Beirut weather 14.65 ° C
تاريخ النشر August 6, 2022
A A A
حرب تموز في آب…لشرق أوسط جديد من غزة!
الكاتب: ناصر قنديل - البناء

 

 

– الحقيقة الأولى التي نعرفها معرفة اليقين عن العملية العسكرية العدوانية لجيش الاحتلال على غزة، هي أنها ليست حصيلة انزلاق نحو المواجهة بفعل تداعيات لا يمكن السيطرة عليها، حيث لم يكن هناك أي عمل عسكري مصدره غزة يمكن الظن بأن العملية الإسرائيلية هي ردّ عليه، وأن التصاعد بين الرد والرد على الرد أوجد مناخاً من التصعيد، فنحن أمام مبادرة واضحة من جيش الاحتلال نحو عمل عسكري استخباريّ اختياريّ، لكنه يفتح الباب أمام جولة تصعيد، ربما تكون هي ما يصعب السيطرة عليه.

– الحقيقة الثانية التي نعرفها، هي أن ربط العملية بالاعتبارات الانتخابية الإسرائيلية وشخصية يائير ليبيد وحاجته لإثبات أهليته لقيادة الكيان، يمكن قبوله، لكن بشرطين، الأول هو تفسير كيفية قبول القيادة العسكرية والأمنية بالمخاطرة بعمل قد يستدرج مواجهة طالما سعت القيادات العسكرية لتفاديها، والثاني هو تفسير الحسابات التي تتيح الثقة بأن مردود هذه العملية سيكون تعزيزاً لمكانة من يخوض غمارها ويقود تداعياتها من الجانب الإسرائيلي.

– الحقيقة الثالثة التي نعرفها هي أن تجارب المواجهة المشابهة التي خاضها جيش الاحتلال مع المقاومة في غزة، وصولاً الى آخرها العام الماضي في معركة سيف القدس تقول إن جيش الاحتلال عاجز عن كسر معادلات الردع التي فرضتها المقاومة، سواء بالقدرة على منع العملية البرية ضد غزة، أو بتوازن الرعب الذي فرضته صواريخ المقاومة بمداها وفعاليتها مع بلوغ تل أبيب والقدس، فما هي الحسابات التي تقف وراء المخاطرة بتكرار الفشل، انطلاقاً من مبادرة هجومية واضحة؟

– النتيجة الأولى التي نصل إليها، هي أن مواجهات القدس قبل شهور قليلة وعجز المقاومة عن فرض معادلات الردع رغم السقف العالي لخطابها التحذيريّ، رغم تفسيره من فصائل المقاومة بتعهدات الوساطات العربية والدولية، خلقت لدى الجهات الإسرائيلية الانطباع بعدم جهوزية المقاومة لجولة ثانية تشبه جولة سيف القدس لعدم توافر القدرات اللازمة، خصوصاً على صعيد المخزون الصاروخي، وأغلب الظن أن الاعتقاد الإسرائيلي بأن حركة الجهاد الإسلامي هي من يعاني هذا النقص الصاروخي ما دفع جيش الاحتلال للاعتقاد، أن مبادرة الجهاد للردّ هي التي كانت دائماّ تفتح الباب لجولة تنخرط فيها حركة حماس، ولذلك غابت المبادرة من الجهاد فغاب الردّ المتوقع من قوى المقاومة بفعل هذا العامل، فلم تقع الجولة التي كانت متوقعة.

– النتيجة الثانية التي نصل إليها، هي أن اختبار جيش الاحتلال فرضية استفراد حركة الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية قد أغرى جيش الاحتلال بإمكانية توسيع نطاق هذا الاستفراد، والرهان على توجيه رسائل التطمين والإغراء إلى حركة حماس من جهة والضغط عليها من جهة مقابلة، وضمان صمت الوسيط المصري خصوصاً لفترة أيام كافية لتحقيق الهدف، وضغط الوسيط التركي والوسيط القطري على حركة حماس لضمان تحييدها، ما يفتح الطريق لعملية عسكرية تبدأ بضربة استباقية مؤلمة لما اتيح استهدافه بالضربة الأولى من قادة ومواقع ومقدرات لحركة الجهاد وسرايا القدس، وبعدها يمكن للإخلال بالتوازن العسكري بوجه الجهاد، أن يبني معادلة استقرار عسكري من نوع جديد مع غزة وفي سائر الأراضي الفلسطينية.

– النتيجة الثالثة التي نصل إليها، هي أن عملية بهذا الحجم من المخاطر لا يمكن خوضها من قبل جيش الاحتلال دون موافقة ومشاركة من واشنطن. فالكيان في وضع سياسي وعسكري لا يحتمل المخاطرة، وواشنطن في وضع استراتيجي في المنطقة لا يحتمل تبعات فشل إسرائيليّ ينعكس على توازنات المنطقة. وهذا يعني أرجحية وجود قرار أميركيّ بالعملية رافق زيارة الرئيس الأميركي إلى المنطقة، تجعل من العملية الإسرائيلية تكراراً للمعادلة التي حملها قرار أميركي مشابه بحرب تموز 2006، لمحاولة تعديل توازنات المنطقة من بوابة ضرب قوة رئيسيّة في المقاومة، واعتبار الفوز بهذا الرهان بداية لولادة شرق أوسط جديد.

– في آب 2022 محاولة شطب وسحق حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين تكرّر ما سبق وحدث في تموز 2006 لمحاولة شطب وسحق حزب الله في لبنان، والهدف واحد، رسم توازنات جديدة تحكم المنطقة، ما يرسم علامات استفهام كبرى حول وظيفة مرسومة لمفاوضات فيينا حول الملف النووي الإيراني، وتطمينات الوسيط الأميركي للبنان حول مفاوضات النفط والغاز، لتوفير فرصة الأيام المطلوبة لتحقيق الهدف، وفي حال الفشل المسارعة للسير بالتسويات التي تضمن توقيع الاتفاق النووي مع إيران، والقبول بتوقيع اتفاق النفط والغاز مع لبنان بشروطه، وفتح الباب لمفاوضات مع غزة لتلبية شروط المقاومة لضمان التهدئة.

– إطلاق الصواريخ من غزة حمل أولى الرسائل حول قدرة المقاومة على خوض جولة أخرى، وأسقط الرهان على ضعف المقدرات، أما الرهانات الأخرى فتنتظر رسائل تسقطها، والرسائل المطلوب أن تصل الى جيش الاحتلال معلومة من قبل قوى محور المقاومة، سواء من حركة حماس أو إيران أو حزب الله أو فصائل المقاومة في العراق واليمن، وستبدأ بالظهور تباعاً.

– في المنطقة شرق جديد ستظهر معدلاته، وزمن استيلاد شرق أوسط أميركي جديد انتهى الى غير رجعة.