Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر September 22, 2021
A A A
حكومة ميقاتي تبدأ من أموال حقوق السحب الخاصّة لحلحلة المشاكل
الكاتب: دوللي بشعلاني - الديار

نالت «حكومة معاً للإنقاذ» الثقة في مجلس النوّاب الإثنين بغالبية 85 صوتاً من أصل 117 (مع استقالة 8 نوّاب ووفاة ثلاثة)، وحتّمت عليها هذه الأصوات، التي كان يُتوقّع أن تكون أكثر بقليل، الإسراع في العمل الجدّي لنيل ثقة الشعب اللبناني في الداخل، والمجتمع الدولي في الخارج، كما أولتها مسؤولية إنقاذ البلاد رغم أنّها لم تكن هي سبب ما آل اليه الوضع الإقتصادي والمالي والمعيشي والإجتماعي في البلاد. غير أنّ قبول وزرائها تحمّل هذه المسؤولية، إنّما يدلّ على أنّهم عازمون على إيجاد الحلول للمشاكل التي يُعاني منها المواطنون يومياً، وتأمين الكهرباء والمحروقات والدواء والرغيف، والتي باتت غير متوافرة في لبنان خلال الأشهر الأخيرة.

مصادر سياسية عليمة أكّدت أنّ أهمّ ما أنجزته الحكومة الجديدة، حتى قبل نيلها الثقة في مجلس النوّاب، هو توقيع وزير المال يوسف خليل عقد التدقيق الجنائي لحسابات المصرف المركزي مع شركة «ألفاريز أند مارسال»، على أن تُقدّم التقرير المبدئي للوزير خليل في مهلة 12 أسبوعاً من تاريخ مباشرة فريق عملها مهمّته. فضلاً عن تحويل صندوق النقد الدولي الى حساب وزراة المال في المصرف مبلغ مليار و139 مليون دولار أميركي، هو عبارة عن مخصّصات من حقوق السحب الخاصّة تتناسب مع حصّة عضوية لبنان في الصندوق. وهذا المبلغ الذي وصل الى يد الحكومة الجديدة، التي استلمت بلداً شبه مفلس، يُتيح لها أن تستخدمه سريعاً للبدء بحلحلة إحدى المشاكل الأساسية التي يواجهها الشعب اللبناني. ولأنّ الصندوق قد أبدى استعداده للإنخراط في محادثات مع حكومة ميقاتي في المرحلة المقبلة، وقال إنّه متأهّب للتعاون معها، فإنّ هذا الأمر يُعطيها دفعاً مهمّاً لاستئناف عملها، ومعرفة أين عليها صرف هذا المبلغ لما فيه مصلحة المواطن. علماً بأنّ الصندوق أصدر مذكّرة إرشادية للبلدان، ومن ضمنها لبنان بالطبع، حول استخدام حقوق السحب الخاصّة، وهو يُتابع كيفية استخدامها، على أن يصدر تصريحات بهذا الشأن في الوقت المناسب.

ويُنتظر أن تعقد الحكومة الجديدة جلستها الأولى، بعد نيلها الثقة، على ما أضافت المصادر، لتبيان كيفية تحرّكها تجاه الإستحقاقات والملفات الكبرى التي أدرجتها في البيان الوزاري ووعدت بإنجازها، ولعلّ أول تحدٍّ ينتظرها هو قرار رفع الدعم الكلّي عن المحروقات الذي ستعمل على إيجاد حلّ له، من خلال اتخاذها القرارات المناسبة للتخفيف من الطوابير التي تقف على المحطات في غالبية المناطق اللبنانية. مع الإشارة الى أنّ استمرار سعر صرف الدولار الأميركي في الهبوط يُساعدها كثيراً في حلّ المشاكل، كون السلع الغذائية والمواد الضرورية للمواطنين يرتفع ثمنها بغالبيتها، مع ارتفاع سعر المحروقات والدولار، فيما يُفترض أن تنخفض مع انخفاضهما.

ويُمكن القول بأنّ بدء حكومة ميقاتي بمسيرة التدقيق الجنائي، أحد أبرز الإصلاحات المطلوبة في المبادرة الفرنسية، كونه يتيح الإلتزام بقواعد الشفافية ومكافحة الفساد وتحقيق الإصلاح الشامل، يشي بتطبيقها «خارطة الطريق» ملفاً تلو الآخر، سيما وأنّها مدعومة من قبل فرنسا والرئيس إيمانويل ماكرون بالذات. وصحيح بأنّ باريس منهمكة اليوم، على ما عقّبت المصادر، بقضية بيع الغوّاصات لأوستراليا وما أصابها من خيانة، على ما وصفت ما جرى، غير أنّها لا تزال تولي أهمية للوضع الداخلي في لبنان ومستعدّة للتعاون مع الحكومة الجديدة في سبيل حلّ المشاكل القائمة من تحسين وضع الكهرباء، ومعالجة أزمة المحروقات وتأمين الدواء والإستشفاء، ودخول الطلّاب الى المدارس والجامعات، وما الى ذلك.

