Beirut weather 24.41 ° C
تاريخ النشر December 5, 2023
A A A
حقيقة الخطّة الإسرائيلية في غزة…
الكاتب: الياس مخايل المر - الجمهورية

لماذا لم يتدفق الفلسطينيون إلى الحدود المصرية؟ هذا السؤال الذي وضع الجيش الإسرائيلي والقيادة السياسية الاسرائيلية في حيرة كبيرة دفعتهما في الجولة الأولى كما الثانية بعد انهيار الهدنة، الى ارتكاب هذا الكمّ الكبير من المجازر، حيث وصل عدد الضحايا من المدنيين إلى ما يربو على 15 ألف ضحية، ما دفع بالصحافة الأجنبية الى الامتعاض من هذا المشهد في القرن الحالي.

الهدف من الجولة الأولى كان تدمير شمال غزة بكامله، ولكن هذا ليس كل شيء، كان الهدف المعلن غير الحقيقي هو خلق أو إنشاء منطقة آمنة أو عازلة تُبعد حركة «حماس» عن الحدود الجنوبية لإسرائيل، ولكن الهدف الاسرائيلي الحقيقي هو إغلاق قطاع غزة كلياً وتهجير الفلسطينيين الى مصر عبر صحراء سيناء.

أمّا في النتائج الأولية، فما ظهر جلياً هو أنّ الفلسطينيين لم ينزحوا في اتجاه مصر أبداً، وأنّ سكان الشمال الذين تركوه قسراً في الجولة الأولى من الحرب، عادوا أو حاولوا العودة إليه في اليوم الأول من الهدنة، ما دفع بالجيش الاسرائيلي الى منعهم بقوة النار. لا يهمّ المنع، بل ما يهمّ في الاستراتيجية، أنّ سكان الشمال يعودون في أقرب فرصة اليه ولو كان قد دُمّر كلياً، ما يؤشر إلى أنّ عموم سكان غزة لن يتركوها ولن ينزحوا الى مصر.

الجيش الاسرائيلي نشر في الساعات الماضية خريطة «إخلاء غزة» في اتجاه منطقة المواصي في الغرب الجنوبي للقطاع، وعندما اطلعت الولايات المتحدة على هذه الخطة لم توافق عليها، وهذا بحسب «نيويورك تايمز» الأميركية، في اعتبار أنّ هذه المنطقة «المواصي» هي منطقة من مستوطنات «غوش قطيف» سابقاً، ولمساحتها الصغيرة لا يمكن أن تستوعب جميع أهالي غزة، ما يفضح الإرادة الحقيقية لاسرائيل بالاستحواذ على كل القطاع، والقيام بـ»الترانسفير» الى خارجه وليس إلى أي منطقة داخلية.

هذا الموقف الأميركي، بالإضافة الى خوف اسرائيل من احتماء عناصر «حماس» وبقية الفصائل في هذه المنطقة، أو أي منطقة أخرى تُعتبر آمنة، دفعا بها إلى التراجع عن هذه الخطة، ما يعني أنّه لن تكون هناك أي منطقة آمنة في غزة انطلاقاً من المرحلة الثانية بعد انهيار الهدنة. ولذا، انتقل الجيش الاسرائيلي إلى الخطة «ب»، والتي بموجبها تمّ تقسيم جنوب غزة الى مربعات صغيرة، يقوم الجيش بإعلان قيامه بعملية على مربع ويطلب من سكانه الانتقال الى مربع آخر.

هل هذه الخطة قابلة للتنفيذ؟

من الصعب طبعاً تنفيذها لأنّ عدد سكان جنوب القطاع يفوق المليونين، وعدد السكان في كل مربع يبلغ مئات الآلاف، وأمر انتقالهم من مربع الى آخر أشبه بالمستحيل، ما سيؤدي حكماً الى انفجار هائل في عدد الضحايا المدنيين، الأمر الذي بدأ ينفر منه المجتمع الدولي والرأي العام الغربي.

كل هذه المؤشرات تؤدي إلى أنّ اسرائيل ماضية في ارتكاب المجازر، وما يُعدّ للمنطقة الجنوبية لن يكون أقل مما تمّ ارتكابه في الشمال، على الرغم من استمرار المواجهات مع الفصائل في الشمال، بعد أسابيع من سيطرة اسرائيل عليه.

وماذا عن المخاوف من إطالة أمد الحرب وما قد تؤدي إليه؟

مراكز الأبحاث في اسرائيل، تشير الى أنّ «حزب الله» كان يُعدّ لاجتياح شمال اسرائيل قبل عملية السابع من تشرين الاول، وأنّ لديه اليوم أسباباً كثيرة للقيام بهذه العملية. كذلك يشير مركز الدراسات «ألما» الى أنّ الحزب أعدّ لاجتياح الشمال على 5 مراحل:

• المرحلة الأولى، شنّ هجمات صاروخية مكثفة على مناطق الشمال، وهذا ما بدأه فعلاً.

• المرحلة الثانية، الدخول عن طريق الأنفاق التي تعبر الحدود.

• المرحلة الثالثة، الاجتياح البري بأعداد كبيرة من المقاتلين، ويقدّر مركز الدراسات العبري «ألما» عدد المقاتلين المنظّمين للحزب بـ 150 ألف مقاتل.

• المرحلة الرابعة، الاستحواذ على رهائن بأعداد كبيرة ونقلهم الى جنوب لبنان.

• المرحلة الخامسة، تثبيت الوجود في الشمال في انتظار ألوية الجيش الاسرائيلي لإيقاعها في مكامن محكمة.

كل الأنظار متجّهة نحو «حزب الله» وما سيقوم به في هذه المرحلة، وخصوصاً لمن يراقب ضربات اسرائيل في سوريا وأهداف هذه الضربات، والأخيرة منها التي استهدفت اثنين من كبار ضباط الحرس الثوري الايراني الكبار الموجودين في سوريا، وهذه هي المرّة الأولى التي تستهدف فيها اسرائيل مسؤولين عسكريين إيرانيين بعد «طوفان الأقصى»، ما قد يؤشر الى ردّ ايراني وقد يكون من جنوب لبنان. بحسب بعض الأجواء الاسرائيلية، فهي توجّه اللوم والاتهام للسلطة السياسية لأنّها بأفعالها الاستفزازية، تدفع «حزب الله» إلى الانخراط «الفعلي» في المعركة، ما يُعتبر بالمفهوم العسكري خطوة انتحارية قاتلة للمجتمع الاسرائيلي، وهدف السلطة السياسية من هذه المغامرة هو إنقاذ نفسها لتوسيع نطاق الحرب على المستويين، المكاني في اتجاه جنوب لبنان أو كل لبنان، والزمني تهرّباً من الضغوط التي تهدف الى وقف الأعمال القتالية في غزة، تلك الضغوط العربية والغربية، السياسية الحكومية أو الأهلية والمجتمع المدني والرأي العام العالمي، الذي تحوّل في الغرب من داعم لإسرائيل ومتعاطف معها، الى رافض لكل المجازر في حق المدنيين والمغالاة في ردّ الفعل والانتقام. ووقف القتال في هذه الوضعية يُعتبر هزيمة على المستويين العسكري والسياسي بالنسبة الى اسرائيل.