Beirut weather 23.41 ° C
تاريخ النشر July 9, 2016
A A A
حلف وارسو جديد
الكاتب: نقلاً عن روسيا اليوم

. صحيفة “روسيسكايا غازيتا” نشرت مقالا بقلم رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد الروسي قسطنطين كوساتشوف حول آفاق قمة الناتو “التاريخية” في وارسو. وقالت:

استعد منظمو قمة وارسو التي افتتحت يوم الجمعة 8 تموز الجاري، كما لم يستعدوا لمثلها منذ انتهاء “الحرب الباردة”. لأن الحلف يعاني على مدى ربع قرن من عجزه عن تحديد موقعه في العالم. فهو يفتخر بأنه بقي وحيدا جبارا على الساحة السياسية والعسكرية، ولا يجرؤ أحد على تهديده عسكريا؛ ما يجعل كل شكاوى أعضائه من تهديدات جيرانهم، أمرا غير واقعيا.

حلف وارسو جديد

* مقر الناتو في بروكسل.

ولكن “العدوانية الروسية” جاءت لـ”تنقذه” في الوقت المناسب؛ حيث بدأت استعدادات جنرالاته والمجمع الصناعي العسكري لإقناع السياسيين بضرورة زيادة النفقات الدفاعية للرد على تهديدات الصواريخ الإيرانية والكورية الشمالية.

غير أن المواطن البسيط في الغرب، منذ عملية 11 أيلول 2001، تأكد أن هذا الجبار المستعد لردع أي هجوم عسكري، غير قادر على مكافحة التهديدات المعاصرة، وقبل كل شيء الإرهابية منها.

فقد كان الهدف من إنشاء الحلف ردع الاتحاد السوفياتي على أساس مبدأ “الهجوم – أفضل وسيلة للردع”. وبقي الحلف يتصرف وفق هذا المبدأ بالذات لغاية هذا اليوم، ذلك على الرغم من أنه فقد خصمه الوحيد في العالم. وأصبح التوسع هدفا بذاته للحلف، والبحث عن سبب لاستخدامه سبَّب صداعا لجميع الدول الأعضاء فيه ولدافعي الضرائب فيها.

وكانت جميع محاولات استخدامه موضع تساؤلات كبيرة. بيد أن المرة الوحيدة التي يمكن للحلف أن يسجلها في صالحه، هي حملته العسكرية على يوغوسلافيا، التي تمخضت عن الإطاحة بالنظام القائم غير المرغوب به، وتقسيم دولة ذات سيادة إلى دويلات صغيرة.

أما “النجاحات” الأخرى التي حققها الحلف أو أعضاؤه، فليست أفضل من “نجاحه” في يوغوسلافيا. فعند الحديث عن عملياته العسكرية المختلفة مثل “عاصفة الصحراء” أو “الحرية الدائمة” وغيرهما؛ نجد أنه لم يكن للحلف خصما مكافئا، ولم يواجَه بمقاومة حقيقية.

وكلما تبرز التساؤلات عن أهداف ونتائج استخدام القوة، يتبين أنها كانت من دون معنى، وتزداد نتائجها سوءا مع مرور الوقت. فلم يتمكن الحلف من فرض سيطرته على أفغانستان التي أغرقت العالم بالهيرويين لغاية هذا اليوم. أما العراق، فقد تحولت خدعة القيادة السياسية للولايات المتحدة للمجتمع الدولي، إلى مأساة مستمرة للشعب العراقي. وليبيا تعاني من النتائج نفسها. وهذا ما حاولوا عمله في سوريا لولا التدخل الروسي في الوقت المناسب. ولكن يبقى إعلان ما يسمى بـ “دولة الخلافة” المزعومة الثمرة الوحيدة للتدخل المباشر للناتو في المنطقة.

إذا، عن أي شيء كانوا يتحدثون في الناتو قبل ظهور “الخطر الروسي”؟ في قمة الناتو التي عقدها في شيكاغو عام 2012 كانت الموضوعات الرئيسة: آفاق تسوية الأزمة الأفغانية، ونشر عناصر الدرع الصاروخية في أوروبا؛ غير أن الأولى ميئوس منها، والثانية استفزازية ومشكوك بجدواها.

بيد أن “لهفة وارسو” بدأت منذ عدة أشهر، حيث لوحظ  الحماس في معسكر “الصقور”، الذين بشروا بها بكل قواهم كحدث مهم سيخرج بنتائج مهمة جدا، أهمها استعراض الوحدة القتالية لصفوفه منذ انتهاء “الحرب الباردة” . لكن هناك شعورا بأن حياة جديدة ثانية للحلف – حيث يتحول إلى “منظمة حلف وارسو 0.2 “.

كل هذا بفضل ما يسمى “العدوان الروسي”، مع أن أحدا ما لم يقدم ما يثبت صحة هذا الأمر. كما لم يتمكن أي أحد من تفسير حاجة روسيا إلى هذا؟ فضلا عن ذلك، ما حاجة روسيا إلى الهجوم على دول البلطيق؟ ولكن هذا لا يعني شيئا لأبواق الدعاية الذين يهدفون إلى استخدام “أسطورة العدوان الروسي العظيم”.

وتحت ذريعة “الروس قادمون” أجبروا الجبل الأسود على الانضمام إلى الحلف بطريقة غير ديمقراطية، ونشروا عناصر الدرع الصاروخية في رومانيا، وبدأوا بإنشاء قاعدة لنشرها في بولندا، واتفقوا على نشر أربع كتائب تعداد كل منها ألف عسكري في دول البلطيق وبولندا. كل هذا ردا على أسطورة “القوات الروسية في الدونباس”.

إن كل ما يفعله الناتو يساعد على عودة “الحرب الباردة” على الرغم من أن الجميع يعلن عن عدم رغبته بعودتها. فالأمين العام للناتو ينس ستولتينبيرغ يؤكد ضرورة الاتفاق في هذه القمة على تعزيز “الجهود لنشر الاستقرار خارج حدودنا”.

أما الأمين العام السابق للحلف أندرس فوغ راسموسين، فيقول علنا إن “على الحلفاء في الناتو أن يتخذوا قرارا بشأن نقل الجزء الأكبر من قوات ومعدات الناتو إلى الشرق، إلى البلدان الشرقية الأعضاء في الحلف”.

بطبيعة الحال، وعلى خلفية الضجة التي تثيرها أبواق “القمة التاريخية” بأن الحلف سيستعرض في وارسو “الحزم والتكاتف والتضامن والقوة والقدرة” وغيرها من الميزات التي تساعد في ملء الميزانيات الحربية، يصبح من الصعوبة الدعوة إلى التفكير السليم والحذر.