كتب مرسال الترس في موقع “الجريدة”
في التاسع عشر من نيسان الحالي، يُنهي عهد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون المئة يوم الأولى في طريق تمتد لست سنوات، وربما أكثر.
ويُفترض بهذه المهلة الزمنية، التي تمتد لثلاثة أشهر ونيّف، أن ترسم خريطة طريق تعامل العهد مع القضايا المصيرية، وكيفية نظرته إلى القضايا المالية والحياتية التي شكلت أزمات بالغة التعقيد في السنوات الأخيرة.
ومن دون أن تكون هناك ثقة عمياء في الوصول إلى نتائج إيجابية ملموسة، أو بناء آمال زهرية، كما كان يحصل في عهود سابقة، يبدو أن الإدارة الأميركية، بالتعاون مع المملكة العربية السعودية، التي رفعت مظلة واسعة فوق سيد العهد، وتالياً مع رئيس حكومته الأولى نواف سلام، لن تُعطي شيكاً على بياض للعهد بمجرد رعايتها له، وإنما تربط ذلك، وبقوة، بما ينفذه من طلبات تتعلق بمستقبل العلاقات مع العدو الإسرائيلي والحدود الجنوبية والشرقية، للحد من نفوذ “حزب الله” كما أشارت الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس أمام كبار المسؤولين وهي متسلحة بشعار نجمة داوود في عنقها، ليراها الجميع بتمعن، وليس في أحد أصابع يديها كما حصل في زيارتها الأولى للبنان.
مقابل المساعدات والاستثمارات “الموعودة” لإعادة إطلاق حركة الإنماء في لبنان، فُهم أن أورتاغوس حملت في جعبتها عدة شروط أبرزها:
ـ التوصل إلى إنهاء مشكلة سلاح “حزب الله”، ولاسيما الصواريخ بكل فروعها، في أقرب فرصة ممكنة (يتحدثون عن بضعة أشهر). في حين أن المسؤولين في لبنان يدركون تمام الإدراك أن هذا الأمر لا يمكن أن يمر إلاّ عبر حوار وطني، كي لا يتحول إلى صراع داخلي يقضي على الأخضر واليابس.
ـ السعي لحل مشاكل الحدود مع العدو الإسرائيلي عبر لجان عدة، الأمر الذي يعني تواصلاً مباشراً بين بيروت وتل أبيب، أو بصورة أوضح، الإنزلاق نحو التطبيع الذي يتطلب إجماعاً وطنياً، أو قرارات حاسمة من قبل كبار المسؤولين، ما يذكّر اللبنانيين بما حصل سنة 1983 الذي أفضى إلى اتفاق 17 أيار الذي أدخل البلاد في متاهة التشرذم الحاد. فهل هناك توجه فعلاً لدى أي من الأطراف اللبنانية لخوض مثل هذه المغامرة؟
ـ إقفال جميع ملفات الخلاف على الحدود، وامتداداتها مع السلطة السورية التي ما تزال في طور بناء قدراتها وفق ما تسمح به الظروف الإقليمية، كي لا يتم فتح أوكار “الدبابير” لجر فئات لبنانية إلى خوض معارك وجود أين منها ما يجري أو جرى على الحدود الجنوبية!
بالإضافة إلى الملفات المالية المعقدة دولياً، وملفات الهجرة والنازحين والتوطين. فهل سيكون بإمكان لبنان و”سلطاته الفتية” الوصول إلى نتائج حاسمة خلال أشهر معدودات، كما يشتهي الأميركيون وحلفاؤهم؟
أسئلة تبدو الأجوبة عليها مستحيلة، إذا لم تمد الدول الكبرى والفاعلة يد المساعدة للدولة اللبنانية التي إذا ما تقاعست عن التجاوب مع الشروط الأميركية ستكون أمام وضع لا تحسد عليه، الأمر الذي يذكر بالمقولة الشعبية اللبنانية “لماذا تنفّخ اللبن.. لأن الحليب كاويني”.
بالتالي، يبدو أن السلطة في لبنان مجبرة على تجرع الحليب الأميركي الساخن، لأن وسطاء “العم سام” يضعون في أعلى سُلّم أولوياتهم مصالح “إسرائيل”، ولن يسمحوا للبنانيين بانتظار وصول اللبن البارد! وعليهم أن ينسوا أن الأميركيين سيتعاونون معهم للوصول إلى بر الأمان الذي يَعِدون أنفسهم به. ولأن الأمر هذه المرة مختلف تماماً. فلا هبات ولا قروض ولا استثمارات ولا إعمار.. من دون مقابل “ملموس”!