Beirut weather 15.41 ° C
تاريخ النشر November 5, 2022
A A A
حزب الله والطائف: سؤال جدي؟
الكاتب: ناصر قنديل - البناء

طالما تباهى أغلب الأطراف السياسية المناوئة لحزب الله بتمسكهم باتفاق الطائف، وحاولوا تقديم الحزب كمصدر خطر على الاتفاق، وسعوا لتحويل الطائف إلى متراس للمواجهة مع الحزب، سواء عبر ما يوحي به الاتفاق من سلم أهلي، أو من ثقة لدى أبناء الطائفة السنية بمكاسب سياسية، أو ما يقوله للمسيحيين من ثبات القسمة الطائفية عند المناصفة وحفظ مناصب اساسية للمسيحيين، رغم تبدل التوازنات العددية بين الطوائف، لتحويل الإيحاء بالعداء بين الحزب والطائف إلى مدخل لاستثارة كل هؤلاء ضده، فما هو التقييم الحقيقي لموقف الحزب من الطائف؟

تستند رواية العداء بين حزب الله والطائف إلى لعبة تجمع المنطق والخداع البصري والتأويل، المنطق هو أن حزب الله لم يكن من المشاركين أو المباركين للطائف، الذي ولد في سياق مشروع رعاية أميركية معادلات جديدة في المنطقة بعد حرب الخليج ومؤتمر مدريد، لم يكن حزب الله ضمنها، بل كان شديد الحذر تجاهها. أما الخداع البصري فهو الانطلاق من الإيحاء الذي يحمله الاسم، اي الطائف، من رمزية لمرجعية سعودية، توحي دون الحاجة للتدقيق بالعداء بينها وبين حزب الله، من طرفي المعادلة. ويبقى التأويل، وهو الاستناد الى دعوة حزب الله الى مؤتمر تأسيسي للبحث في أزمة النظام التي يتحدّث عنها الجميع، وسحب الدعوة من التداول منعاً لسوء فهمها كدعوة للخروج من اتفاق الطائف، لأن الدعوة نفسها أشد التصاقاً بالطائف من الدعوات التي تتلحف بالطائف لخوض حروب الصلاحيات بين رئاستي الجمهورية والحكومة، لأن أي بحث في الطائف سيوصلنا إلى ثلاثة أركان، ركن ميثاقي، وركن سياسي، وركن إقليمي، فما هو الفرق بينها، وأين يقف حزب الله وخصومه منها؟

يقوم الركن الميثاقي للطائف على استبدال صيغة حكم 1943 التي كانت تقول باعتماد الشراكة بين الطوائف في إنتاج مجلس نيابي ورئيس للجمهورية، والاحتكام بعدها لممارسة سياسية يتولاها رئيس الجمهورية وقاعدة الأغلبية والأقلية في مجلس النواب، بصيغة تعتبر التوافق شرطاً مستمراً في ممارسة السلطة عبر نقل أغلب صلاحيات رئيس الجمهورية المقرّرة الى مجلس الوزراء مجتمعاً، وتوزيع صلاحياته الإدارية بينه وبين رئيس الحكومة. وفي خدمة هذا التحوّل الميثاقي الذي يعقد ممارسة الحكم، تم تثبيت المناصفة وصولاً الى تخفيف قبضة الصيغة الطائفية لصالح مجلس نواب غير طائفي ومجلس للشيوخ، وتحرير تدريجي لوظائف الدولة من التوزيع الطائفي. وهنا يأتي دور الركن السياسي الذي تحول إلى نصوص دستورية حول الصلاحيات والإجراءات والعلاقة بين المؤسسات، والركن الإقليمي الذي تكرّس بالتفاهم السوري السعودي ورعايته لتشكيل مؤسسات الحكم.

