Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر November 15, 2018
A A A
حملة الولاية الثانية بدأت لكن ترامب لا يزال في “الغابة”!
الكاتب: سركيس نعوم - النهار

لم يتناول “الموقف هذا النهار” الانتخابات النصفيّة الأميركيّة بعد انتهائها قبل أكثر من أسبوع. والسبب أن الخوض فيها حصل أكثر من مرّة قبل إجرائها لجهة سيرها ونتائجها المُتوقّعة، وكان مصيباً إلى حدٍّ كبير بفضل أصدقاء في واشنطن يُتابعون من زمان ما يجري في بلادهم والعالم بكثير من الدقّة والموضوعيّة. لكنّه يتناولها اليوم لإعطاء فكرة حقيقيّة عن وضع الداخل الأميركي وتطوّراته في ضوء النتائج وأبرزها اثنتان. الأولى احتفاظ الحزب الجمهوري بالغالبيّة في مجلس الشيوخ، وما كان ذلك ممكناً لو لم يَخُض الرئيس دونالد ترامب معركته شخصيّاً ومباشرة وعلى نحو ذكَّر مواطنيه بحملته الرئاسيّة التي استعمل فيها المحظور وغير المحظور وغير المألوف من أجل الفوز، وقد فاز. والثانية انتزاع الحزب الديموقراطي الغالبيّة في مجلس النوّاب بفضل نجاحه في رفع نسبة التصويت على مستوى الولايات المتّحدة وعلى نحو قياسي، علماً أنها كانت دائماً مُنخفضة في معظم الانتخابات النصفيّة في العهود الماضية. وما كان ذلك مُمكناً لو لم يحفّز كل المعارضين لترامب من نساء وسود وملوّنين و”تقدّميّين” ومن عائلات المهاجرين إلى أميركا سواء باللّجوء أو بالدخول غير الشرعي والشرعي وصاروا لاحقاً مواطنين فيها. إذ أن القاعدة الشعبيّة لترامب استمرّت نسبتها المُرتفعة لا بل زادت في أثناء الشهر الأخير من الحملة الانتخابيّة بعد دخول سيّد البيت الأبيض طرفاً مباشراً فيها وبكثير من الحدّة والاستفزاز.
ماذا كشفت الانتخابات النصفيّة الأميركيّة؟
كشفت الانقسام العميق داخل الولايات المتّحدة، وأظهرت أن الشاطئَيْن الشرقي والغربي ضدّ الغرب الأوسط، وأن المدن الكبرى وضواحيها ضدّ المدن الأصغر في الغرب الأوسط وضواحيها، ومناطقها الريفيّة، وأن البيض عموماً في الغرب الأوسط نفسه ضد الآخرين “المختلفين”. والحقيقة الأكثر مُدعاة للأسف الآن هو أن الأميركيّين بدأوا منذ الآن الانتقال من الانتخابات النصفيّة إلى الحملات الانتخابيّة الرئاسيّة لعام 2020. فالرئيس ترامب سيُعلن الانتصار، وسيكون إعلانه في محلّه. والإعلام ومؤسّسات استطلاع الرأي والديموقراطيّون والتقليديّون من الجمهوريّين والعالم كلّه سيكون عليهم أن يعوا ذلك ويُحدّدوا وبكثير من الدقّة ما هي المشكلات الفعليّة التي تواجهه وطريقة استخدامها للإفادة منها. لقد كان معارضوه كلُهم مُخطئين، يقول الأصدقاء الأميركيّون أنفسهم. لكن ذلك لا يعني على الإطلاق أن ترامب نجح في الخروج من الغابة المُتشابكة الأشجار والنبات التي غالباً ما يصعب الخروج منها. فهو لا يزال يعاني مشكلات كثيرة، ولا يزال عليه أن يتعامل مع المُحقِّق الخاص روبرت مولر، ومع الشكاوى التي قد تُرفع عليه إلى المحاكم، ومع مجلس النوّاب الديموقراطي المُصمِّم على ممارسة صلاحيّاته ومنها