناجحة في عملها ودخلها جيد ومع ذلك كان زوجها يوجه لها الإهانات النفسية ويضربها داخل البيت. تحكي كيف يتعامل الأطباء مع حالات العنف الأسري: «في إحدى المرات ذهبت إلى المستشفى بعد إصابة رأسي بجرح نازف وآثار الضرب المبرح واضحة على ساعدي الأيمن. لم يهتم الطبيب بحالتي وقال؛ الأمر بسيط، عائلي ولا يستوجب كتابة تقرير للشرطة!

تشير تونيكوفا إلى سلوك مجتمعي مشجع، تشارك فيه حتى النساء أحياناً حين يلمحن إلى محدودية النساء المتعرضات للعنف ولطبيعة شخصياتهن وسلوكهن، وكأنهن متأكدات من أنهن لن يتعرضن للعنف ذاته.

في العاصمة الروسية يقابل الوثائقي الفرنسي مجموعة حقوقيين ويستمع إلى آرائهم حول «الظاهرة». من بين ما سيقدموه من حقائق مثيرة؛ أن الدستور الروسي لا يتضمن عقوبات واضحة ولا يحدد مواصفات العنف الأسري وأشكاله قانونياً. والمفارقة الأشد تتمثل بموافقة البرلمان الروسي أخيراً على قانون يقلل مدة الأحكام بالسجن على الجناة، ويفضل عليها الغرامات المالية البسيطة، التي لا تتجاوز كحد أعلى 500 يورو.

حماية الضحايا، لا تضعها الحكومة ضمن أولوياتها، وجولة في بعض مراكز الحماية في موسكو تكشف عن إهمال كبير، ما دفع منظمات نسوية مستقلة للقيام ببعض المبادرات. في «مركز آنا» لحماية المرأة الروسية يقابل معد البرنامج رئيسته وتشرح لهم كيف يتعرض عمله لضغوطات من الحكومة لم تخف إلا حين إعلانه عام 2016 وكالة أجنبية. يستقبل المركز النساء الهاربات من بيوتهن ولديه قسم استقبال المكالمات الهاتفية وآخر لتقديم النصيحة. إيرينا ماتفيكو تشرح أسباب وأهداف تأسيسه عام 1993: «لحماية النساء وتأمين أماكن سكن موقتة لهن، لكن المهم في عملنا هو الضغط على الجهات الحكومية لتشريع قوانين جديدة تحمي المرأة وأيضاً تسليطنا ضوءاً أشد على الظاهرة الآخذة بالاتساع، فالمرأة الروسية مجردة من الحماية القانونية والمجتمعية ليس وحدها بل أطفالها معها». تواجه النساء المُعنفات مشكلة قلة مراكز الحماية وإمكان وصول أزواجهن إليها بسهولة. واحدة من المُعنفات تشكي بحرقة ما تعرضت له خلال مدة طويلة من زواجها وتجد في قانون العقوبات الجديد رقم 116 تهديداً لها: «زوجي دفع غرامة بسيطة وأطلق سراحه وسمعت من أهلي أنه يبحث عني». محاميها يقول: «من المخجل أن لا يكون عندنا قانون واضح لحماية النساء من العنف، كالمعمول به في أكثر من مئة وأربعين دولة في العالم». واحدة من النتائج الكارثية الناتجة من العنف الأسري شمول الأطفال به. من المعتاد وفي حالات كثيرة اضطرار الزوجة للسكوت عن انتهاكها الجسدي من أجلهم لكنها حين تجدهم يتعرضون للعنف مثلها، فإنها تسارع لنقلهم من البيت.

في أحد المراكز خارج العاصمة يزور الوثائقي مركزاً لإيواء النساء مع أطفالهن. على رغم ما تبذله إدارته إلا أن وضعه بائس. فعدد ساكني الغرفة الواحدة يزيد على أربع أمهات مع أطفالهن وتنعدم فيه الحماية اللازمة. الحالة المؤلمة للنساء الهاربات من الخطر، استدعت معدي البرنامج إلى مراجعة مواقف الجهات الرسمية وتدقيق الأرقام المدعاة للقيام بإجراءات على وجه السرعة لحماية النساء والأطفال معاً. بالأرقام مرة أخرى؛ يبلغ تعداد النساء في روسيا اليوم 77.5 مليون امرأة، خُمسهن أي 15.5 مليون روسية تعرضت وتتعرض لنوع من أنواع العنف الأسري، القاتل أحياناً!