عندما ينتفض خصوم حزب الله أو بعض حلفائه، مسيحيين ومسلمين، على كل دعوة لاعتماد التوافق، سواء في كيفية استيلاد رئيس للجمهورية، أو في كيفية النظر لمفهوم الثلث الضامن في الحكومة كترجمة سياسية للصيغة التوافقية، أو في الإجابة عن سؤال كيفية التوفيق بين طروحاتهم وتوفير التوافق اللازم لتحقيقها، وينتهي خطابهم بالتعطيل ويتهمون الطائف بالمسؤولية عنه، بينما سقوفهم الخاصة التي يصعب تحقيق التوافق عليها هي السبب، يظهر بوضوح أن التمسك اللفظي بالطائف عند الكثيرين، يقوم على السعي الدائم للانقلاب على جوهره القائم على التوافقية كشرط ملازم للديمقراطية، كلما لاحت في الأفق فرصة لتحقيق طروحاتهم أو طموحاتهم بقوة موازين القوى، سواء كانت تغيرات خارجية، او أغلبية برلمانية؛ وموقف حزب الله عقلاني وليس طوباوياً، فهو يدرك أن الأغلبيات اللبنانية قابلة للتغيير السياسي في رمال متحركة، ويوصلنا أي تدقيق في خلفية موقف حزب الله، إلى أن تمسكه راسخ بالصيغة التوافقية، لأنها تضمن له كما لسواه حق الفيتو. وهذا كاف لحفظ الاستقرار وحماية الأدوار، ولذلك عندما طرح حزب الله الدعوة لمؤتمر تأسيسي انطلق من اعتبار الدعوة لصيقة بجوهر الطائف، وهو التوافق. وعندما لمس غياب التوافق عليها سحبها من التداول.

في الشأن السياسي، يصح في النظر للطائف القول، أن الجمل بنيّة والجمال بنيّة والحمل بنيّة، فكل يدافع عن طائف مختلف، وفقاً لموازين القوى والخلفية الطائفية، سواء في قضايا الصلاحيات أو في النظر للمناصفة وعلاقتها بالتقليص التدريجي للصيغة الطائفية، أو للامركزية، وكلها محكومة في نظرة حزب الله لمعيار التوافق قبل أي معيار آخر، بينما ينظر إليها كل فريق باعتبارها قضايا قائمة بذاتها، ولو على حساب التوافق. أما في الشأن الإقليمي فما يراه خصوم حزب الله هو أن الطائف رعاية سعودية، دون أن يخرج حزب الله لتذكيرهم بأنها سورية سعودية، وأنها في نص الاتفاق سورية أكثر، وأن العلاقات المميزة مع سورية بند رئيسي من بنود الاتفاق، ويكتفي بما يراه ميثاقياً بالدعوة للتوافق الداخلي لتعويض غياب المرجعية الإقليمية التي أناط بها الطائف ادارة شؤون اللبنانيين في الحكم، مستعيداً مفردات السيادة التي يتحدث عنها الآخرون، ولا يجدون غضاضة باعتبارها تحت المرجعية السعودية الكاملة.

الطائف صيغة جوهرها أن بديل الحرب الأهلية ونزاع الأدوار بين الطوائف، هو اشتراط التوافق على أي استحقاق وأي قرار، يهدّد الخلاف حوله بنزاع طائفي. وتحت سقف هذا التوافق يمكن تسيير آليات الدولة ولو ببطء يفرضه التوافق، لأنه يبقى أقل ضرراً من سرعة الآلية التي تعتمد على موازين القوى الإقليمية او المحلية، وحزب الله الذي يريد الاطمئنان الى استقرار توازنات الداخل القائمة على امتلاك المكونات الطائفية والسياسية حق النقض، يشمله كما يشمل سواه، فيزيل القلق من خطر الاستهداف، ولذلك لا يمانع من يستهدفون حزب الله، كمقاومة تسبب القلق لكيان الاحتلال ومن خلفه معسكر دولي إقليمي واسع، بأن يسقطوا صيغة التوافق وضماناتها إذا كان ذلك يوصلهم للفوز بالمعركة على حزب الله، ولو رفعوا شعار الدفاع عن الطائف لإسقاطه، وأهم إسقاط للطائف هو إعادة إنتاج بيئة الحرب الأهلية برئيس لا ينتجه التوافق ويهدّد بنزع سلاح المقاومة، أو بفراغ تتفكك معه الدولة والقول إن التوافق هو المسؤول عن الفشل وليس إصرارهم على الربح الكامل في نظام تمّ تأسيسه على رابح رابح، وفي أحسن الأحوال لا غالب ولا مغلوب.