المراقبة والإشراف والتدقيق في أعماله وأعمال إدارته، والمالك سلطة استدعائه وغيره إلى جلسات تحقيق أو مساءلة وأيضاً بصفة شاهد. لكن الثابت والأكيد أنّه المرشّح الرئاسي للجمهوريّين عام 2020، وهو يمكن أن يفوز بولاية ثانية إذا استمرّت الانقسامات والخلافات التي تمّت الإشارة إليها أعلاه. أمّا في مجلس الشيوخ فإن الجمهوريّين الذين يُشكِّلون غالبيّته لن يكون لهم خيار غير الدفاع عنه ضد الغالبيّة الديموقراطيّة في مجلس النوّاب. ولا بُدّ أن يُصعِّد ذلك انقسام الأمّة الأميركيّة ويُضاعف شدّته وقسوته. والجميع الآن في أميركا ولا سيّما في واشنطن ينتظرون التغييرات التي يمكن أن يُقدم عليها في “حكومته” ومضاعفاتها الشاملة في الداخل والخارج. علماً أنه أقال وزير العدل جيف سيشنز وعيّن بدلاً منه نائبه مات ويتاكير وإن مؤقّتاً. وليس هناك من هو قادر على التكهُّن بما سيحصل. لكن رغم ذلك يُجمع الأصدقاء أنفسهم على خوفه من مجلس النوّاب الديموقراطي. ولهذا السبب أطلق تهديدات عدّة في مؤتمر صحافي له بعد يوم واحد من الانتخابات النصفيّة ثم أجرى التغيير المُشار إليه في “العدليّة”. ودافعه إلى ذلك ما تناهى إليه من معلومات جديّة تُفيد أن مولر المُحقِّق الخاص بدأ كتابة تقريره النهائي بعد التحقيق المتنوّع الذي بدأه في السنة الأولى لترامب في البيت الأبيض. وتعيين ويتاكير اعتبر الكثيرون الدافع إليه حرصه على حماية نفسه. طبعاً قال الأخير في السابق أنّه سيوافق على أي استدعاء يُوجِّهه مولر إلى الرئيس، لكنّه كتب وأعلن أكثر من مرّة أنّه سيُقلّص تمويل مُهمّة مولر من أجل تقويضها. والديموقراطيّون أشاروا إلى استعدادهم لـ”تناول” ترامب، وإلى أن رفضه السماح لوزير عدله الجديد وإن بالوكالة ولأعضاء محيطه بالإدلاء بشهادة وسيجعل الولايات المتّحدة تُواجه أزمة دستوريّة تشلّ الحكومة بل الإدارة كلّها. ولهذا فإن على الشيوخ الجمهوريّين أن ينضموا إلى زملائهم الديموقراطيّين وأن يصدروا معاً قراراً يحمي مولر.
في أي حال سيترأّس الديموقراطيّون في كانون الثاني المقبل مختلف اللجان في مجلس النوّاب وسيكون ذلك إيذاناً ببدء المعارك الكبيرة. وفي هذا المجال لا يعتقد الأصدقاء الأميركيّون أنفسهم أن مجلس النوّاب سيسعى إلى طرد ترامب، لكنّه سيحاول الإظهار للرأي العام بل للشعب مدى فساده وعائلته وإدارته. وبكلمات أخرى هو لن يُقدم بغالبيّته الديموقراطيّة على جعله شهيداً. لكنّه يبدو قلقاً وهذا ما دفعه إلى إقالة وزير “عدليّته” وإحلال نائبه مكانه وإن مؤقّتاً. على كل حال ستفشل قطعاً آماله في أن ويتاكير سيستطيع تقويض تحقيق مولر لأن الديموقراطيّين مُصمّمون على الاستمرار في ملاحقته لإجباره على إبعاد نفسه عن تحقيق مولر وخصوصاً في ما يتعلّق بروسيا تماماً مثلما فعل قبله رئيسه المُقال سيشنز. ولا شكّ في أن تعيينه مؤسفٌ لأنّه يجعل من المستحيل تعاون الديموقراطيّين مع الرئيس بعد سيطرتهم على مجلس النوّاب، فضلاً عن أن الوقت أمام ترامب يركض سريعاً.