Beirut weather 23.54 ° C
تاريخ النشر August 7, 2025
A A A
حكومة تصريف أعمال
الكاتب: ناصر قنديل

كتب ناصر قنديل في “البناء”

منذ أول أمس، تحوّلت حكومة الرئيس نواف سلام وحكومة العهد الأولى إلى حكومة تصريف أعمال ولم تكمل بعد شهورها الستة، والمشكلة أن الحكومة التي تتحول إلى تصريف الأعمال وتبقى طويلاً دون أن تخلفها حكومة كاملة المواصفات والصلاحيات، سوف تضيّع عهد الرئيس جوزف عون في الشلل الذي قرّرت أن تصيب نفسها به بإطلاق النار على قدميها، استجابة لطلب خارجي لا علاقة له بأولويّات لبنان واللبنانيين.

 

تصبح الحكومة حكومة تصريف أعمال دون أن يستقيل رئيسها أو يغادرها ثلث الوزراء، عندما تفقد قدرة الحركة على مساحة صناعة التوافق الوطني الذي تستدعيه أغلب القرارات التي تتجاوز تصريف الأعمال. ومن البديهي أن قرار الحكومة بالطلاق مع ثنائي حركة أمل وحزب الله هو من نوع القرارات التي تفقد الحكومة فرصة صناعة التوافق حول أيّ من قراراتها الأعلى مرتبة من مستوى تصريف الأعمال والأقل شأناً من مصير سلاح المقاومة وحماية السيادة التي تنتهك كل لحظة تحت نظر الحكومة التي لا تكتفي بأنّها لا تفعل شيئاً، بل تستكثر إرسال برقية تعزية لأسر الشهداء، وهذا الطلاق السياسيّ سيتحول قريباً إلى طلاق اجتماعي وشخصي أقرب للقطيعة، بمعزل عن قرار الثنائي بصدد بقاء وزرائه في الحكومة أو مغادرتهم.

 

حتى نهاية العام سوف تكون العيون شاخصة على مصير قرار الحكومة حول السلاح، وسوف يكون حزب الله ومعه حركة أمل معنيين بربط كل حوار مع الحكومة بهذا العنوان، وانقطاع التواصل الإيجابي بين رئيس الحكومة ومكوّن سياسيّ وطائفي وازن نيابياً وشعبياً، يعني استحالة نقاش وتسويق مشاريع وقرارات ما يصيب كل شيء بالجمود، وعند نهاية مهلة نهاية العام وفشل مهمة نزع السلاح، وإن كان ذلك نتيجة لمساعٍ توافقية داخلية أو إقليمية أو دولية تنهي الأزمة، سوف تنهي الحكومة معها، وإن كان باندلاع حرب كثمرة للتصعيد الذي بدأه الاحتلال مستقوياً بموقف الحكومة، فإن مصير الحكومة صار مربوطاً بمصير حرب الكيان، تنتصر معه إذا انتصر وتبقى كحكومة على جبينها وصمة عار تسهيل مشروع الاحتلال وتخديمه، وإن فشل ترحل كثمن تدفعه لفشل الرهان الذي ربطت مصيرها به.

 

المصيبة ليست برحيل الحكومة بل ببقائها، إذا بقي الوضع لا غالب ولا مغلوب، وعندها سوف تبقى كحكومة تصريف أعمال مشلولة الفعل، عاجزة عن اتخاذ القرارات، قبالة عينها السلاح الذي قالت إنه لن يبقى وهو باقٍ رغم أنفها، لكنها لا تشعر بالحرج ولا بالخجل كي تستقيل لأن البقاء في الحكم أغلى من معايير النبل السياسيّ التي تفرض على من تخسر رهاناته أن يرحل، لكن إن ناقشنا كل احتمالات بقاء الحكومة، بوصمة عار أو حكومة تصريف أعمال، فإن لبنان هو الخاسر، والحل الأمثل هو رحيل الحكومة وإفساح المجال أمام من يستطيع التعامل بروحية توافقية مع تركيبة البلد المعقدة.

 

هذا المقال يقترح على الرئيس نواف سلام، الإعلان عن قرار جريء أنه سوف يستقيل ويرحل إذا فشلت حكومته في تنفيذ قرارها بإنهاء ملف السلاح مع نهاية العام، وأنه وضع كل رصيده السياسي في هذا القرار، والفشل في تطبيقه سوف يجعل حكومته بطة عرجاء فاقدة الاحترام والمهابة اللازمة لمواصلة الحكم، وأنه يفضل الخروج من الحكم على البقاء مجرد ديكور سياسي على كرسي رئاسة حكومة لا تحكم.

 

لعل هذا يكون أهم قرار يمكن أن يتخذه الرئيس سلام، فإن فاز برهانه يواصل الحكم ويحكم فعلاً، وإن خسر يرحل ويترك لسواه حسن التدبّر بخبرة التوافق لممارسة الحكم، وهذا تحدٍّ أخلاقيّ يعرف الرئيس سلام معناه، ولو أن الاستقالة ربما تكون واجبة لمجرد العجز عن الردّ على الاعتداءات التي بدأت على إيقاع قراره تصبح أشد وأقسى وأخطر، وهو لا يجد على السمع مَن وعدوه بأن القرار يجنّب لبنان المخاطر وهو كرئيس للحكومة يرى نفسه عاجزاً عن فعل شيء أمامها.