Beirut weather 17.99 ° C
تاريخ النشر April 24, 2024
A A A
حلّ أزمة النازحين ليس في مُؤتمر بروكسل بل من خلال المفاوضات الجديّة مع سوريا
الكاتب: دوللي بشعلاني - الديار

يُحاول المسؤولون اللبنانيون تحريك ملف النزوح السوري تزامناً مع مؤتمر بروكسل الثامن حول “دعم مستقبل سوريا والمنطقة”، الذي يُعقد في مقرّ مجلس الإتحاد الأوروبي في 27 أيّار المقبل، ويسبقه في 30 نيسان الجاري يوم الحوار مع السوريين لجمع آرائهم، والذي يُعقد في مقرّ البرلمان الأوروبي. أمّا وفد الإتحاد الأوروبي الذي زار لبنان أخيراً واجتمع مع المسؤولين لمناقشة ملف النازحين، فلم يُبدِ أي نيّة لدى الإتحاد بما يُطالب به لبنان، ألا وهو بالدرجة الأولى توجيه المساعدات المالية والسياسية لتحقيق عودة النازحين السوريين في مناطقهم الآمنة في بلادهم. وهذا يعني بأنّ الإتحاد لن يقوم بتسهيل إعادة النازحين من لبنان الى سوريا، إنّما سيعد مرة جديدة بتقديم مبالغ مالية لدعم لبنان على استمرار استضافته لهم على أراضيه، وبالتالي منع مغادرتهم عن طريق الهجرة غير الشرعية الى الدول الأوروبية.

 

مصادر سياسية مطلعة على ملف النزوح السوري أكّدت أنّه ليس على لبنان انتظار أي نتائج إيجابية من لقاءات بروكسل، سيما وأنّ موقف الإتحاد الأوروبي لن يتبدّل خلالها. فقد شرح المسؤولون اللبنانيون للوفد الأوروبي أنّ كثرة أعداد النازحين السوريين الذين يستضيفهم لبنان منذ العام 2011، والذي دخل عدد كبير منهم بطريقة غير شرعية اليه، تُساهم في عدم قدرة الحكومة على كفايتهم وكفاية شعبها في الوقت نفسه، من الإحتياجات الأساسية اليومية من مأكل ومشرب ودواء وكهرباء وماء واستشفاء وما الى ذلك، سيما وأنّ الكلفة باتت باهظة جدّاً ولا قدرة للبنان على تحمّلها بعد الآن، غير أنّه تحدّث في إطار مختلف.

ومؤتمرات بروكسل السبعة السابقة لم تتطرّق الى مسألة إعادة النازحين السوريين الى بلادهم، على ما أكّدت المصادر، إنّما اكتفت باتخاذ قرارات متعلّقة بجمع المبالغ المالية لتقديم المساعدات الى النازحين السوريين والى المجتمعات المضيفة لهم، بهدف إبقائهم فيها وعدم هجرتهم الى الدول الأوروبية. علماً بأنّ التمويل الفعلي جاء محدوداً نسبة للوعود التي قدّمتها دول الإتحاد. وكان لبنان طالب مرّات عدّة في مؤتمرات بروكسل بضرورة تحفيز النازحين السوريين على العودة الى بلادهم، من خلال استمرار تقديم المساعدة المالية الشهرية لهم في مناطقهم وليس في لبنان.

ويبدو بأنّ الخطوة التي اتخذتها حكومة تصريف الأعمال، على ما أضافت المصادر نفسها، والتي تتمثّل بتكليف مدير عام الأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري استئناف التواصل مع الدولة السورية، بعد أن توقّف عمل اللجنة الخاصّة المعنية بالأمر، لإيجاد حلّ لملف المسجونين السوريين في السجون اللبنانية، ستكون،اذا نجحت مفتاحا لحل ترحيل السجناء من النازحين السوريين. ويبلغ عدد هؤلاء السجناء والموقوفين، وفق إحصاءات وزارة الداخلية 2500 سوري. وبعد هذه الخطوة يُمكن أن يتابع البيسري أو اللجنة الوزارية التشاور مع السلطات السورية، بهدف إعادة النازحين السوريين الآخرين غير القانونيين، أي الذين لا يملكون الإقامات، ولا يُمارسون الأعمال التي يُحدّدها القانون لهم، وعددهم كبير.