أمّا الزيارة الأولى التي يقوم بها ميقاتي الى الخارج كرئيس لحكومة لبنان فستكون الى العاصمة الفرنسية باريس يومي الخميس والجمعة في 23 و24 أيلول الجاري، على أن يلتقي خلالها ميقاتي الرئيس إيمانويل ماكرون يوم الجمعة في قصر «الإليزيه»، وتكتسي هذه الزيارة أهمية بالغة كونها تدلّ على مدى اهتمام فرنسا بالوضع اللبناني وبـ«حكومة معاً للإنقاذ» التي تدعمها، على ما أشارت المصادر، وسعت جاهدة من أجل تشكيلها في هذه المرحلة بالذات، وسيتناول اللقاء بين ماكرون وميقاتي البحث في مسألة الإصلاحات بهدف التحضير لمؤتمر دولي جديد لدعم لبنان.

ولفتت المصادر الى أنّ هذه الزيارة ستعيد ثقة الإتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي بحكومة ميقاتي، كونها التزمت تنفيذ بنود المبادرة الفرنسية الإصلاحية، وعليه ستتمكّن لاحقاً من تنفيذ الإصلاحات المطلوبة منها التي أوردتها في بيانها الوزاري، لا سيما استئناف التفاوض الفوري مع صندوق النقد الدولي وإصلاح وإعادة هيكلة القطاع المصرفي، وإعادة أموال المودعين لهم للتخفيف من الضائقة المالية التي وقعوا فيها نتيجة حجز المصارف لأموالهم، أو تسديد المبالغ التي يُطالبون بها من حساباتهم على دفعات، وبالليرة اللبنانية على سعر 3900 مقابل الدولار الأميركي الواحد. فضلاً عن العناوين الأخرى المتعلّقة بتقديم الدعم المطلق للجيش، وباستئناف المفاوضات غير المباشرة مع العدو الإسرائيلي من أجل حماية الحدود البحرية، والتأكيد على حقّ عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم، ومتابعة العمل على عودة النازحين السوريين، الى جانب تعزيز علاقات لبنان مع الدول العربية الشقيقة، وعلاقاته الدولية وتفعيل انخراطه مع المجتمع الدولي وشريكه الأوروبي بما يخدم المصالح العليا للبنان، والالتزام ببنود المبادرة الفرنسية، وبتوصيات الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار، وتصحيح الرواتب والأجور في القطاع العام، وإقرار قانون «الكابيتال كونترول» وإنجاز التشكيلات والمناقلات القضائية، واستكمال التحقيقات في كارثة مرفأ بيروت لإرساء العدالة وتأمين الكهرباء وما الى ذلك.

وقالت المصادر نفسها أنّ أكثر ما يُريح فرنسا، التي دعمت ولا تزال ميقاتي، في التكليف والتأليف، واليوم في انطلاق عمل حكومته بعد نيلها الثقة، أنّ البيان الوزاري التزم المبادرة الفرنسية وخارطة الطريق، الأمر الذي يجعل فرنسا مستعدّة لمدّ يدّ المساعدة للبنان، فضلاً عن الإتحاد الأوروبي التي هي عضو فاعل فيه، غير أنّ دول الخارج لا تزال تُراقب الخطوات الأولى لحكومة ميقاتي، وترجمة ما وعدت بإنجازه في البيان الوزاري، لجهة التخفيف من أعباء المواطنين، ومن ثمّ العمل على التحضير للإنتخابات النيابية في موعدها، في نيسان المقبل (للناخبين المنتشرين في دول الخارج)، وفي 8 أيّار المقبل (للناخبين المقيمين)، كون هذه الأخيرة هي ما تُعوّل عليه فرنسا ودول الخارج لإحداث التغيير المطلوب في البلاد.

وترى المصادر بأنّ الأحزاب السياسية في البلاد تُواجه أزمة هائلة أمام استحقاق الإنتخابات النيابية المقبلة، نظراً لتغيّر المزاج الشعبي، رغم تأكيدها أنّها لا تزال تُحافظ على التأييد المطلوب لاستعادتها لمقاعدها مجدّداً. علماً بأنّ المعلومات أشارت الى بدء حركة ماكيناتها الإنتخابية في الداخل والخارج حتى قبل البدء الفعلي للتحضير للإنتخابات المقبلة.

وذكرت المصادر عينها بأنّ أكثر ما يهمّ الدول الداعمة للبنان، أن يُدلي المواطنون اللبنانيون الذين قاموا بثورة 17 تشرين الأول في العام 2019، بأصواتهم في صناديق الإقتراع، وأن يأتوا بالممثلين الفعليين عنهم الى الندوة البرلمانية. وتأمل هذه الدول وصول وجوه جديدة الى مجلس النوّاب تكون قادرة على تغيير النمط السياسي في البلاد، سيما بعد أن أظهرت الإستحقاقات الأخيرة، والفراغ الذي فصل فيما بينها أنّ لبنان بحاجة الى «عقد جديد»، على ما اقترح أو طالب ماكرون خلال زيارته الى لبنان.