وبدا واضحاً أنّه لدى الحكومة اللبنانية اليوم، على ما أضافت المصادر، النيّة الجدية لتنظيم النزوح السوري، تبعاً لخارطة الطريق الموضوعة ووفقاً للقوانين المرعية الإجراء، من خلال ما تملكه من “داتا” للنازحين، على أن تعمل على تطويرها لتشمل جميع النازحين السوريين وليس 900 ألف منهم فقط. ويتوقّف الأمر على التعاون والتنسيق بينها وبين السلطات السورية، لبدء إعادة الراغبين منهم الى بلادهم.

 

وأكّدت المصادر عينها أنّ سوريا اليوم في صدد اتخاذ تدابير مهمّة تُحفّز النازحين السوريين على العودة الى بلادهم بهدف إعادة إعمارها، وأبرزها إلغاء الخدمة العسكرية الإلزامية. فالتجنيد الإجباري لطالما شكّل العائق الأول أمام عودة الشباب من النازحين السوريين الى بلادهم. ومتى جرى اتخاذ مثل هذا القرار، فإنّ أعداداً كبيرة من الشبّان السوريين ستُقرّر العودة الى سوريا من تلقاء نفسه. وهنا تجدر الإشارة الى أنّ بعض المناطق اللبنانية تشهد حالياً فرار بعض السوريين العاملين فيها من دون إقامات الى بلادهم، لا سيما بعد الجرائم الأخيرة التي ارتكبها سوريون بحقّ لبنانيين، وما تلاها من نقمة شعبية على وجودهم في لبنان.

من هنا، فإنّ وعود الإتحاد الأوروبي بتقديم المساعدات المالية للبنانيين الأكثر حاجة، كما للنازحين السوريين حتى العام 2027، من شأنه أن يُبقي النازحين في لبنان، رغم كلّ البيانات الصادرة عن بعض البلديات للحدّ من أعدادهم في بعض المناطق، ولتنظيم وجودهم في لبنان. في حين أنّه بمجرّد استمرار تقديم الدعم المالي لهم في مناطقهم الآمنة في سوريا من قبل المنظمات الدولية، من شأنه إعادة أعداد كبيرة منهم.

ولهذا تلفت المصادر عينها، أنّ ما يُطالب به الإتحاد الأوروبي من مكافحة تهريب الأشخاص وتعزيز حماية الحدود، وضبط الهجرة غير الشرعية الى دوله، يُمكن أن يُحلّ بمجرّد تحفيز النازحين السوريين على العودة الى المناطق الآمنة في سوريا، من خلال مواصلة دعمهم مادياً وتقديم بدل الإيواء والمأكل لهم فيها. علماً بأنّ الإتحاد الاوروبي لا يهمّه ما يُعانيه لبنان حالياً من أعباء النزوح وتكلفته المرتفعة، ويصرّ على أنّ موعد العودة لم يحن بعد.

من هنا، ليس على لبنان مواجهة الدول الكبرى، على ما شدّدت المصادر ذاتها، إنّما بدء العمل وفق ما تقتضيه القوانين على تسهيل هذه العودة، من خلال الدخول بمفاوضات جدّية مع النظام السوري، الذي يبدو أنّه أصبح أكثر مرونة بموضوع إعادة النازحين السوريين الى بلادهم. فضلاً عن تطبيق الإتفاقية الأمنية القائمة بين لبنان وسوريا، وترحيل كلّ نازح سوري غير قانوني أو يُشكّل خطراً على أمن لبنان، كون أمنه من أمن المنطقة والقارة الأوروبية أيضاً.